محمد سعيد الصحاف لم يكذب بقدر ما كذبوا. هو لم يكذب نصف ما كذبوا أو ربعه. محمد سعيد الصحاف الأم تيريزا بالمقارنة مع الكذابين الدجالين، أو العلوج، في بريطانياوالولاياتالمتحدة. كلنا يذكر أسباب الحرب، من امتلاك أسلحة دمار شامل، الى الصواريخ والقدرة النووية الوشيكة. وكلنا يذكر تلك التقارير التفصيلية في مجلس الأمن والبرلمان الانكليزي. ووزير الخارجية الأميركي كولن باول بلغ الأممالمتحدة، في الخامس من شباط فبراير الماضي ان هناك أطناناً من الأسلحة البيولوجية والكيماوية. وأكد أن لدى العراق برنامجاً لصنع أسلحة نووية. بل انه حدد مركز التاجي الذي قال انه يضم برنامج أسلحة ممنوعة وانه واحد من 65 مركزاً مماثلاً. ماذا نعرف الآن: - كانت هناك جماعة باسم مكتب الخطط الخاصة في وزارة الدفاع، برئاسة بول وولفوفيتز، رئيس عصابة اسرائيل التي تسمى خطأ "المحافظون الجدد"، وهم عملوا كجهاز استخبارات منافس لوكالة الاستخبارات المركزية، وقدموا معلومات كاذبة عمداً لتبرير الحرب. ولكن ريتشارد بيرل، زعيم العصابة المناوب، قال في مقابلة تلفزيونية بريطانية ان "الديموقراطيات لا تشن حرباً" مع ان الصحاف لم يخطر بباله أن يقول "الديكتاتوريات لا تشن حرباً". - بعد ستة أسابيع من البحث لم تجد القوة الضاربة 75، وهي فريق من 600 مفتش أميركي، بينهم خبراء كيماويات وجراثيم وأسلحة نووية شيئاً ممنوعاً، والقوة أسندت بحوالى ألفي محقق أميركي لانتزاع معلومات من المسؤولين العراقيين، ولم يكتشف شيء حتى الآن، وأفراد القوة في طريقهم الى الولاياتالمتحدة. - وجد الخبراء مسحوقاً أبيض في اللطيفية، وأشيع أنه سارين أو تابون، إلا أنه تبين بعد ذلك انه متفجرات عادية. وأصيب مفتشون بدوار في مركز آخر، وأشيع ان السبب كيماويات، ثم تبين انهم تنشقوا أبخرة أسمدة كيماوية. "الأوبزرفر" اللندنية و"واشنطن بوست" و"كريستيان ساينس مونيتور" الأميركيتان نشرت تحقيقات طويلة متماثلة حكى عليها المفتشون كيف أنهم لم يجدوا شيئاً. - قال رئيس الوزراء توني بلير في وجه هذا الفشل ان اكتشاف مقبرة جماعية يبرر الحرب. وقال وزير خارجيته جاك سترو ان اكتشاف أسلحة الدمار الشامل ليس مهماً لأن مفتشي الأممالمتحدة قدموا "سبباً طاغياً" للحرب. محمد سعيد الصحاف لم يكذب الى هذه الدرجة، أو بفارق 180 درجة. - إذا كانت أسلحة الدمار الشامل غير موجودة، فكيف تقوم تهمة ضد هدى صالح مهدي عماش التي وصفت مرة ب"المسز انثراكس" ومرة ب"سارين سالي". أو كيف تقوم تهمة ضد السيدة رحاب رشيد العزاوي التكريتي التي أطلق عليها لقب "الدكتورة جرثومة"؟ - محمد سعيد الصحاف لم يكذب الى درجة أن يتهم نساءهم بانتاج أسلحة جرثومية وكيماوية، وهم في الواقع اتهموا النظام، وهدى ورحاب تحديداً، في حين أن سلاح الدمار الشامل الوحيد في الحرب كان اليورانيوم المنضب الذي سيقتل أطفال العراق مرة ثانية كما قتلهم بعد 1991. ولا أكتب شيئاً من عندي فصحفهم نفسها تفضحهم، وأمامي تحقيق مطول في "كريستيان ساينس مونيتور" يتحدث عن ألوف الطلقات الملوثة المتناثرة التي يلعب بها الأولاد او يتعثرون بها، والتي يسجل عليها عداد غايغر تلوثاً يزيد ألف مرة عن مستوى التلوث الطبيعي، بسبب ذلك اليورانيوم. - محمد سعيد الصحاف لم يكذب بهذا القدر، فهو في هذه النقطة قال انه لا توجد لدى العراق اسلحة دمار شامل، وهي لم توجد فعلاً. أما الذين هاجموا العراق لتدمير هذه الأسلحة، فهم استعملوها فيما كانوا يزعمون أنهم يفتشون عنها. - هل يريد القارئ كذبة أخرى قصر عنها وزير الاعلام العراقي؟ الأميركيون زعموا ان الجندية جيسكا لينش انقذت في عملية بطولية شاهدنا جميعاً تفاصيلها عبر التلفزيون في فيلم مثير جداً. "الغارديان" اللندنية ذهبت الى المستشفى وحققت مع الأطباء والممرضين والممرضات، وقالت قبل يومين ان جنود صدام حسين فروا قبل أيام من "إنقاذ" الجندية، وان الأطباء كانوا يبحثون عمن يسلمونها له، فهي لم تكن مصابة بالرصاص كما زعم، وليس في جسمها أي جرح. اذا كان لنا من عزاء في بحر الكذب الغربي أو محيطه، أمام قطرات الكذب من محمد سعيد الصحاف، فهو ان جرأتهم ليست علينا فقط. الصحف الأميركية كلها نشرت يوم الخميس ان السفير الفرنسي في واشنطن، جان - دافيد ليفيت، قدم شكوى رسمية الى الحكومة الأميركية تحتج فيها حكومته على أكاذيب روجت عن فرنسا لمعارضتها الحرب. وأكتفي من قائمة أكاذيب ملأت صفحتين ملحقتين بالرسالة بالزعم ان فرنسا باعت العراق مواد لأسلحة دمار شامل وهي لم تفعل بل حذرت ألمانيا من الموافقة على الطلب، وأن فرنسا أصدرت جوازات سفر فرنسية لمسؤولين عراقيين هربوا الى سورية. ويكفي بالنسبة الى هذه الكذبة الأخيرة ان أقول انها نشرت في صحيفة "واشنطن تايمز" الليكودية كالعصابة التي دبرت الحرب على العراق. وقد عرفت ان الخبر كاذب بمجرد قراءته في تلك الصحيفة الصفراء. بعد كل هذا يطلب الرئيس بوش من مجلس الأمن ان يسيطر التحالف على نفط العراق سنة وربما سنتين، وأكمل غداً.