سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الرئيس الإيراني يختتم زيارته بمؤتمر صحافي وخطاب في البرلمان ولقاءات سياسية وعائلية . خاتمي : لا نتدخل في الشؤون الداخلية للبنان والنموذج "الإملائي" سيقسم العالم بين "محور"و"هامش"
اختتم الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي زيارة للبنان استمرت ثلاثة أيام كانت حافلة باللقاءات السياسية والحزبية والشعبية وبالمواقف اللافتة التي لقيت أصداء مرحبة. ومن أبرز ما قاله خاتمي، أمس، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مقر إقامته في فندق "فينيسيا" ثم في خطاب في المجلس النيابي اللبناني "ان مقاومة الاحتلال حق طبيعي وتبقى مشروعة طالما لا يزال العدو يهدد ويحتل بعض الأجزاء من الأراضي اللبنانية". وإذ أكد عدم تدخل طهران في الشؤون الداخلية للبنانيين ولا الفلسطينيين، شدد على ضرورة فسح المجال أمام العراقيين لتقرير مصيرهم بأنفسهم. وأكد ان سياسة إيران المعتمدة هي سياسة الانفراج والتوصل الى علاقات جيدة مع الدول لكن لا يعني ذلك الاستسلام أمام أطماع قوى كبرى. ودعا الى الرهان على الرأي العام الأميركي لتغيير السياسة المتعنتة التي تحكم أميركا، مشدداً على "أهمية الديموقراطية في إدارة مجتمعاتنا"، وحذر من "أن النموذج الإملائي الذي يأتي تحت قيادة الولاياتالمتحدة سيؤدي في النهاية الى توزيع الساحة الدولية بين "محور" وبين "هامش" ما يولد شروخاً جديدة وعميقة على الصعيد العالمي". استهل خاتمي مؤتمره الصحافي بتأكيد أهمية التواصل بين لبنانوإيران دولة وشعباً "لخدمة الثبات والاستقرار في المنطقة التي هي أحوج ما تكون الى الأمن". وعن كيفية ترجمة الموقف الإيراني باحترام الموقف اللبناني في ما يتعلق بموضوع المقاومة قال خاتمي: "المقاومة هي لبنانية وتعود الى لبنان ككل بمباركة اللبنانيين أنفسهم لها والمقاومة تبقى مشروعة ومحترمة ونرجو أن تزول ظاهرة الاحتلال في العالم حتى لا تكون هناك حاجة الى مثل هذه الجهود الواسعة وأن تتحول الى التقدم والازدهار". وعما اذا كان حصل اتفاق إيراني - لبناني على كيفية مواجهة التهديدات الأميركية والمركزة بالدرجة الأولى على جمع سلاح "حزب الله" قال خاتمي: "يتمثل التهديد في منطقتنا بالوجود الإسرائيلي وبعشرات من الأسلحة الذرية ومئات من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الجانب الإسرائيلي الذي لم يلتزم باتفاق حظر أسلحة الدمار الشامل، والمشكلة في الإدارة الأميركية انها لا تقبل بالحد الفاصل بين الإرهاب والمقاومة المشروعة لطرد المحتلين، وطالما هذه المشكلة باقية فإن علاقتنا جيدة مع سورية ولبنان، لكن هذا لا يعني التدخل في شؤون بعضنا بعضاً وإنما يتمثل في المسايرة والسير في اتجاه واحد في قضايا الحق والعدالة". وعن موقف طهران من "خريطة الطريق" قال خاتمي: "ان الشعب الفلسطيني هو من يحق له أن يحكم ويسود وأقصد جميع المسلمين والمسيحيين واليهود الذين هم أبناء الأرض الفلسطينية ومن حقهم ان يعيشوا في هذه الأرض بحرية ويقرروا ما يتعلق بالسلطة والحكومة شأن أي دولة متقدمة وديموقراطية". وأضاف: "حالياً في الشرق الأوسط نحن لا نواجه مشكلة الشح في المشاريع السياسية. والأطراف الفلسطينية قبلت بهذه المشاريع قبل إسرائيل التي رفضتها وعرقلتها، ومع الأسف فإن أميركا تريد نفسها حكماً في قضية مهمة ومزمنة لكنها ليست حكماً محايداً وإنما منحازة الى جانب إسرائيل وليس هناك من شخص منصف يؤمن بالحكم الذي هو غير منصف". وعن متغيرات حصلت في السياسة الخارجية لإيران بعد حرب العراق قال: "الاستقلال بالنسبة الينا أمر مهم وعانينا من التابعية للأجنبي لذلك مبدأنا الحفاظ على الاستقلال وتحقيق المصالح الوطنية في إطار المعايير والقيم الموجودة وايجاد العلاقات المبنية على أساس الاحترام