حسم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح باختياره لشخصية رئيس الحكومة الجديدة انحيازه الكامل لاستكمال الملف الاقتصادي الذي يعد ذا أولوية مطلقة لليمن خلال الفترة المقبلة. وجاء التجديد لرئيس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال لفترة ثانية لمنحه الفرصة لاتخاذ الترتيبات الاجرائية والخطط اللازمة لجني ثمار الديموقراطية التي كسبت تعاطفاً كبيراً في صورة دعم دولي وعربي للاصلاحات الاقتصادية. قال مراقبون اقتصاديون في صنعاء ان باجمال الذي يعد مهندس الاصلاحات الاقتصادية في اليمن، منذ كان وزيراً للتخطيط والتنمية منتصف التسعينات، سيحرص على استكمال تنفيذ حلقات البرنامج خصوصاً في مجال الاصلاحات الإدارية وتحديث الخدمة المدنية ومحاربة الفساد المالي في أجهزة الدولة. ويرأس باجمال لجنة حكومية عليا لمحاربة الفساد اجتمعت خلال الشهر الماضي لوضع آلية واضحة ومحددة لتطهير الجهاز الإداري من الفاسدين ومحاسبة المختلسين ووضع ضوابط صارمة لحماية المال العام في ضوء تقارير لجهاز الرقابة والمحاسبة تتحدث عن ضبط آلاف القضايا. غير أن أهم انجازات حكومة باجمال الماضية كانت تلك الصورة الايجابية التي انتزعها اليمن خلال مؤتمر للمانحين عقد أواخر العام الماضي. وجاء هذا المؤتمر ليجدد الشهادة الدولية بقدرات الاقتصاد اليمني وفرص تعزيز الديموقراطية وحقوق الانسان والتعددية السياسية والحزبية. وأعلن المانحون عن تقديمهم نحو 2.3 بليون دولار مساعدات وقروض لدعم الاقتصاد اليمني خلال السنوات الثلاث المقبلة، فضلاً عن تعهدات بقيمة 1.2 بليون دولار لمشاريع قائمة بالفعل ويجري تنفيذها. وتعتبر الأوساط الاقتصادية الرسمية أن تخفيض معدلات التضخم ومحاصرة العجز في الموازين الكلية وتحقيق معدل معقول من النمو نسبته خمسة في المئة ووصول حجم الاحتياط الخارجي من العملات الصعبة إلى 4.5 بليون دولار للمرة الأولى في تاريخ الاقتصاد اليمني، حسب أحدث تقرير للبنك المركزي اليمني، انجازاً مهماً في ضوء معطيات غير مستقرة للأوضاع الاقتصادية الدولية وأسعار النفط وارتفاع درجة حساسية الاقتصاد اليمني لعوامل الانكشاف الخارجي. ويتعين على الحكومة اليمنية الجديدة أن تستكمل متابعة وثائق اقتصادية عدة أعدت خلال العامين الأخيرين وشكلت أرضية أساسية للتوجهات الوطنية خلال الفترة المقبلة، الاولى خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثانية للسنوات 2001 2005 والثانية الرؤية الاستراتيجية لليمن حتى سنة 2025، وهي أول دراسة تأشيرية تتحدث عن احتمالات المستقبل وتحدياته وسيناريوهات التعامل مع القضايا الكبيرة وتقترح الحلول الناجعة لها. أما الوثيقة الثالثة فكانت استراتيجية التخفيف من الفقر التي تزامنت مع توجه من البنك الدولي وبقية مؤسسات المانحين بالتركيز على التخفيف من الفقر كأحد أولويات تحقيق التنمية المستدامة خصوصاً في الدول النامية. وتحدد استراتيجية التخفيف من الفقر الأهداف والسياسات واجراءات التدخل وخطط العمل المبنية حول ثلاث غايات كلية أساسية هي: تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل وتوسيع الفرص الاقتصادية للشرائح الفقيرة من خلال معالجة الأسباب الهيكلية للفقر والتركيز على الوقاية من الفقر وتوفير سبل العيش المستديمة وتعزيز قدرات الفقراء وزيادة أصولهم والعائد منها نحو مزيد من العدالة من خلال تحسين الظروف الاجتماعية والانتاجية الاقتصادية للفقراء وأولئك القريبين من خط الفقر. وتهدف الاستراتيجية إلى تخفيض نسبة الفقر بنحو 13.1 في المئة خلال الفترة 2003 - 2005 لتصبح 35.9 في المئة سنة 2005. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال نمو اقتصادي مناسب يؤدي إلى زيادة اجمالي الناتج المحلي الحقيقي في حدود 4.7 في المئة اعتماداً على نمو القطاعات غير النفطية بمتوسط حقيقي نسبته 6.3 في المئة وبما يعمل على زيادة متوسط نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي وتحسين مستوى المعيشة. ويتوقع أن يتواكب ذلك النمو مع تأثير السياسات السكانية الهادفة لخفض معدل نمو السكان السنوي إلى نحو ثلاثة في المئة بحلول سنة 2005. كما يسعى هذا النمو أيضاً إلى خلق فرص عمل للحد من مستويات البطالة الحالية وخفض التشغيل الجزئي. وتتهيأ الحكومة اليمنية الجديدة لخوض مفاوضات شاقة مع منظمة التجارة الدولية في غضون السنوات المقبلة عقب قبول سكرتارية منظمة التجارة الدولية لطلب اليمن الانضمام إلى منظمة التجارة في نهاية العام الماضي بعد أن قدمت اللجنة الوطنية المختصة بذلك مذكرة التجارة الخارجية التي شملت السياسات التجارية والتشريعات. ومن المنتظر أن تعطي حكومة باجمال اهتماماً كبيراً لاستمرار سياستها في تطبيع العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي في اطار برنامج الانضمام التدرجي إلى كل مؤسسات المجلس. ويتوقع أن يترجم برنامج الحكومة مضامين البرنامج الانتخابي لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في المجال الاقتصادي. ويؤكد برنامج المؤتمر الشعبي العمل من أجل تحقيق نمو اقتصادي يكفل ايجاد فرص عمل كافية لتشغيل قوى العمل المتنامية بفعل النمو السكاني المتسارع والحد من التضخم والغلاء والتقلبات في أسعار السلع والخدمات بما يكفل تحسين معيشة المواطنين وتخفيف ظاهرة الفقر والحد من آثاره وتعهد الحزب الحاكم مواصلة الاصلاحات الاقتصادية لتنمية وتعبئة الموارد المالية المحلية والخارجية بما يضمن تمويل برامج ومشاريع خطط التنمية واستراتيجية التخفيف من الفقر وضمان تحقيق معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة وترشيد بنود النفقات العامة لصالح الانفاق الاستثماري في البنية التحتية كالطرق والمياه والصرف الصحي ومشاريع توليد ومد شبكة الكهرباء والاتصالات، مع التركيز على توفير القدر الأكبر من الامكانيات لقطاعات التعليم والصحة والطرق والمياه، وبالذات في المناطق الريفية والمناطق الأكثر احتياجاً وحرماناً. وأكد البرنامج على زيادة مخصصات شبكة الأمان الاجتماعي وبالذات مخصصات الرعاية الاجتماعية، وزيادة عدد الحالات المستفيدة وتطوير القوانين الضريبية، وتطبيق سياسة مبسطة وشفافة، بما يكفل تشجيع الاستثمار في المجالات ذات الكثافة العمالية والانتاج للتصدير.