اختار رئيس الوزراء الإسباني خوسيه ماريا أثنار طريقاً صعبة وضعته في مجابهة مع الرأي العام، وسببت لحزبه متاعب سياسية سيدفع ثمنها في الإنتخابات المحلية والبلدية المقررة بعد أيام. حتى الصحف القريبة من "الحزب الشعبي" الذي يقوده لم توفر النقد اللاذع للحكومة بسبب إدارتها الملف العراقي واستماتتها في التحالف مع الولاياتالمتحدة. صحيح أنه لم تسجل استقالات من الحكومة الإسبانية، مثل التي زعزعت حكومة توني بلير في بريطانيا، لكن ذلك لا يقلل أزمة الثقة بين اثنار والإسبان التي وصلت إلى نقطة اللاعودة، عشية استحقاق انتخابي سيغير الخريطة السياسية طبقاً لتوقعات معاهد سبر الآراء. ويأتي تدحرج الشعبية هذا، بعد تفوق ساحق على الإشتراكيين أتاح ل"الحزب الشعبي" أن يحكم من دون منازع لأكثر من عشر سنين. لكن الزمن تغيّر، وتفيد مؤسسة إسبانية لاستطلاع الآراء ان ثلاثين في المئة فقط من الإسبان ينظرون إيجاباً الى سياسة رئيس الحكومة، وأن 63 في المئة منهم غير راضين عليه كقائد سياسي. وذهب اثنار أبعد من ذلك في استفزاز مشاعر العرب والمسلمين، بإعداد العدة لاحتفالات ضخمة بمرور 500 سنة على رحيل الملكة الحديد إيزابيلا التي كانت بطلة الترحيل الجماعي للعرب من إسبانيا، وقادت حملات القمع والملاحقات الواسعة لهم. وفي تصور اثنار أنه حجز مقعداً على مائدة المنتصرين، أسوة بإيزابيلا، وأن خيار الدعم السياسي والعسكري لواشنطن كان "شطارة" ستدر على بلده مكاسب جمة. كذلك هو تفكير جاره البرتغالي الذي استضاف "قمة الحرب" التي جمعت الرئيس الأميركي ورئيسي الحكومتين البريطانية والإسبانية في 16 آذار مارس الماضي في قاعدة "لاخيس" في جزر "الآثوريس" البرتغالية. وأثنى الأميركيون أخيراً على الحكومة البرتغالية لرهانها عليهم، لا بل أكد الرجل الثاني في قيادة القوات الأميركية في أوروبا الجنرال تشارلز والد، أن شن الحرب على العراق كان "شبه مستحيل تقريباً" من دون الإعتماد على قاعدة "لاخيس" لتزويد الطائرات المتجهة إلى الشرق الأوسط بالوقود جواً. هذان الخياران الإسباني والبرتغالي يعاكسان الموقف الشعبي المتسم بعطف واسع على القضايا العربية، وأساسه كثافة العلاقات البشرية بين ضفتي المتوسط والتداخل الذي نسجه التاريخ بين شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الإيبيرية. لكن الحكومتين الإسبانية والبرتغالية لم تضربا بالعلاقات التاريخية والعاطفية عرض الحائط فحسب، بل تجاهلتا كذلك المصالح التي تربط بلديهما بالعرب، خصوصاً المنطقة المغاربية. وعلى رغم أن المحللين في البلدين توقعوا بعد نهاية الحرب على العراق تعديلاً في السياسات، يجعل مدريد ولشبونة أقرب إلى موقف المحور الفرنسي - الألماني، أصر اثنار على المضي في الخيار الأميركي، وطلب دوراً في إدارة شؤون العراق. ومع كونه واقعاً تحت ضغط الحملة الإنتخابية، بدا كما لو أنه لا يأبه للأصوات التي ارتفعت في الإعلام الإسباني لتحذيره من الأخطار الجسيمة التي ستواجه بلده، بوصفه قوة احتلال لدى توليه السيطرة على احدى المناطق في العراق، في إطار التوزيع الأميركي للكعكة على الحلفاء. لكن ما ستغنمه إسبانيا من حضورها في العراق، وبدرجة أقل البرتغال، سيتبدد أكثر منه في المغرب العربي، لأن سياسة مدريد ولشبونة لا تسهل تقدم مشروع الشراكة المتوسطية، وتلقي غيوماً كثيفة على حوار "5"5" الذي يعاني أصلاً من آلام ولادة، قبل قمته الأولى المقررة الخريف المقبل. قصارى القول أن هذا النوع من السياسات، معطوفاً على ملف المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، لا يؤدي سوى الى جدار بين ضفتي المتوسط.