"الصفحة الجديدة" في العلاقات الأردنية - السورية أعادت الحياة، امس، الى الخط الحديدي الحجازي الذي أنشأه السلطان العثماني مطلع القرن الحالي لنقل الحجاج المسلمين من دمشق الى المدينةالمنورة. وحملت القاطرة القديمة المجدَّدة التي تجرّ اربع عربات خلفها 126 راكباً اردنياً في اول رحلة منتظمة انطلقت صباح امس بين عمانودمشق. ويرى محمد العقيلي احد المسافرين ان رحلات القطار "وسيلة مريحة لزيارة الأهل في الشام". ويفضل المسافرون رحلة القطار لأنها "اقل كلفة واكثر راحة ومتعة" فيما اعتبر المدير العام لخط الحديد الحجازي الاردني عبدالرزاق ابو الفيلات ان رحلات القطار "ستعزز العلاقات بين الشعبين السوري والاردني وستنعش الحركة الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المحاذية له". ويشاهد المسافرون في القطار التلفزيون والفيديو وفي امكانهم استخدام الكافتيريا مقابل التذكرة التي لا يزيد ثمنها على اربعة دولارات 157 ليرة سورية من دمشق، وديناران ونصف دينار من عمان، وهو اقل من ثمن التذكرة بين عمان ومدينة العقبة جنوبالاردن. وتعتبر هذه التعرفة من أخفض التعريفات في اجور السفر، اضافة الى اعفاء الاطفال دون العاشرة من الأجرة وتقديم حسم خمسين في المئة للركاب بين العاشرة والثانية عشرة. وقالت مصادر رسمية امس ان الحكومة السورية "وجهت ادارتي الجمارك و الهجرة والجوازات الى اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بتأمين راحة المسافرين على الخطوط الحديد". وزودت القاطرات التي حملت 70 راكباً من دمشق و114 راكباً من عمان بكل وسائل الراحة من مطعم وثلاجة للمرطبات ووسائل تسلية مثل تلفزيون وفيديو وغيرها. وقال وزير النقل السوري الدكتور مفيد عبدالكريم ان دمشق "التي لم توقف رحلات القطارات بين البلدين"، لافتاً الى ان "هذا التطور المهم" جاء بموجب اتفاق اللجنة العليا السورية - الاردنية لتسيير رحلات مشتركة بين "مؤسسة الخط الحديد الحجازي" في دمشقوعمان. وزاد: "هناك برامج لتعزيز الصلات السورية - الاردنية وتطويرها وتوسيع آفاق التعاون في مجال السكك الحديد وانشاء الخطوط وتوسيعها" مع الاستعداد لزيادة عدد الرحلات استجابة لطلب الركاب. واشارت مصادر الى ان توجيهات رسمية صدرت ل"تسهيل نقل الركاب ومرور البضائع ذات المنشأ السوري والاردني الى البلدين". ويتوقع ان يؤدي اجتماع اللجنة العليا الذي ارجئ بسبب وفاة العاهل المغربي الملك الحسن الثاني الاسبوع الماضي، الى زيادة التعاون الاقتصادي بين الطرفين. ويتضمن برنامج الرحلات تسيير ثلاث رحلات للركاب اسبوعية في الاتجاهين في ايام الخميس والجمعة والاثنين، على ان تكون رحلة البضائع يوم الثلثاء في الاتجاهين ايضاً. وبلغت كلفة تجديد القاطرات نحو مئة وخمسين الف دولار وهي ست قاطرات نصفها يعمل بالبخار والآخر يعمل بالديزل، ويتوقع ان تنقل الرحلات المنتظمة بين عمانودمشق الف مسافر في الاسبوع. وكان العمل على تجديدها بدأ مع فتح "صفحة جديدة" في العلاقات بين عمانودمشق بعد مشاركة الرئيس السوري حافظ الأسد في جنازة الملك حسين والتحسن المطرد في العلاقات بين البلدين. وتستغرق الرحلة ست ساعات بما فيها اجراءات الحدود والجمارك وهو نصف الزمن الذي كانت تستغرقه قبل تجديد القاطرات، وتتخللها ثلاث محطات قبل ان تصل الى دمشق، وهي: الزرقاء والمفرق ودرعا. وكانت اولى رحلات القطار انطلقت عام 1913 لتتوقف في الحرب العالمية الاولى عام 1914 بعدما عمل لورانس العرب على تدمير السكة التي كانت تنقل الامدادات للجنود الاتراك. ويرى الباحث وجيه التميمي ان لورانس لم يكن هدفه عسكرياً بحتاً بل أراد "قطع الاتصال بين بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية، اذ كان الخط من وجهة نظر الانكليز شبيهاً بقناة السويس". وحاولت الحكومة الفيصلية في دمشق اصلاح الخط لكن دخول الفرنسيين الى دمشق حال دون ذلك. ولدى وصول الأمير عبدالله الملك لاحقاً بن الشريف حسين، الى عمان اقام خيامه قرب الخط الحديد وشكّل عام 1922 لجنة لاصلاح الخط وفعلاً عاد الى العمل وتمكن من نقل اربعة آلاف راكب الى المدينةالمنورة. لكن العوامل السياسية والفنية حالت دون استمرار العمل في الخط الحجازي. وفي عام 1955 اتفقت حكومات الاردن وسورية والسعودية على اعادة تشغيل الخط لكن ذلك لم يتحقق حتى اليوم. يتطلع الاردنيون الى عودة خط الحديد الحجازي كما بدأ، رابطاً بين بلاد الشام وجزيرة العرب، خصوصاً ان الخط لا يزال "وقفاً اسلامياً" لا يجوز التصرف بممتلكاته. فعندما أسسه السلطان عبدالحميد سنة 1901 تبرع بنفسه بمبلغ 350 الف ليرة عثمانية وتبعه شاه ايران وخديوي مصر. ثم تشكّلت 166 جمعية في الهند لجمع التبرعات لخط الحديد لنقل الحجيج ونجحوا في جمع 73 الف ليرة عثمانية. ومنح السلطان العثماني لقب "باشا" للمهندس الالماني هاينريش ميسن، الذي أشرف على بناء الخط. ولكن الخط واجه، حسب رسالة للباحث وليام اوكسنوالد معارضة من القبائل البدوية التي كانت تؤجر آلاف الجمال للحجاج، كما انه منح فرصة للدولة لحشد الجنود ضدهم.