اذا كان حبل الكذب قصيرا من حيث الاجمال فان كذب السياسي في دولة قادرة عسكريا وسياسيا يكون اكثر قصرا. تأكدت مما سبق وانا اتابع الموقف المحرج الذي وضع القادة السياسيون الأمريكيون والبريطانيون انفسهم فيه عندما برروا اندفاعهم لحرب العراق بامتلاك الاخير أسلحة الدمار الشامل. ولست حزينا على صدام حسين ولا على زمرته، وان حزنت فترة على وزير الاعلام والدعاية العراقي محمد سعيد الصحاف حتى تكفلت القنوات الفضائية بإيجاده، واظن انه سيواصل امتاعنا بتصريحاته التي سينال فيها من النظام الذي كان فيه موظفا بمرتبة وزير اعلام كما قال، خصوصا بعد ان اصبح في مأمن عن الطراطير الذين اصبحوا الآن هم حزب البعث، والعلوج الذين باتوا اليوم اسرة صدام التي عبثت بمقدرات الأمة العراقية! تذكرت الكذب وقصر حباله عندما تابعت مشكلة اليورانيوم المخصب المتفاقمة في اروقة السياسة في واشنطن ولندن، وكيف ان البيت الابيض تراجع عن زعم ان العراق حاول شراء يورانيوم من النيجر، في الوقت الذي يبحث الساسة البريطانيون عن تبرير آخر للموضوع. فلو كانت يدا واشنطن ولندن قصيرتين ولم تستطعا اسقاط النظام العراقي لما اضطرت احداهما للاعتذار واعتبار ما حصل منهما خطأ، ولطال حبل كذبهما. لو تأخر سقوط نظام بغداد السابق بضعة سنوات لامتد الحبل سنوات، ولواصلت وسائل الاعلام في امريكا وبريطانيا (وهي وسائل الاعلام الاقوى) التعامل مع الموضوع على اعتبار انه حقيقي دون الدخول في التفاصيل لان ذلك من الخوض في الاسرار العسكرية في أوقات الحروب. سألت أبو دحيم: لماذا حاول العراق شراء يورانيوم من النيجر ولم يقم بعملية الشراء فعليا؟! أجاب بتهكمه المعتاد: لان النيجر كانت حادة اليورانيوم غال، غال وصارت المفاضلة بين سيجار عدي المصنع خصيصا باسمه وشعار الجمهورية العراقية، فاختير السيجار لاسباب وطنية وقومية! تعجبت، فماذا يمكن ان تكون الاسباب الوطنية والقومية؟! فرد: السيجار يمكن ان يطبع عليه لاصق بشعار الوطن، لكن بالله عليك اليورانيوم وشلون يطبعون عليه شعار؟ لكن يا ابو دحيم: كيف يحاسب العراقيون على نيتهم الشراء؟ فأجاب: قلت لك يا ابن الحلال سابقا ان الامريكيين فيهم ميزة عظيمة وهي انهم يتعاملون مع الشعوب وفق ثقافات هؤلاء الشعوب، ولأننا مسلمون والحمد لله، فقد اعتبر الامريكيون ان العمل مقرون بالنية.