ليست خريطة الطريق الأخيرة هي المقصودة. بل هي خريطة الانتحار التي سلمها الوزير الأميركي باول الى سورية، في رحلته. وبدأ مفعولها يظهر على الأعمدة السورية. لقد أمرت أميركا النظام العراقي بتحطيم كل ما يحصنه، أو يعرقل الاحتلال السريع، لتظهر أميركا قادرة على سحق من يقف أمامها، وسورية تقف على أعمدة منها "حزب الله" اللبناني، والمنظمات الفلسطينية الرافضة للاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، الى جانب قوى اليسار العربية والعالمية. وخريطة الانتحار تبدأ بالطلب الى سورية أن تقطع صلاتها بمن يحملها ويحميها، وهي أعمدتها. وبعد ذلك لا يبقى إلا تنفيذ الأوامر الأصعب، وهي التخلي عن السلاح. ويبدأ الهجوم على نقطة الضعف، وهي الديكتاتورية واسم الحزب الملوث عراقياً. أما الفصل الأخير فيمهد لدخول القوات الأميركية في مقابل ترك رموز النظام. فالإدارة الأميركية وعت حقيقة سياسية لا ينفع معها الاستعطاف. وما يستطيع باول تقديمه الى البلدان المتخاذلة هو خريطة الانتحار. ومن البديهي أن الشعوب العربية أرشد سياسياً من الأنظمة الديكتاتورية. وهذا جعل الإدارة الأميركية تتعاطى مع الشعوب وكانت هذه الإدارة تعتقد أن صدام وغيره مُطَمئن لقواتها. لكن 11 أيلول سبتمبر أثبت خطأ اعتماد الديكتاتورية. ونوَّر الشعب العربي الإدارة الأميركية بقوله: لو لم تكن لدينا الديكتاتورية لما كانت أصلاً في بلداننا منظمات إرهابية، لأن دولة القانون المبنية على الديموقراطية لا تساعد منظمات إرهابية. والديكتاتورية العربية لم تعد قادرة على قمع شعوبها وحماية المصالح الأميركية. ولكي تحمي أميركا نفسها من الإرهاب وجب عليها ضرب جذور هذا الإرهاب، أي الديكتاتورية التي تحولت، مع اضطرارها الى زيادة القمع، الى أنظمة فاشية مستبدة لا تنفع معها إلا القوة. فالشعب هو الذي ابتدأ ضرب جذور الديكتاتورية، وهي قوى الاستعمار. وأصبح الشعب العراقي قادراً، بعد كفاحه الطويل، على إسقاط النظام الفاشي في العراق. وهذا الذي جعل أميركا وبريطانيا تسرعان في احتلال بغداد قبل الشعب العراقي. ولو تأخرت أميركا لفقدت العراق، وافتضح أمرها، كما حصل لها في إيران. وهذا يعني ان اميركا، لو كانت في سنة 1979 بهذا المستوى من الوعي السياسي لاتفقت مع شاه إيران على خريطة الانتحار قبل الثورة الإيرانية. ولكن هذه السياسة الأميركية ستفشلها إسرائيل لأن أميركا لا تستطيع أن تعمل مع الفاشية الإسرائيلية ضد الفاشية العربية. والطلب الإسرائيلي سبق أن كلف "المارينز" 260 قتيلاً في لبنان، وأميركا لا تستطيع الانتصار إلا على عملائها. برلين - د. لطيف الوكيل