رحلت الفنانة تحية حليم احدى رائدات الحركة الفنية التشكيلية المصرية بعد رحلة فنية امتدت أكثر من نصف قرن، حصدت خلالها أرفع الجوائز محلياً وعالمياً وتركت فيها بصمة متميزة على الساحة التشكيلية. يقول الناقد صبحي الشاروني ان البعض كان يطلق على تحية التي توفيت أوّل من امس عن 84 عاماً لقب "ام الفنانين"، لحسها الانساني ومشاعرها الفياضة نحو كل من يتعامل معها. وفي كتابه "تحية حليم... الواقعية الاسطورية" الصادر عام 1999 نقل الشاروني عن الفنان حسين بيكار قوله: "انني، رغماً عني، وبيني وبين نفسي اقول لها ماما تحية، على رغم انها اصغر مني سناً... اشعر انها تتدفق بالامومة وتشعرني بأنني ابن اصغر... وهي ميزة عجيبة لا تتوافر في أي انسان". لم ترزق تحية بأبناء خلال زواجها من الفنان حامد عبد الله الذي لم يستمر طويلاً. ومع الامومة الفياضة التي تأسر بها تحية المحيطين بها، تشع في الوقت نفسه بأحاسيس طفولية اخاذة، حتى ان الفنان حلمي التوني يصفها ب"الطفلة الساحرة الغريبة"، ويؤكد ان طفولتها "ساحرة"، بحسب ما جاء في كتاب الشاروني. يعود مشوار تحيّة حليم الفني الى الاربعينات من القرن الماضي، وقد فازت بجائزة الدولة التقديرية للفنون التشكيلية عام 1995، وهي الجائزة التي يعتبرها كثيرون افضل تتويج لرحلة عطائها. وسبق ذلك الحصول على جائزة الدولة التشجيعية عام 1967، كما نالت وسام العلوم والفنون من الدرجة الاولى عام 1968 عن لوحة "الخبز في الصخر" و"جائزة غوغنهايم الدولية" في الولاياتالمتحدة عام 1958 عن لوحتها "حنان" التي اصبحت من مقتنيات المتحف. بدأت تحية دراسة الفن في مرسم الفنان السوري يوسف طرابلسي، اواخر الثلاثينات، ثم على يد الفنان حامد عبدالله الذي تزوجته لاحقاً. وفي باريس درست التشريح الفني حتى أصبحت خطوطها متمكنة ومطاوعة لخيالها. والمعروف أن النوبة ارضاً وناساً كانت الموضوع الاثير لتحية، اذ استلهمت منها معظم اعمالها ومنها لوحات زيتية كبيرة مثل "فرحة النوبة بالرئيس عبدالناصر" و"يوم الحنة في النوبة" و"فرحة النوبي". عشقها الثاني عن علاقتها الوثيقة بالنوبة، يقول الفنان احمد نوار مدير المركز القومي للفنون التشكيلية في "كتالوغ" احد معارض تحية: "في الستينات من هذا القرن وجدت الفنانة تحية حليم ضالتها في ارض النوبة قبل تشييد السد العالي وبعده، فأخذت ترسم وترسم من دون توقف او ملل.. وتوهجت ألوانها بالزهو وانبثق المكنون في داخلها... كأنما استردت كيانها وانشغلت بوجدانها وعشقها الثاني". وخلال رحلتها الفنية اقامت الفنانة نحو 50 معرضاً داخل مصر وخارجها، وشاركت في معارض دولية في ايطاليا والبرازيل وفرنسا ويوغوسلافيا والصين... وكان آخر معرض كبير لها عام 1995، عقب فوزها بجائزة الدولة التقديرية. وتتلمذ على يدي تحية حليم منذ عام 1975 عدد من رموز الحركة التشكيلية المصرية الكبار، من أمثال انجي افلاطون وصفية حلمي وسوسن عامر وغيرهن ممن ارتدن مرسمها الخاص في الزمالك الذي صار مسكناً لها بعد ذلك. وعن الاسلوب الفني لتحية، يقول كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية لنقاد الفن التشكيلي: "تجمع تحية في ابداعاتها عناصر وسمات متعددة استخلصتها من تجاربها الممتدة... فهي رومانسية وتلقائية، لم تتخل عن فطرتها النقية وبراءتها في التعبير. كما انها مسيطرة على لغة التشكيل، ويغلف ابداعاتها حس تأثيري انطباعي، وهارمونية متميزة". ونقل الشاروني في كتابه عن التوني قوله: "كأنها ترسم بتراب الحقل... يخيل إلي لو اننا وضعنا بذرة في لوحاتها لنبت فيها عود اخضر"... وتجدر الاشارة إلى أن وليد عوني، مصمم الرقص اللبناني المقيم في القاهرة، كان استوحى احدى أجمل مسرحيّاته من حياة تحيّة حليم وأعمالها. والمسرحيّة التي حملت عنوان "المقابلة الأخيرة"، قدّمها "مسرح الرقص الحديث" التابع لأوبرا القاهرة عام 2000.