تلعب الافتراضات التي يحملها الإنسان في ذهنه على الدوام دوراً كبيراً في تحديد طبيعة علاقاته مع الآخرين. فالذي يفترض ان الآخرين يضمرون له على الدوام سوء النية والكره والعداء يفسر تصرفاتهم على هذا الأساس، ويؤدي أسلوبه المتوتر في التعامل معهم، المبني على سوء الظن، الى حملهم على التعامل معه بأسلوب مشابه. ويصادفنا في الاستشارات النفسية كثير من هؤلاء الناس. وغالباً ما تتحسن علاقاتهم مع الآخرين عندما نستخرج الافتراضات السلبية الموجودة عندهم، ونشرح لهم دورها في تشكيل الواقع المتوتر الذي يعيشونه، ونساعدهم على استبدالها بافتراضات ايجابية تقوم على الثقة بالآخرين، وحسن الظن فيهم، وتوقع الأفضل منهم. وعندما ننظر الى الواقع السياسي المرير في معظم الدول العربية نجد أن الافتراضات السلبية، عند الشعب والسلطة على حد سواء، لعبت دوراً كبيراً في صنع هذا الواقع. فالشعب يفترض الأسوأ من السلطة. ويفترض أنها لن تسمح له بممارسة حريته والحصول على حقوقه، ويفترض أن لا مجال للإصلاح من طريق العمل السياسي السلمي. هذه الافتراضات تجعله يسيء تفسير أي مبادرة من السلطة، وتقعد به عن صنع فرص الإصلاح، بل قد تلوح هذه الفرص في الأفق نتيجة متغيرات داخلية أو خارجية، لكنه لا يراها، ولا يستغلها بسبب افتراضاته السلبية. وكل ذلك يعوق عملية الإصلاح، ويؤكد افتراض استحالة الإصلاح، من دون أن ينتبه أحد الى أن هذا الافتراض أوجد الظروف التي أدت الى اعتقاد استحالة الإصلاح، وليس العكس. أما السلطة فتفترض ان الشعب فوضوي عاطفي متخلف وغير ناضج سياسياً، ولا تليق به الحرية والديموقراطية. وهذا الافتراض يدفع السلطة الى حرمان الشعب من فرص تطوير ممارسته الديموقراطية، وإنضاج تجربته السياسية، والتدرب على الشعور بالمسؤولية والالتزام. وكل ذلك يعوق تطوير الممارسة الديموقراطية، ويؤكد افتراض أن الشعب غير مؤهل لهذه الممارسة. ولا ينتبه أحد الى ان هذا الافتراض أوجد الظروف التي أدت الى اعتقاد عدم أهلية الشعب للممارسة الديموقراطية، وليس العكس. فالافتراضات والتصورات التي نحملها في رؤوسنا تصنع واقعنا، وإذا أردنا ان نغير هذا الواقع، علينا ان نراجع افتراضاتنا وتصوراتنا شعوباً وحكومات، وأن نستبدلها بما هو أفضل: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم. دمشق - الدكتور ياسر العيتي