يواصل الشاعر والأديب محمد الأشعري؛ وزير الثقافة المغربي؛ حكاياته الصخرية ملبياً نداء القصيدة التي يعشقها ويتفانى في الإخلاص لها. وقد توّجت رحلة الأشعري مع القصيدة بصدور أعماله الشعرية (الكاملة) في مجلد ضخم (أربعمائة صفحة من القطع الكبير) عن اتحاد كتاب المغرب بالاشتراك مع دار الثقافة للنشر والتوزيع. تحتوي «الأعمال الشعرية» على دواوين الأشعري التي توالى صدورها على مدار أكثر من ربع قرن، وهي: «صهيل الخيل الجريحة»، «عينان بسعة الحلم»، «يومية النار والسفر»، «سيرة المطر»، «مائيات»، «حكايات صخرية». يقدم الأشعري في مجمل دواوينه تجربته الخاصة التي تتجاور فيها الشؤون الذاتية والهموم المجتمعية والقضايا الملحة، في لغة موقّعة متعددة المستويات، تتجلى فيها المونولوجية أو الحالة الغنائية حيناً، كما تظهر فيها؛ في أحيانٍ أخرى؛ خيوط السرد والأصوات المتجادلة وأجواء الدراما، يقول في قصيدة «تراجيديا»: «جسد يتوارى الستائر مثقلة بالكلامِ تلف تباريحه فينأى وقد سقط الظل منه وذاب الرخامْ مرهقاً بتفاصيله كان قبل قليل يُمرر بين المرايا كثافةَ معطفهِ ويحدّق في بقعة الضوء جملة بعد أخرى .. تموت المشاهد والشخصيات تعودُ إلى النص فاترةً والنشيدُ المصاحبُ يعوي بعيداً وعما قليلٍ سيمضي بطلاً خاسراً سيغادرُ دور البطولة!». وفي مقدمة أعمال الأشعري الشعرية، يشير الشاعر والكاتب المهدي أخريف إلى أن محمد الأشعري لا يزال على ولائه للشعر كما كان منذ أكثر من ثلاثة عقود، بهدوء ينسل إلى الداخل لتلبية النداء، نداء القصيدة، ويقول أخريف: لم يتغير النداء، يتأخر أحياناً فترات أطول من ذي قبل، تزحمه المهام الخارجية المتزايدة المتعددة، لكنه يعرف متى يمرق من بين أكداس من الشواغل والهواجس حاملاً شرارة العبارة. النداء هو النداء، أما القصيدة فلم تتوقف عن تجديد ذاتها وأدواتها، منذ (الطائر الأزرق) حتى (مشارف نائية). ثمة شعراء يشتغلون على قصائدهم ويكدون بمعاودة الكتابة؛ عبارة عبارة؛ ومفردة مفردة؛ ليصلوا إلى الصيغة النهائية، أما محمد الأشعري - خلافاً لذلك - فإنه يمضي بغير عنت إلى قصيدته، من الكتابة الأولى تتكون الصيغة الأخيرة، وإذ يعاود الكتابة مرة أو مرتين على الأكثر فلكي يجري بعض التعديلات والتحسينات الطفيفة، ففعل الكتابة لديه تدفق وتوليد، وليس فعل تحكيك وتنخيل. ويشار إلى أن محمد الأشعري من مواليد عام 1951 في إقليممكناس، وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمولاي إدريس زرهون وبمدينة مكناس، ودرس بكلية الحقوق وبالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية بالرباط، واشتغل بالإدارة (معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة) من عام 1975 إلى عام 1981، وانخرط في العمل السياسي والنقابي منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي، وكان كاتباً عاماً للنقابة الوطنية لمستخدمي الفلاحة، وعضواً في اللجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قبل أن يُنتخب عضواً في مكتبه السياسي في 2002. وقد اشتغل بالصحافة منذ مطلع السبعينيات، وانتظم في المهنة منذ عام 1983 بجريدة الاتحاد الاشتراكي حيث كان أحد كتاب أعمدتها، ومحرراً لملحقها الثقافي، ونشر قصائده الأولى بالصحف الوطنية في نهاية الستينيات، وصدر له أول ديوان شعري في عام 1978 ببغداد، ثم والى نشر دواوينه في بيروت والدار البيضاء والقاهرة، كما نشر مجموعة قصصية ورواية، وصدرت ترجمات عديدة لقصائده في لغات مختلفة، وانتخب رئيساً لاتحاد كتاب المغرب لثلاث دورات متتالية، وترأس تحرير مجلة آفاق خلال هذه الفترة، وانتخب نائباً بمجلس النواب المغربي مرتين، وهو الآن عضو في المجلس عن دائرة مكناس المنزه، وقد عين في حكومة التناوب في عام 1998 وزيراً للشؤون الثقافية، وأسندت إليه عند تعديل هذه الحكومة في عام 2000 حقيبة الاتصال ومهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة، ثم عين في الحكومة الحالية وزيراً للثقافة. أما المهدي أخريف، فهو شاعر وكاتب ومترجم، ولد بالقُلّة في عام 1952، وحصل على الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس في عام 1972، ومن دواوينه: «باب البحر»، و«شمس أولى»، ومن مترجماته «أعمال مختارة للشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا».