هل يحمل وزير الخارجية الأميركي كولن باول مساء غد الجمعة اكثر من وعد لسورية بأن يتم البحث لاحقاً في موضوع الجولان السوري المحتل، في مرحلة محددة من تقدم المسار الذي ترسمه "خريطة الطريق" المتعلقة بمعالجة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ام ان ما سيقدمه لسورية سيقتصر على مجرد الوعد؟ فوزير الخارجية السوري فاروق الشرع قال الثلثاء بعد لقائه نظيره التركي عبدالله غل، انه "يجب ان تتضمن الخريطة موقع سورية ولبنان فيها"، وهو امر يعتبره المراقبون والمحللون في العاصمة السورية وخارجها جوهرياً بالنسبة إليها، في مقابل المطالب الأميركية منها، التي تعتبرها واشنطن او تعتبر بعضها جوهرية هي الأخرى. فالباحثون عن جواب عما سيحل بالعلاقة الأميركية - السورية بعد المحادثات التي سيجريها باول مع الرئيس بشار الأسد والشرع، ينتهون الى واحد من استنتاجين. الأول: ما الثمن الذي ستقدمه واشنطنلدمشق في مقابل مطالبتها بالاستجابة للائحة المطالب الكثيرة التي ترفعها؟ والثاني: لا ثمن الآن لأن السياسة الأميركية باتت تقوم على اختبار الإيجابية السورية للامتناع عن تصعيد الضغوط... ويعتقد المراقبون في دمشق ان قيادتها باتت تدرك ما تريده واشنطن، لأن الموفدين الدوليين والعرب الكثر الذين زاروها في الأسبوعين الماضيين حملوا بمعظمهم إما رسائل أو نصائح حول ذلك، بدءاً بوجوب تعديل اللهجة واللغة السورية ازاء واشنطن. وبهذا المعنى فإن الأجوبة السورية قد تكون محصلة تشاور واسع. القيادة السورية اعتمدت "آلية جديدة" إزاء هذه المطالب، سواء في الشأن العراقي ام الشأن الفلسطيني و"خريطة الطريق"، تقوم على ما أعلنه الأسد، بقوله: "نوافق على ما يقبله الفلسطينيون... والشعب العراقي هو الذي يقرر مصيره بنفسه". وبهذا تعتقد دمشق ان الأسد أقفل الطريق على اتهام سورية بأنها ضد "خريطة الطريق"، مذكراً بمطلبها في شأن الجولان، وحال دون اتهامها بتحريض العراقيين على مقاومة الاحتلال الأميركي. وفيما كانت دمشق تجاوبت مع مطلب عدم استقبال مسؤولين عراقيين من النظام المتداعي فيها، وأعلنت إقفال الحدود، فإن مبدأ "عدم التدخل" في الشأن العراقي سيتحول لازمة في المواقف السورية في المرحلة المقبلة، "فنحن لسنا في حاجة الى هذا التدخل الذي بات مسألة اميركية". بل ان البعض لا يستبعد ان يكون اخراجها بعض المسؤولين العراقيين من اراضيها الى الأراضي العراقية أدى الى اعتقال بعض رجالات النظام السابق من الأميركيين. ويشبّه البعض موقف الأسد من "خريطة الطريق" بالموقف الذي سبق ان اتخذته سورية من "اتفاق اوسلو" عام 1993 حينما اعتبرت انه شأن الفلسطينيين "على رغم ملاحظاتنا عليه التي اثبتت الأحداث صحتها... ولذلك فإن سورية لم تسحب سيفها ضد الخريطة من دون ان تسلّم بها كاملة. وهذا يعني ان سورية لن تتدخل ايضاً او تحرض على إجراءات ضد الخريطة". وثمة موفدون اجانب التقوا المسؤولين السوريين خرجوا بانطباع مفاده ان موقف دمشق، مهما كانت صياغته سيكون ميالاً الى الإيجابية إزاء الخريطة. تلخص بعض الدوائر الرسمية