يبدو أن الأدب المغربي الحديث يشهد منعطفاً بالغ الأهمية من تاريخه. فظاهرة الأعمال الكاملة التي بدأت تصدر في الآونة الأخيرة تؤكد أن هذا الأدب نضج ما يكفي، وهو ما التقطهُ عدد من الصحافيين المغاربة الذين صاروا يستعملون لقب "الأديب الكبير" و"الشاعر الكبير" أثناء حديثهم عن بعض رموز أدبنا الحديث. وهو اللقب الذي يبقى استعماله جديداً على المشهد المغربي الذي لم ينتبه إلى أهمية المُنجَزِ الإبداعي المهمّ لبعض رموزه إلا بعد صدور أعمالهم الكاملة. اكتشف المغاربة مثلاً أنهم كانوا يجهلون تماماً القيمة الحقيقية للراحل محمد زفزاف حتى بادرت وزارة الثقافة إلى إصدار أعماله الروائية والقصصية الكاملة في أربعة مجلدات ضخمة قبل أربع سنوات. وهكذا اطَّلع القراء والباحثون على الكثير من أعماله الصادرة في دمشق وبغداد وعواصم عربية أخرى والتي لم يسبق أن وُزِّعت في المغرب. ثم توالت الأعمال الكاملة التي واظبت الوزارة على إصدارها بنوع من الانتظام، فصدرت روايات عبدالكريم غلاب في خمسة أجزاء، وصدرت أيضاً الأعمال الشعرية الكاملة لكل من محمد الصباغ وعبدالكريم الطبال ومحمد الميموني، إضافة إلى مجموعات إدريس الخوري القصصية. وتصدر قريباً عن مطبعة الوزارة دائماً الاعمال الشعرية الكاملة للمهدي أخريف. ولكن إذا كان إصدار الأعمال الكاملة عن وزارة الثقافة جزءاً من التزام هذه الأخيرة خلال عهد الوزير محمد الأشعري بإعادة الاعتبار للأديب المغربي في بلده، إلا أنّ أول مبادرة اتُّخِذت في هذا الإطار جاءت من دار نشر خاصة، وهي دار الرابطة التي أصدرت سنة 1995 الأعمال الكاملة للقاص المتميز أحمد بوزفور تحت عنوان "ديوان السندباد". ولم تبرِّر الدار حينذاك إقدامها على هذه المبادرة بالرغبة في رد الاعتبار للكاتب المغربي، بقدر ما حاولت فقط الاستجابة لحاجة مُلحَّة وحقيقية في سوق الكتاب الأدبي في المغرب، ذاك أن مجموعات بوزفور القديمة كانت نفدت من السوق والكل يبحث عنها سواء من الطلبة والباحثين أو من القصاصين الجدد الذين يعتبرون بوزفور عرَّابهم الذي علمهم السحر. وفعلاً صدر "ديوان السندباد" في خمسة آلاف نسخة سرعان ما نفدت بدورها من السوق. واليوم، في مغامرة مماثلة، ومع إصدارات وزارة الثقافة وكذلك الأعمال الكاملة للشاعر محمد بنيس التي صدرت عن دار توبقال مع دار أخرى كبيرة هي المؤسسة العربية للدراسات والنشر، فوجئ القارئ المغربي بصدور الأعمال الكاملة للشاعر محمد بنطلحة أخيراً ضمن منشورات مجلة صغيرة غير منتظمة يديرها ويحررها المترجم محمد البكري وهي مجلة "فضاءات مستقبلية". مجموعة بنطلحة الكاملة التي ضمت دواوينه الأربعة "نشيد البجع"، "غيمة أو حجر"، "سدوم"، و"بعكس الماء" صدرت تحت عنوان "ليتني أعمى" من دون أن تستفيد من دعم النشر الذي تقدمه الوزارة أحياناً لبعض الدور الخاصة. فهل هو دليل إضافي على عمق الحاجة للأعمال الكاملة في هذه الفترة التي نضجت فيها تجارب الكثير من أدبائنا الستينيين وحتى بعض السبعينيين واكتملت؟ أم هو ترسيخ لتقليدٍ لم يعد يُعبِّر فقط عن مجرد الرغبة في الاعتراف بالوضع الاعتباري للأديب المغربي بقدر ما صار يلبي احتياجاً حقيقياً في سوق الكتاب بهذا البلد؟ وهو احتياج يمكن أن تبادر دور مستقلة للنشر الى تلبيته. وهو ما يعني أن المزيد من الاعمال الكاملة قد تطل علينا مستقبلاً، من خارج لائحة وزارة الثقافة طبعاً.