السياسي الإسباني الشاب الذي أهلت سلسلة مواقف ترتبط أساسا بالسياسة الخارجية، أعلنها في حملته الانتخابية لتبوء حزبه، الحزب الاشتراكي العمالي، المرتبة الأولى في الكورتيس (مجلس النواب الإسباني)، وبالتالي، تبوء ثاباتيرو رئاسة الحكومة، لينقل إسبانيا من ضفة إلى أخرى، ومن موقع لآخر مناقض.كانت السياسة الخارجية للاشتراكيين الإسبان في برنامجهم الانتخابي على نقيض سياسة حكومة خوسيه ماريا اثنار والحزب الشعبي فيما يتعلق بأوروبا والقضايا العربية، وبالتالي، مناهضة للسياسة الأمريكية تجاه هاتين المسألتين، إلا أن تفجيرات قطارات مدريد في 11 مارس جعلت قضايا السياسة الخارجية جزءا من السياسة الداخلية، وأقنعت الناخب الإسباني بالتصويت لصالح رؤية ثاباتيرو. خلال الحملة، كان الحزب الشعبي اليميني يتقدم للناخبين بإنجازاته الاقتصادية والاجتماعية كما منحته استطلاعات الرأي تقدما ملموسا على الاشتراكيين الذين كانوا يطالبون حكومة الحزب الشعبي بتخفيف تماهيها مع السياسة الأمريكية تجاه الاتحاد الأوروبي والقضية الفلسطينية والحرب على العراق. أما حين سالت دماء الأبرياء في محطات القطار صباح ذلك الخميس الأسود، أدرك الناخب الإسباني أن استمرار توجهات السياسة الخارجية لبلاده سيدخلها في أتون حرب لا مصلحة له فيها. وبالفعل قرأ خوسي لويس ثاباتيرو رسالة الناخب الإسباني جيدا، وأدرك أن طموحاته بإسبانيا "ذات وجه تقدمي ومناهض لسياسة الهيمنة الأمريكية" تنسجم مع طموحات وتطلعات الناخب الإسباني، فبدأ فور توليه رئاسة الحكومة الانطلاق نحو تنفيذ ما وعد به عبر زيارات جسور تعطي كل منها مؤشرات جديته، وأولاها تأمين تعاون إقليمي باتجاه الجنوب واتجاه الشمال. على خطى سابقيه، خص خوسي ثاباتيرو المغرب بزيارته الأولى للخارج. فالملفات القائمة بين المغرب وبلاده كثيرة ويعود بعضها لعهود سابقة، إلا أن سياسة اليميني خوسيه اثنار المتعجرفة ساهمت في تعقيدها، وأوصلتها صيف 2001 إلى شفير التصادم المسلح والحرب، والملفات العالقة هي ملف الصيد البحري والهجرة السرية وتهريب المخدرات أو ملف الحدود والأراضي المختلف على سيادتها (مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية). وإذا كانت قضية الصحراء الغربية، بالنسبة للمغرب، هي أم القضايا، فإنها كانت دائما نقطة خلاف بين المغرب والاشتراكيين الإسبان، وحتى حين تأزمت علاقات مدريد اليمينية مع المغرب حول هذا الملف، فإن الاشتراكيين كانوا السبب المباشر وراء ذلك. كان الاشتراكيون دائما أقرب إلى وجهة النظر الجزائرية ودعم جبهة البوليزاريو من أجل فصل الصحراء عن المغرب وإقامة دولة مستقلة عليها. لكن ما ساد سنوات حكم فيلبي غونساليز (1982 - 1998)، كان تفهّم كل طرف لرؤية وظروف الطرف الآخر، مما حال دون بروز توترات في العلاقات بين مدريد والرباط، وإن عرفت فتورا أو عتبا في بعض الأحيان. لذلك فإن الترحيب الواسع الذي حظي به فوز الاشتراكيين وثاباتيرو من جانب المغاربة، (والذي تزامن مع إدانتهم المُبالغ فيها لتفجيرات مدريد)، ثم استقبال ثاباتيرو الحاشد في الدار البيضاء يوم 24 أبريل الماضي، قابله ثاباتيرو بإشارات إيجابية تُجاه مختلف الملفات العالقة مع المغاربة.ففي ملف قضية الصحراء الغربية، التزم رئيس الحكومة الإسبانية الجديد بالبحث عن تسوية كبرى تُرضي جميع الأطراف، أما فيما يتعلق بالملفات الأخرى، فقد وعد ببحثها وتسويتها بإيجابية، وذهب بعيدا بإعلان دعم مدريد لملف المغرب لاستضافة مونديال 2010. وباتجاه الشمال، توجه خوسيه ثاباتيرو إلى برلينوباريس ليُعلن انضمامه إلى الجبهة التي شكلها البلدان في مواجهة الثور الأمريكي الهائج، ولوضع العصى في عجلته المتسرعة للهيمنة على القرن الحادي والعشرين. فقبل أن يصبح رئيسا للحكومة، أعلن ثاباتيرو عن تأييده لمشروع دستور الاتحاد الأوروبي الذي عرقل توني بلير وخوسيه ماريا اثنار التوصل إلى اتفاق بشأنه، وجعل الملف العراقي قضية محورية في مباحثاته مع المستشار الألماني غيرهارد شرودر والرئيس الفرنسي جاك شيراك. منزعجون .. ومرحبون وإذا كانت مواقف ورؤى ثاباتيرو حول المسألة العراقية منذ أن أعلنت واشنطن الحرب على العراق معاكسة لرؤية سلفه خوسيه اثنار، حيث أدان الحرب وندد بمشاركة بلاده فيها، واتخذ قرارا بسحب القوات الإسبانية من العراق ونفذه بعد مرور أقل من أسبوعين على تشكيل حكومته، إلا أنه حمل في حقيبته إلى برلينوباريس مقترحات حول القضية العراقية ستثير انزعاج واشنطن بلا ريب. وتتلخص مقترحات ثاباتيرو في إحلال الأممالمتحدة في العراق مكان الولاياتالمتحدة، إن كان فيما يتعلق بالقوات العسكرية، حيث يقترح إرسال قوات لم تشارك في الحرب على العراق، وقوات عربية لتحُل محل قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني، أو فيما يرتبط بالدعوة إلى إحلال إدارة مدنية دولية محل إدارة الاحتلال الأمريكي وما تُفرزه من مؤسسات تثير جدلا ورفضا عراقيا. كما يدعو رئيس الوزراء الإسباني إلى إعطاء العراقيين دورا أكبر في تدبير شؤونهم خلال المرحلة الانتقالية، تميهدا لانتخابات تُعطي سلطة شرعية مُعترفا بها، وهي المقترحات التي قيل إنهاترمي إلى التوافق على "صيغة وجود دولي في العراق، لا يعتبره معظم السكان احتلالا". إن ردود الفعل الواسعة على فوز ثاباتيرو، ما بين مرحب وغاضب من مواقفه، أوروبيا وعربيا قبل وبعد الانتخابات، أشعرته بمكانة بلاده وأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه على الصعيد الدولي من خلال الابتعاد عن واشنطن التي تبحث عن تابعين، وهو ما كانت عليه إسبانيا أثنار، والاقتراب أكثر من محور برلين-باريس اللتين تسعيان لكسب حلفاء وشركاء، وهو ما يؤهله لتقديم إسبانيا كدولة تحظى بالاحترام. @@ الاوبزرفر