السورية مزاج القيادة إزاء زيارة باول بالقول: "هناك استعداد للصداقة لا للتنازل، مع ما يعنيه ذلك من التمسك بالشرعية الدولية". ويلخص زائر اجنبي استعدادات دمشق بالقول: "صحيح ان سورية اكثر قابلية للتكيف مع الظروف الجديدة وبسبب جموح القوة الأميركية، لكن مع الحفاظ على الكرامة ايضاً". ولم تقتصر اجراءات التكيف السورية على إعلان وزير الخارجية فاروق الشرع "إننا لن نتدخل في العراق"، بل شملت الى اقفال الحدود، تعديلات في اللهجة: فالإعلام الرسمي السوري لم يعد يتحدث عن "العدوان الأميركي" على العراق، و"دحر العدوان" بل بات يشير الى الحرب على العراق، وأصبح هذا الإعلام حذراً في تعابيره. وهذا يرمز الى الكثير في سورية، كما بات يشير الى "الضحايا العراقيين" احياناً بدلاً من "الشهداء"... بل ان البعض في دمشق لا يتوانى عن القول انه حصل بعض "المغالاة" قبل الحرب وأثناءها، والتي "قفزت فوق عدائنا السابق للقيادة العراقية وخلافاتنا التاريخية معها والتي بلغت في احدى المراحل حد إرسالها متفجرات الى دمشق". إلا ان هذا لا يمنع بعض المحللين من القول ان "عدم تدخل سورية سيترك للذين يتدخلون اي اميركا ان يتحملوا مسؤولية ذلك...". لكن هذا لا يعني التوقف عن اعتبار ما تقوم به اميركا احتلالاً، فهذا وصف ينطق به المسؤولون الأميركيون انفسهم والأمم المتحدة ودول الجوار والدول العربية. وبالتالي من الطبيعي ان تطلب دمشق من اميركا ان تسحب قواتها بسرعة. لكن السؤال يبقى: هل سيطرح باول على دمشق ان تتعاون في العراق كونها اكثر دول الجوار التي تحتفظ بتنوع في العلاقات مع الفصائل والطوائف والقوى السياسية العراقية قياساً الى دول الجوار الأخرى التي تقتصر علاقاتها على فصيل او جهة وجهتين فقط، أم انه سيكتفي بصيغة عدم التدخل؟ وهل في امكان سورية ان تكتفي بإقفال الحدود وتقف متفرجة على تشكيل واشنطن القيادة السياسية العراقية الحكومة او الإدارة الانتقالية؟ ألن تهتم القيادة السورية مثلاً بأن تلفت نظر باول الى ان توجه واشنطن نحو دفع الحكومة العراقية المقبلة الى إقامة علاقات مع اسرائيل سيحرجها وربما يخرجها؟ وهل يمكن دمشق ان تدير ظهرها لعلاقات التبادل التجاري والاقتصادي ولمصالحها بما فيها النفطية في العلاقة بالعراق الجديد، التي تشكل جزءاً من اقتصادها؟ هذا فضلاً عن علاقاتها التاريخية بشعب شقيق ثمة عائلات واحدة على الحدود في البلدين. اخيراً، يستبعد المحللون والمراقبون في العاصمة السورية ان يطرح باول اتفاق سلة عليها ويرجحون ان يكرر اولوية الأمن على ما عداه، بحجة ان عدم سلبية سورية ازاء "خريطة الطريق" يفترض ايضاً "خلق الظروف" التي تتيح للمفاوضات التي ستطلقها هذه الخريطة ان تتم في مناخ بعيد من العنف. وعليه يتوقع هؤلاء المراقبون ان يطالب باول بأن تسعى سورية لدى الفصائل الفلسطينية المعنية و"حزب الله" كي تجمد عملياتها العسكرية. ولا يستبعد المحللون ان توافق سورية على ان تبذل جهودها في هذا الصدد لدى "حزب الله" تجديداً لتفاهم حصل مع باول السنة الماضية قضى بالتهدئة في جنوبلبنان.