المتبادل مع دول العالم واعتماد سياسة الانفراج، وخلال ولايتي ركزنا عليه، وتوج بنتائج جيدة عدة وتمكنا مع عدد من الدول العربية من الوصول الى مستوى من العلاقات الطيبة ولدينا علاقات تعاون أمني مع عدد من هذه الدول ومنها تركيا وما يتعلق بالساحة الأفغانية وعلاقاتنا مع الحكم الأفغاني الآن جيدة". وأضاف: "أما اذا كان المطلوب بالانفراج الاستسلام أمام أطماع قوة كبرى فلا نعتبر ذلك انفراجاً انما ذلاً، لكن نحن ليست لدينا مطالب كثيرة. فالعراق دولة مهمة وعدم زعزعة استقرار هذا البلد يؤدي الى استقرار المنطقة والمطلوب حكم قوي ومستقر في العراق تكون علاقاته جيدة مع الجوار ولا يكون تابعاً للأجانب ويهدد سائر الدول". واعتبر خاتمي "ان الاحتلال الأميركي للعراق كان خطأ كبيراً وإذا أردنا إسقاط حكم فاسد فليس مقبولاً المجيء من الخارج للقيام بذلك، ان اسقاط صدام لم يُحزن أحداً لكن ممارسة هذا الأسلوب الأميركي مقلق، وما يبديه الجانب الأميركي لا يتفق مع مبدأ حوار الحضارات والمسؤولية هي للارادة البشرية". وعن قراءته للتغيير الذي طرأ على العلاقات الدولية بعد حرب العراق ومدى التهديد الذي تتعرض له إيران وعما اذا كان ثمة صدى لرسائل الهدوء والعقلانية التي دعا إليها من بيروت في الولاياتالمتحدة قال: "لا شك في أن تطورات كبيرة حصلت في العالم وما نعيشه اليوم يختلف عما قبل 11 أيلول سبتمبر. والذين كانوا يحكمون أميركا قبل هذه المجموعة كانوا أكثر عقلانية وكانوا يتابعون أساليب معقولة أكثر، لكن مع الأسف الاستراتيجية المتبعة الآن تجعل أميركا اليوم محوراً، وهي مستندة الى سياسة متعنتة تحكمها جلبت أخطاراً كبيرة للعالم وكارثة لا يمكن أن تبرر إنما تدان". وفي المقابل لفت خاتمي الى "الإجماع الدولي الذي حصل لمعارضة الحرب على العراق وعدم تأييد النظام الصدامي، ذلك ان الكل كان يشعر بالخطر من الأحادية الأميركية، وتوقع ان توجد الوتيرة الأميركية السريعة في هذا الاتجاه لأميركا مشكلات ستجبرها على التراجع إضافة الى دور الرأي العام الأميركي الذي لن تستطيع الإدارة الحالية مصادرته". لكنه رأى انه والى ذلك الحين "فإننا سندفع ثمناً باهظاً وإيران دائماً معرضة للتهديد الأميركي لا لشيء إنما لأنها تريد أن تكون مستقلة ونحن على قناعة بأن نكون على جانب من الحيطة والحذر وألا نعطي الذرائع للآخرين لمعاملتنا بقوة". وعن التناقض بين دعوته الى الانفتاح والحوار وبين وجود تيارات متشددة داخل إيران قال ان "الإسلام المنفتح يتحمل الخلاف ويقبل بالرأي الآخر، لكن التعصب يعتبر نفسه الحق المطلق ولا يسمح للآخر بالوجود والمناقشة. ونحن نرحب بالخلافات الموجودة عندنا ولا نخاف منها وهذا حق طبيعي. ونحن نعتقد أن على الدين الإلهي أن يجيب عن أسئلة العصر. الأفكار البشرية ليست وحدها تتجدد وإنما الأفكار الدينية أيضاً، ومع توسع نطاق الدين وطرح نقاط جديدة يمكن تعلم نقاط جديدة في الساحة الدينية، لكن اختلاف الآراء بين علماء هذا العصر والذي سبقه يدل الى حصول تطور ولا بد من الاستجابة للمتطلبات المعاصرة". المجلس النيابي وفي المجلس النيابي خاطب رئيس المجلس النيابي نبيه بري الرئيس خاتمي قائلاً: "زيارتكم ترجمة دقيقة لوصية الإمام الخميني وسياسة ايران وتوجهاتها التي أثبتت انها تريد الخير للبنان، وأن جل ما تريده هو المساهمة مع العرب وخصوصاً اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في سعيهم الى تحرير أرضهم وبخاصة القدس من الاحتلال الاسرائيلي وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واقامة دولته". وأضاف: "ان لبنان، هذا الوطن الذي لا نملك غيره والفريد... والمقاوم والصابر والصامد يرحب بكم لأنكم ترون أنه ليس ضرورة حضارية فحسب، بل انه في هذه المرحلة بالذات من تاريخ العالم، ضرورةٌ قصوى للعالم الذي