مع ان قطع 500 كيلومتر من بغداد إلى البصرة يستغرق 12 ساعة في قطار أصبحت عرباته في حال مزرية، تستهوي هذه الرحلة اليومية كثيرين من الركاب. إذ يعتبرون ان السفر بالقطار أقل خطراً من السفر بالسيارة، وأقل كلفة. وعاد تسيير هذه الرحلة بالقطار قبل 15 يوماً بعد توقفها أسابيع بسبب الحرب. وثمن التذكرة ألف دينار عراقي دولار للمقاعد العادية، وألفا دينار لمقعد في مقصورة. ناصر حسين وهو طالب 24 سنة، عاد الى بغداد بعد زيارة أسرته، وكان يرافق عمه الذي تذمر من فقدان الرفاهية والخدمات. وأشار الى أنه في رحلة الذهاب الى البصرة لم يحمل معه ماء ولا غذاء، معتقداً أن بإمكانه اقتناء ذلك في القطار، كما كانت الحال قبل الحرب. لكنه احتاط للأمر في رحلة العودة الى بغداد. وينتظر المسافرون ساعات قبل انطلاق الرحلة، بينما لم تعد التذاكر تحدد ساعة الانطلاق. ويقول ضياء محمد، وهو سائق قطار: "سنكون في بغداد في الساعة السابعة مساء أو الثامنة أو التاسعة". ويتناوب على قيادة القطار أربعة سائقين في ورديتين، وبدت القاطرة وهي من صنع صيني، في وضع جيد. قال السائق بفخر: "إنها جديدة موديل 2002". وقضى الرجال الأربعة ليلتهم في البصرة التي وصلوا إليها مساء الاثنين في القاطرة، لأن المبنى الذي كان مخصصاً لهم في المحطة، نهب مثل باقي المباني. ونشر حراس في مقدمة القطار ومؤخرته، لكن ضياء محمد الذي أعرب عن مخاوفه من الوقوع في مكمن، قال: "لا فائدة من ذلك، انهم ليسوا مسلحين". وبدت قمرة قيادة القاطرة المكيفة والنظيفة، مغايرة لباقي أجزاء القطار. ففي عربات الدرجتين الأولى والثانية ليس هناك تكييف، وزجاج عدد من النوافذ محطم، والمقاعد خرِبت بالتراب، أما الحمامات فهي في حال مزرية. وقبل أن يبدأ الرحلة تكنس نساء كل عربة وتُزال منها أكوام من التراب. وكان فيروز راضي بحار عاطل عن العمل منذ اندلاع الحرب في طريق عودته الى أسرته في الناصرية جنوب، وجلست خلفه سيدتان قرب إحدى النوافذ التي تحطمت "للحصول على بعض الهواء العليل". قال شاب كان يحاول شق طريقه في الممر الضيق: "هذا قطار لنقل الماشية وليس لنقل بشر". ومع ان القطار لم يكن مكتظاً، قال المراقب محمد فخري: "عدد المسافرين يتزايد بوتيرة أسرع مما كنا نتوقع". ووضعت قطعة خشب على قطعتي آجر في المحطة، نضدت عليها زبدة وسجائر ومشروبات غير مبردة، يشتريها المسافرون على عجل. ولم يعد معظم سائقي القطار الى العمل، ويقول ضياء محمد ان ذلك "يعود الى مشكلة الراتب. وأنا لم اتلق منذ أربعة أشهر سوى عشرين دولاراً من الاميركيين". ويضيف ضياء، الذي يعمل على هذا الخط منذ 12 سنة: "وعدونا بعشرة آلاف دينار 10 دولارات عن كل رحلة ذهاباً واياباً ولا نزال ننتظر". ولم تعد هناك اتصالات بين القطار والمحطات، بينما سرقت عوارض خشبية. وتعود عربات كثيرة الى الثمانينات، ومصدرها شركات سكك حديد فرنسية واسبانية، وبدت في وضع سيئ. أسرَع آخر المسافرين الى الصعود في عربات القطار الست، مع دوي صافرته في المحطة، وانطلق القطار بطيئاً ليفسح في المجال لقطعان الماعز، للعودة الى التهام العشب الذي نبت بين قضبان سكة الحديد.