هل للكلمات الرئاسية الاقتصادية أي مغزى يتعلق ببناء العراق أو باستباق "الإرهاب"؟ أم أنها محاولة أكثر طموحاً لضرب سرب من العصافير بحجر صغير قليل الكلفة؟ في الأسبوع الماضي أخذ الخطاب الرسمي الأميركي منحى يبدو أنه مسعى لكسر تفرد الملف العراقي بالساحة من جهة ويحرك الملف الشرق الأوسطي المترابط العناصر بما في ذلك تنفيذ "خريطة الطريق" وفتح ملف الإصلاحات من جهة أخرى. ويبدو أن المنطقة أخذت تشهد تخرصات التهيئة لمرحلة من التطاحن والتدافع الديبلوماسي بغرض تحقيق مكاسب جماهيرية تحضر لتغييرات نوعية تلف ملفات اجتماعية - اقتصادية عدة بقراطيس كتبت عليها رغبات أميركية بخطوط غليظة والتزامات بخط شفاف رقيق السمت. التزام غير مبدئي وبغرض الربط، لعل من المناسب العودة إلى بداية ولاية الرئيس الأميركي الحالي، فبعد أن تقلد جورج بوش مسؤولياته رئيساً للولايات المتحدة، لم يبد حماساً لجعل الشرق الأوسط محوراً لإنجازات عظيمة، بل آثر بدء الالتزام بالحد الأدنى من التدخل بين أطراف النزاع. لكنه لم يأخذ الحياد، فقد كرر مراراً التزامه بدعم إسرائيل وحماية أمنها وعدم معارضته نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ولم يكن في كل هذا خروجاً فجاً على المواقف التقليدية للإدارات الأميركية المتعاقبة، لكن توجه بوش في البداية كان تجنب الانغماس، أما الآن فالأمر اختلف، بعدما تبدت تفجيرات ايلول سبتمبر عن مواجهة صريحة مع التيار الإسلامي السياسي المسلح إجمالاً، ولتصبح المنطقة العربية تحديداً محط أنظار البيت الأبيض وعساكره وأقماره الاصطناعية و"مقترحاته الإصلاحية". حاجة أميركا للشارع العربي بعدما أنهى حربه العسكرية لإسقاط النظام العراقي ولاحتلال العراق، يبدو أن الرئيس أصبح وجهاً لوجه مع لحظة الحقيقة… والسهولة النسبية للمرحلة العسكرية تكمن في أنها قامت على منطق القوة الملموسة. أما الآن فالرئيس الأميركي أمام بحر متلاطم من العرب أكثر من 290 مليوناً يفترشون أرضاً تتجاوز 14 مليون كلم مربع من أفضل البقاع موقعاً وموارد، يتكاثر سكانها بما يتجاوز 7 ملايين سنوياً ويتراجع متوسط دخل الفرد منهم إلى ما دون 2500 دولار، ويعاني السكان من معدل بطالة يزيد على 15 في المئة. وادرك بوش حاجته لتعاطف تلك الملايين… لكن يبدو أنه لا يدرك أن منافسيه على تعاطف ذات الشارع كثر هذه الأيام، فما الذي يقدمه الرئيس بوش عملياً لينال ذلك التعاطف؟! ويمكن الجدل أن إقناع الشارع العربي ضروري لتحقق الإدارة الأميركية نظريتها الوقائية "الاستباقية"، ومن غير المناسب أن ترتكب الإدارات الأميركية المتعاقبة أخطاء سياسية جسيمة تستند إلى فكر غير محايد، ثم تطلق ما تسميه ضربات استباقية، عندما تجد أن سياساتها تُرفض وتولد كماً هائلاً من عدم الرضى! ولعل الطريق الأقصر هو أن تستبق الإدارات الأميركية، ومنها إدارة بوش الحالية، كل ذلك بأن تتبنى نهجاً سياسياً غير استفزازي ولا يضيع حقوق العرب لصالح عدوتهم إسرائيل. وإلا كيف يثق العرب إجمالاً بادعاءات أميركا أنها تريد إصلاح حالهم؟ عملياً، لا تملك الولاياتالمتحدة رصيداً موجباً مع السواد العربي، وهي تريد "السحب على المكشوف" في حين يتوقع منها السواد العربي أن تسدد ما عليها من التزامات، فجدارتها "الائتمانية" لا يبدو أنها تخولها الدخول شريكة في صياغة مستقبل المنطقة، فهي لم تف بعد باستحقاقات بقعة عربية صغيرة لعلها الأسهل في طلسم من الأحاجي تدعي أميركا مقدرتها على فك رموزه وتشفيره من جديد! ويبدو أن الرئيس بوش أخذ يدرك أنه أمام معضلة "ائتمانية" حقيقية، فالوجود الأميركي مرفوض إجمالاً ليس فقط من النخب الحاكمة بل منها ومن الشعوب، ولعل في ما يحدث في العراق مثال حي... فالقضية تتجاوز المشاعر الوطنية والرغبة المتجذرة في الاستقلال والتحرر إلى عدم الثقة بالنوايا وببنود الأجندة الأميركية، بل وحتى بقدرة أميركا وحرصها على ألا يكون اكتشافها الجديد للمنطقة العربية هدفاً لمنح مكاسب مادية واستراتيجية إضافية ل"اسرائيل" المحتلة للأرض العربية والمرهبة لملايين العرب. تحالف أيديولوجي يمكن الجدل أن السيد بوش أصاب في تشخيص انعدام جدارة إدارته "الائتمانية" في المنطقة إجمالاً، غير انه أخطأ عندما قدم ضمانات غير قابلة للتسييل في حال التعثر، وقرر تقديم مكاسب غاية في الضآلة والتأخير مثل إيجاز صحافي عن برنامج نشر الديموقراطية المعلن عنه منذ شهور، واقتراح إقامة منطقة التجارة الحرة الأميركية - الشرق الأوسطية أخيراً، وكلمات لدغدغة المشاعر العرب عاطفيون باستخدامه عبارة "علم فلسطيني يرفرف"، وقبلها "الإعلان" عن "خريطة طريق" التي قبلها الفلسطينيون ركضاً وأعد لها "الشارونيون" قلاعة أظافر لتسومها سوء العذاب، ثم يلقيها "الإسرائيليون" بعد تعفير الأنوف في الوحل في الركن المخصص للمحاولات الأميركية من مزبلة اقتراحات السلام مثل تينيت وميتشل على سبيل المثال لا الحصر. فهل تكفي هذه الحزمة النظرية والدمار الهائل في العراق لإكساب الإدارة الأميركية مصداقيتها المفقودة عربياً؟ لعل الأجدى للطرف الأميركي أن يستعرض قوته في إرغام شارون بقبول السلام سريعاً وخلال 21 يوماً! هذه هي الصدمة والهلع والسيطرة السريعة التي قد تجعل مصداقية الولاياتالمتحدة الأميركية تولد من جديد في عيون شرائح أوسع من العرب والمتعاطفين معهم، إذ يمكن الجدل أن اكتساب مصداقية في عيون العرب شرط مسبق ضروري وغير كافٍ لتحسن الولاياتالمتحدة فرص تفهم السواد العربي لما تحاول أن تصنعه. والآن، وبغض النظر عما تبثه "فوكس نيوز" عن الصورة الأميركية هنا: أنها دكت العراق، ولا تعرف كيف تديره، وتعصر السلطة الفلسطينية، ولا تستطيع السيطرة على مماطلات حكومة "إسرائيل"، ولا تتعاطف عملياً مع الأوضاع المزرية للشعب العربي الفلسطيني، ويزور ساستها العواصم العربية يشغلهم الهم "الإسرائيلي" أكثر من أي شيء آخر. إذ لم يرق هذا الإيجاز للساسة في واشنطن فعليهم بذل جهد اكبر في البحث عن الذات الأميركية في المنطقة. ولعل من المناسب التذكير بأن هاجس الوقاية استفز مفهوم بوش للضربات الاستباقية القائم على استهداف المنابع وليس مجرد تجفيفها. وفي هذا السياق، يبدو أن وجهة النظر الأميركية ارتكزت على أن استمرار بقاء نظام حسين، الخارج عن طاعة الولاياتالمتحدة، يعني احتمال التقاء الفرقاء المعادين للولايات المتحدة الأميركية لبناء جبهة ضدها يكون عراق صدام حسين مقرها ومستقرها… فاستبقت احتمال حدوث ذلك باحتلال العراق ليس بقصد احتلال منابع النفط العراقي كما يصرّ البعض، بل لتُسقط خيار تشكل تحالف أيديولوجي معاد للولايات المتحدة يسيطر على دولة عضو في المنظومة الدولية. وعليه، فإن كل تحرك أميركي في المرحلة الراهنة يجب أن يفسر في سياق مفهوم "الاستباق" على اعتبار أن هاجس الأمن قفز الى اعلى القائمة وألقى بظلاله على كل شأن وقضية تهتم بها الإدارة الأميركية الحالية. ملفات غير عسكرية وتطلب إسقاط نظامي "طالبان" وصدام استخدام قوة عسكرية ضاربة من جانب الولاياتالمتحدة ،أما البنود اللاحقة على الأجندة الأميركية المفترضة فلا يبدو أنها تقوم على مجابهة مسلحة… بمعنى أن الولاياتالمتحدة في البنود اللاحقة ستتعامل ليس مع ملفات عسكرية بل تسعى لإحداث تغييرات في مجتمعات مدنية، وهذه لن تتحقق بالصواريخ والقذائف بل بالتأثر والتأثير في منظومة تلك المجتمعات. أما الدلائل فلا تشير إلى أن لدى الحكومة الأميركية منظوراً محكماً لتطبيق مفهوم "الاستباق" من دون الخوض في صراعات مسلحة. محاولة كسب الثقة على هذه الأرضية الرخوة تترنح الأفكار التي حاول الرئيس بوش لملمة شتاتها في خطابه في جامعة كارولينا الجنوبية. وإجمالاً، يبدو أن الخطاب محاولة رئاسية لكسب ثقة المجتمعات العربية تحديداً، ذلك أن الموفدين الأميركيين من ديبلوماسيين معتمدين إلى صحافيين ومخبرين بدأوا يدركون إدراكاً تاماً أن المجتمع العربي لا يأخذ دعوى "التغيير" الأميركية على محمل حسن النية، ليس بسبب كره مجرد للولايات المتحدة بل لوجود أسباب موضوعية تجرد في المحصلة الجهود الأميركية في المنطقة من أي تفهم عربي - إسلامي يذكر. ولعل تتبع فقرات الحوار والرأي في الصحف والفضائيات على تنوع توجهاتها يبرز المناهضة للمساعي الأميركية. وتاريخياً، تُثبت الشواهد التاريخية أن الولاياتالمتحدة الأميركية بقيت منحازة لإسرائيل بغض النظر... فما زال العرب يتذكرون بمرارة الجهود الخارقة التي بذلتها الأفرع الثلاثة للحكومة الأميركية: الرئيس والكونغرس بمجلسيه والمحكمة العليا، للضغط على الدول حتى تصوت لصالح قرار التقسيم قبل أكثر من 55 عاماً... وتوالت الضغوط بعد ذلك دونما انقطاع لتقوية "إسرائيل" وقمع التطلعات الفلسطينية في آنٍ، ومن ذلك مبالغ طائلة تقدرها مصادر أميركية بنحو 1.6 تريليون دولار دفعتها الخزانة الأميركية من أموال دافعي الضرائب لتصبح "إسرائيل" أقوى… ولا يبدو أن ذلك آلم المزايدين في أميركا، إذ لا يوجد ما يبين الاكتراث العملي لانتشار البطالة حينما زاد معدلها على 80 في المئة وتدهور نصيب الفرد من الناتج لنحو 400 دولار سنوياً من نحو 1600 دولار عام 1999، إذ لم تبذل الإدارة الأميركية جهوداً حقيقية لتمنع سياسة التجويع والخنق الإسرائيلية، ولا يبدو أن الأمر قد تغير بعد سقوط صدام، وبعد لقاء وزير الخارجية الاميركي كولن باول مع شارون... سوى فشل ذلك اللقاء. الضغط باتجاهين هكذا يبدو أن خطاب الرئيس بوش يضغط على الجانب العربي ليدفع الكلفة، ما يعكس للمرة المليون عدم احساس الإدارات الأميركية المتعاقبة أن حشر "إسرائيل" هو بحد ذاته "قبلة موت" لأي تحرك أميركي في المنطقة: فكل مكسب لاسرائيل يعني مزيداً من ميلان الميزان لصالحها، واقتراح منطقة التجارة الشرق الأوسطية، كما قدمه بوش، يعني إفساح