أصبح يمثل قرية كونية يحتاج الى نموذج لتجسيد تعايش الأديان والمذاهب والأفكار والثقافات فيه". وشكر باسم المجلس النيابي للرئيس خاتمي "الدعم الذي قدمته، وتقدمه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، للبنان حكومة وشعباً في سبيل استكمال تحرير أرضه وازالة آثار الاحتلال الاسرائيلي ودعم خطط الدولة الانمائية وتعزيز التبادل التجاري وفتح مؤسسات التعليم العالي أمام اللبنانيين". ثم ألقى خاتمي كلمة قال فيها ان "هذا المجلس يعد نموذجاً على مستوى الدول العربية اذ أنه يمثل مجتمعاً يضم الطوائف والمذاهب والأحزاب والفئات كافة". وشبَّه خاتمي لبنانبإيران قائلاً: "تساءلت في نفسي، لماذا قامت اسرائيل بغزو لبنان؟ فلبنان ليس من الدول النفطية، لبنان الودود، لا مكان فيه للتمايز العرقي ولا للعصبية المذهبية النابعة من الجهل. ولم يقبل هذا البلد يوماً بالديكتاتورية. فلماذا، تعرض للغزو؟". ورأى "ان السبب الرئيس يتمثل في الثمن الذي كان على الشعب اللبناني أن يدفعه، لا لشيء إلا لتمسكه بتقاليد الديموقراطية والتعايش. كما ان ايران اليوم تعرضت - هي الأخرى - لأنواع الضغوط والهجمة السياسية والإعلامية سواء من الداخل أم الخارج، وذلك بسبب قرارها وعزمها على إرساء قواعد الديموقراطية الدينية". وقال: "في الظروف المتأزمة التي يمر بها الشرق الأوسط، أصبحنا بأمسَّ الحاجة الى مبدأين: الى الديموقراطية في ادارة مجتمعاتنا من جهة، والى المقاومة أمام أي اعتداء يطاول الاستقلال وحقوق المواطنين في بلادنا من جهة أخرى". ولفت الى ان النموذج "الإملائي" الذي يأتي تحت قيادة الولاياتالمتحدة، سيؤدي في النهاية الى توزيع الساحة الدولية بين "محور" و"هامش" وسيولد شروخاً جديدة وعميقة على الصعيد العالمي". وقال: "بحسب هذا النموذج، ستكون الساحة العالمية خاضعة لحكم القوى الاقتصادية - التقنية - العسكرية الكبرى، أو حتى القوة الأحادية الكبرى". ورأى ان "عملية تهميش العالم وتحويله الى مساحة هامشية لقوة مسيرة، سيؤدي الى ايجاد حالات من التقابل المتطرف وفتح الطريق أمام الانطباعات الأصولية المتعصبة حتى تُترجَم وتدخل الى حيّز الواقع، وذلك سواء من أجل تكريس النظام العالمي، أم لمعارضته. ملاحظاً ان مع اطلالة مثل ذلك التوجه، جاء التطرف في كل من العالم الإسلامي والمسيحي واليهودي، ليعرّض العلاقات الحضارية الكونية والأمن العالمي للخطر"، داعياً الى "النهوض بالتجارب الخاصة لدول مثل لبنان أو ايران، بغية الخروج من حالات التقابل المتطرف". وأشار الى ان "الدول الإسلامية لا تحتاج الى النماذج الديموقراطية المفروضة والمستوردة. وان أي نظام ديموقراطي يحكم بلداً تشكل الديانة قوام الهوية التاريخية والثقافية لشعبه، لن تتحقق له الديمومة والاستمرار إلا إذا توافقت فيه مبادئ الديموقراطية ومعاييرها المتبعة مع المعايير والقيم الدينية السامية". وكان أقيم لخاتمي استقبال رسمي امام البرلمان، وحضر الجلسة رئيس الحكومة رفيق الحريري والوزراء ورئيسا الجمهورية السابقان الياس الهراوي وأمين الجميل وحشد من المدعوين وأعضاء من السلك الديبلوماسي. وتلت الجلسة مصافحة الحاضرين في صالون الرئاسة قبل اجتماع قصير بين خاتمي وبري. وقد أبدى الرئيس الإيراني ارتياحه لنتائج الزيارة وللحفاوة الرسمية والشعبية التي لقيها. ووصف بري "الزيارة بالتاريخية التي لم تأخذ صدى على المستوى السياسي والرسمي فقط وانما الشعبي". وقبل استئنافه اللقاءات السياسية في "فينيسيا" أقامت عائلة الإمام موسى الصدر مأدبة غداء عائلية للرئيس خاتمي، خصوصاً أنه متأهل من ابنة شقيقة الإمام الصدر. والتقى قبل ذلك الرئيس الحريري في زيارة مجاملة في قريطم. وفي الفندق التقى خاتمي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب وزير التنمية الإدارية كريم بقرادوني.