تنطلق اليوم أول قطارات تنقل شحنات المؤن والاغذية والمواد الاستهلاكية المستوردة من جنوبالعراق باتجاه العاصمة بغداد، ومنها الى بقية انحاء البلاد، ضمن خطوط نقل منتظمة تخضع لحماية القوات الأميركية. وتكفل استعادة نشاط قطاع السكك الحديد اعادة ربط العراق عملياً بخطوط التجارةالدولية، في صورة مباشرة، وذلك للمرة الأولى منذ شن الولاياتالمتحدة حرباً عليه في 17 آذار مارس الماضي. وتعتبر محطة بغداد الكبرى، التي تقع وسط العاصمة العراقية والتي بناها البريطانيون عام 1951، القلب النابض لمنظومة سكك الحديد التي تربط انحاء العراق. ويقوم الجنود الأميركيون بدوريات في محيطها لمنع وقوع السرقات والتعديات التي تستهدف مبانيها ومنشآتها، التي تعرض بعضها للحرق والتخريب، اثر سقوط النظام السابق في التاسع من الشهر الماضي. وقال عباس مصلح كربيدي، وهو مسؤول صيانة في محطة بغداد، يعمل ضمن لجنة من خمسة موظفين تقوم بإعادة تأهيل قطاع سكك الحديد، ل"الحياة": "عند التاسعة من صباح اليوم أمس انطلق أول قطار من بغداد باتجاه البصرة، منذ قوع الحرب. ونأمل ان نبدأ غداً اليوم في تسيير قطارات لشحن البضائع مباشرة من مرفأ أم قصر". ويشكل "أم قصر" اكبر مرفأ تجاري لدى العراق. ويرتبط أغلب نشاطه بقدرة شبكة سكك الحديد على نقل الشحنات المكدسة عند أرصفته التي جرى تحديثها في الشهور الأخيرة التي سبقت الحرب. وهو ما يمنح أهمية كبيرة لاستئناف نشاط الشحن باتجاه بغداد، ومنها الى بقية انحاء البلاد. وكانت أولى تجارب على خط سكك الحديد بدأت السبت الماضي، عندما تم ارسال قاطرة مع عربة محمّلة بالمهندسين لتفقد حال الخط بين بغدادوالبصرة. وتوجه مع قطار أمس الذي ضم قاطرة وعربتي نوم درجة اولى وشاحنة مكشوفة عليها مدرعة نصبتها القوات الأميركية لحماية القاطرة، السيد غسان الزغبي، مسؤول مخزن التشغيل المركزي، والسيد علاء الصادق رئيس المهندسين في مصلحة السكك الحديد. وقال كربيدي: "سنبدأ بقطارات الحبوب التي تنقل كميات المؤن المكدّسة في مرفأ أم قصر الى بغداد". وتضم شبكة سكك الحديد في العراق 114 قاطرة 50 منها صينية و52 ألمانية وست تركية، وست يابانية مخصصة لنقل شحنات الغاز فقط. أما عدد العربات الصالحة لنقل الركاب فيبلغ 93 عربة سياحية من الدرجة الاولى. وتنطلق من بغداد وإليها شبكات تربط العاصمة بالموصل 450 كلم، والبصرة 580 كلم والقائم عند الحدود السورية 480 كلم، وكركوك 380 كلم. وهذا الخط الأخير كان معطلاً في السنوات الماضية. والتحق عمال مصلحة السكك الحديد البالغ عددهم ثمانية آلاف عامل خلال فترة الأسبوعين الأخيرين، بما في ذلك المنتسبون الى حزب البعث السابق. وقام الأميركيون السبت الماضي بتوزيع رواتب مقدارها 20 دولاراً لكل منهم لحفزهم على استئناف عملهم واعادة احياء هذا الشريان الحيوي. ويبلغ متوسط راتب الموظف ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف دينار الدولار يساوي 2200 دينار، مع حوافز تبلغ 40 ألف دينار شهرياً تقتطع منها "تبرعات طوعية" تصل الى 20 في المئة تخصص للقضايا القومية. وعاد سائقو القطارات، البالغ عددهم 210 سائقين، الى العمل. كما انضم إليهم قرابة 60 سائقاً آخرين كان جرى فصلهم أو إبعادهم في عهد النظام السابق لأسباب سياسية تعسفية. وتستغرق رحلة القطار بين بغداد وكل من البصرة والموصل وكركوك 12 ساعة، بينما تستغرق ست ساعات الى القائم. ويبلغ عدد القطارات المتجهة يومياً في كل اتجاه ثلاثة قطارات على خط بغداد - البصرة وقطار واحد على خطوط الموصل وكركوك والقائم. وتعرضت منشآت محطات القطار الى سرقات للاستيلاء على الأموال المودعة فيها. وقال السيد كربيدي ان لجان المساجد استطاعت استعادة ثلاثة أرباع الأموال المسروقة بما يتيح بدء العمل في شكل طبيعي، مشيراً الى ان حراساً خاصين نشروا حول منشآت المحطات قبل تدخل القوات الأميركية قبل أيام، بعد الاتصال بها. وهؤلاء الحراس كانوا يتقاضون عشرة آلاف دينار بدل حراسة عن كل ثلاثة أيام، وهو اجراء شاع في مختلف انحاء العراق. وأفاد ان لدى "مصلحة السكك الحديد" مخزوناً استراتيجياً من الفيول يكفيها لمدة ستة شهور. وقال ان اللصوص يقومون بسرقة كميات كبيرة منه يومياً، مما يبرر الدوريات المكثفة للجنود الأميركيين حول محطة بغداد والمحطات الاخرى. يذكر ان ثمن تذكرة القطار في العراق من أرخصها في العالم. اذ انها لا تتجاوز 500 دينار لرحلة ذهاب واياب بين بغدادوالبصرة ترتفع الى ألف دينار للمسافرين الحاصلين على سرير للنوم. وقال كربيدي: "نأمل ان نقوم بخفض هذه الاسعار قريباً لرفع عدد ركابنا في كل رحلة والذين يراوحون بين 200 و300 مسافر".