المجال أمام "إسرائيل" لتصبح شريكاً تجارياً كاملاً يتمتع بإعفاءات ومعاملة تفضيلية في محيطها العربي، وإلا أعتبر المقترح خروجاً على اتفاقات منظمة التجارة الدولية، إلا إذا عدّل الرئيس الأميركي اقتراحه ليصبح منطقة تجارة حرة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والدول العربية. وهذا التعديل هو الأوجه، فهو يخرج "إسرائيل" مما يجعل الاقتراح أكثر قبولاً لمجتمع الأعمال العربي، ويجب أن تضاف له إعانات تقنية وتعليمية وتدريبية حتى يصبح اتفاقاً متوازناً، إذ يجب ألا يغيب أن الاقتراح يمنح المنتجات الأميركية ميزة لا تنالها السلع المنافسة في الاتحاد الأوروبي والآسيان واليابان وهي الشركاء الأوائل مع المجموعة العربية، كما أن الإتحاد الأوروبي أخذ زمام المبادرة لإطلاق شراكة متوسطية. وهذه الميزة حرجة الأهمية في حقبة إعادة بناء العراق، فهو شريك نشط في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومنذ عام 1998. وبالتأكيد فإن إعادة تأهيل العراق اقتصادياً ستعني مزيداً من الواردات ليس فقط مع الولاياتالمتحدة بل كذلك مع محيطه العربي باعتبار عنصر المنافسة من حيث الكلفة وشروط التوريد. وعلينا إدراك أن متوسط إعادة الإعمار سنوياً ستوازي في المتوسط قيمة اجمالي الناتج المحلي وعلى مدى السنوات العشر المقبلة، مما يعني أن العراق سيشهد طفرة اقتصادية هائلة تحقق له نمواً قد يتجاوز 10 في المئة سنوياً. واقتراح بوش بصورته الحالية يضغط على الدول العربية على مستويين: ضغط على الدول العربية كل منها على حدة، وضغط على مستوى النظام الاقتصادي العربي برمته. وإذا ما سارعت المنظمات الاقتصادية العربية المتخصصة ونجحت في لملمة القرار العربي بخصوص الاقتراح الاميركي قد تنجح كذلك في تحييد الجزء المهم من الضغط الفردي على الدول العربية. وقد يكون في تجربة تقديم ورقة المقاطعة العربية مجاناً درس قاس يجب السعي لتفادي تكراره. إذ لا يستقيم النظر فقط إلى إغراءات تمتين العلاقة مع أكبر اقتصاد في العالم، بل لا بد من الانكباب على إحصاء مكاسب الجانب الأميركي ليتعرف العرب إلى القيمة العادلة التي عليهم التفاوض على أساسها. وعلى رغم أن هناك من الدول العربية من لا يأخذ مسائل الاقتصاد العربي بكثير من الجدية، لكن تبقى آفاق التعاون الاقتصادي العربي أكثر تحققاً مع انفتاح الدول العربية تجارياً واستثمارياً. وعلى كل حال فتواصل جهود التعاون الاقتصادي العربي تأتي ضمن استثمار على مدى زمني تجاوز 40 عاماً لتأسيس سوق عربية مشتركة، ويبدو أن ما يعزز الأمل في مستقبل التعاون الاقتصادي العربي أن أهم المشاريع وأعلاها طموحاً بدأت تطبق اخيراً. فمشروع منطقة تجارة عربية كبرى هو قيد الإنجاز التدرجي، ويجب عدم نسيان أن العمل العربي إجمالاً يتعرض حالياً لأكبر حملة نقد وتقريع ولمحاولات تستهدف اقتلاعه وأخرى إصلاحه… فهل تكفي هذه الإيماءة التجارية الأميركية لتضبط الدول العربية نظامها الاقتصادي الإقليمي؟ أم أن التلويح بالسوق الأميركية سيحيل مضغة الاقتصاد العربي إلى أشلاء تتنافس للتوقيع فرادى وعلى التوالي مع الطرف الأميركي؟ ومن دون إثقال في السرد يبلغ إجمالي صادرات الدول العربية من سلع نحو 230 بليون دولار سنوياً، أما ما تستورده الولاياتالمتحدة الأميركية شهرياً فيُقدر بنحو 130 بليون دولار، منها 100 بليون دولار للسلع و20 بليون دولار للخدمات في المتوسط… وتحديداً بلغت الواردات الأميركية العام الماضي 2002 نحو 1.4 تريليون دولار تقريباً. أما التبادل التجاري بين الدول العربية والولاياتالمتحدة فيتجاوز قيمة التبادل التجاري العربي - العربي، وبلغت الصادرات العربية - العربية نحو 8 بلايين دولار عام 2001 مقابل 10 بلايين دولار صادرات عربية الى الولاياتالمتحدة الأميركية، وتأتي السوق الأميركية في المرتبة الرابعة من حيث تلقي الصادرات العربية بعد الإتحاد الأوروبي ودول جنوب شرقي آسيا واليابان. منطقة عربية لا بد من الاستدراك بالقول ان معظم التجارة البينية العربية 80 في المئة تقريباً هي في حقيقة الأمر تجارة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وليس من الإنصاف القول ان الدول العربية لم يقلقها هذا الأمر، فقد اتخذت القمة العربية في عمان قراراً بتسريع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لتحرير التجارة العربية المنشأ بين الدول العربية بإزالة الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم ذات الأثر المماثل التي تفرض على البضائع الأجنبية في مطلع سنة 2005، أي بعد نحو 18 شهراً من الآن... وتجدر الإشارة إلى أن معظم الدول العربية 14 دولة أعضاء في منطقة التجارة الحرة يساهم بما يوازي نحو 90 في المئة من إجمالي التجارة الخارجية العربية. وتتطلب الموضوعية عدم الاستخفاف بالعرض الأميركي، ففتح السوق الأميركية أمام البضائع والخدمات العربية قد يعني فرصة حقيقية لتحقيق تنوع اقتصادي بما يخرج الاقتصادات العربية من اعتمادها شبه التام على الموارد الطبيعية، حيث تبين الإحصاءات الرسمية أن نحو 80 في المئة من الصادرات العربية تستمد من الموارد الطبيعية. وسيعني انفتاح السوق الأميركية الضخمة تسريع تحول الاقتصادات العربية من الريع إلى تطوير صناعات وخدمات تصديرية منافسة دولياً بما يلبي احتياجات سوق كبيرة بما في ذلك الصناعات المعرفية والمرتبطة بالاقتصاد الجديد. لذلك لعل من المناسب أن ينكب مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والأمانة العامة للجامعة على درس الاقتراح الأميركي بعمق ووضع تصور في شأنه. لكن العودة للواقع تبرر الزعم أن دون قيام تلك المنطقة الحرة عوائق تحد من جدواها، فهي جزرة بالغة الصغر نظير ما تسعى الإدارة الأميركية للحصول عليه في المقابل وتريد تحقيقه للاقتصاد الإسرائيلي. وستخلص دراسة فاحصة للهياكل الصناعية والخدمية العربية إلى أن إسرائيل مرشحة لرفع صادراتها الى الدول العربية بما يزيد على إجمالي نمو الصادرات العربية نتيجة للاتفاق مع الولاياتالمتحدة. ولعل الخيار الأجدى أن يركز الرئيس الأميركي على إقامة دولة للفلسطينيين خلال وقت قصير، وحينما يرفرف العلم الفلسطيني على أرض دولة فلسطينية كاملة السيادة تلتزم الولاياتالمتحدة بأمنها ورفاهها وتحميها من إسرائيل، عندها فقط قد يسقط الشارع العربي نظرية المؤامرة عن المشاريع الأميركية ويحمل اللفتات الاقتصادية - الاجتماعية الأميركية على المحمل الحسن. * متخصص في المعلوماتية والإنتاج.