بدأت سنة 2002 بينما كان الاقتصاد اليمني لا يزال يحصي خسائره جراء التقلبات الدولية في أسعار النفط بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر عام 2001. ويواجه اليمن مع اقتراب نهاية السنة أعباء مضاعفة جراء تفجير ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" قبالة سواحل حضرموت. وما بين البدء والانتهاء عاش الاقتصاد اليمني متغيرات كان بعضها ايجابياً على صعيد تنامي المساعدات والتمويل الدولي والبعض الآخر سلبياً مثل استمرار الانكماش وتأجيل بعض الخطوات الاصلاحية وزيادة معدلات الفقر. توقع رئيس الوزراء اليمني عبدالقادر باجمال مطلع سنة 2002 تراجع النمو الاقتصادي في بلاده من 5.2 في المئة، حسبما خططت الحكومة، الى 3.3 في المئة في نهاية سنة 2002. وقال ان أحداث 11 أيلول تسببت في زيادة عجز الموازنة من 1.9 في المئة الى ثلاثة في المئة من اجمالي الناتج المحلي وفي ارتفاع التضخم من 5.5 في المئة الى ما بين سبعة وتسعة في المئة. وأعاقت التطورات الدولية تنفيذ مشاريع كبرى في اليمن أهمها مشروع تصدير الغاز بقيمة 2.5 بليون دولار الى الهند، اذ كان قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق يصدر بموجبه من خمسة الى ستة ملايين طن سنوياً من الغاز، لكن أحداث ايلول قلبت الموازين. وازاء ذلك اضطرت الحكومة اليمنية الى اتخاذ قرار بالتمديد أربع سنوات اضافية للشركاء في تنفيذ مشروع تسييل وتصدير الغاز الطبيعي. وقرر مجلس الوزراء منح الشركاء فرصة أخرى تنتهي في 16 حزيران يونيو سنة 2006 لتأمين أسواق جديدة لتصدير الغاز اليمني. وانعكست أضرار الاقتصاد اليمني على المؤشرات الكلية، فالميزان التجاري تراجع بمقدار بليون دولار ليصل الى 609 ملايين دولار بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية. وأدى انخفاض الوفر في الميزان التجاري الى تراجع وفر الحساب الجاري لميزان المدفوعات بمقدار 1093 مليون دولار ليصبح 769 مليون دولار بدلاً من 1862 مليون دولار في العام السابق. وفي تقرير أصدرته وزارة التخطيط والتنمية اليمنية في الربع الأول من السنة جاء أن خسائر الاقتصاد اليمني بسبب أحداث 11 أيلول تبلغ 900 مليون دولار منها 280 مليون دولار في قطاع النفط بسبب تقلبات الأسعار وزيادة رسوم النقل والتأمين وتوقف بعض الشركات عن أعمال التنقيب. وأصيب القطاع السياحي بأضرار قيمتها 250 مليون دولار نتيجة توقف الأفواج السياحية والغاء نحو 70 ألف عقد. أما قطاع المنطقة الحرة والاستثمار فقد خسر نحو 200 مليون دولار بعد أن تدنى تدفق السفن وتوقفت المشاريع الاستثمارية. وتضرر قطاع النقل والتجارة بنحو 70 مليون دولار نتيجة زيادة أجور النقل وارتفاع التأمين وتوقف حركة الطيران وفوارق الأسعار بينما تراجعت الايرادات العامة للحكومة بنحو 100 مليون دولار في قطاعات الجمارك والضرائب وتدني الدخل القنصلي ونشاط الشركات والبنوك. ولم يكن هناك بد أمام الحكومة اليمنية من أن تأخذ زمام المبادرة في الاتجاه الدولي لتعويض خسائر اقتصادها الذي يعاني أزمات متلاحقة منذ عشرة أعوام على الأقل. وفي محاولة منها لتطويق الانعكاسات على الاقتصاد عقدت الحكومة اليمنية لقاءات مع رؤساء البعثات الديبلوماسية المعتمدة للدول المانحة وشرحت لهم جوانب الاستقرار والأمن الذي تنعم به البلاد، وذلك رداً على حملة دولية ضد اليمن تزامنت مع الأحداث حاولت الايحاء بأنه مستهدف عسكرياً. ولمواجهة التطورات بدأت الحكومة اليمنية وضع تدابير جديدة تتلاءم مع المتغيرات عن طريق استخدام سياسة اقتصادية حذرة وعدم الدخول في استثمارات ضخمة يكون تمويلها عن طريق النفط. النفط طوق النجاة ومع كل التطورات بل والتحذيرات بقي النفط حصان الرهان بالنسبة للاقتصاد اليمني الذي ينتشله من أزماته ويتدخل في الوقت المناسب لتصحيح المعادلة وان كان ذلك يعتمد على الظروف الدولية لا على تخطيط محلي. فما أن زاد سعر البرميل في السوق الدولية الى أكثر من 25 دولاراً للبرميل حتى تنفس اليمن الصعداء، فالاقتصاد اليمني يعتمد بشكل واضح على صادرات النفط الخام، اذ تنتج البلاد نحو 475 ألف برميل من النفط سنوياً. ويمثل النفط 33.7 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي ويشكل 67 في المئة من الايرادات الذاتية في الموازنة العامة ونحو 95 في المئة اجمالي الصادرات. ونظراً للطفرة في أسعار النفط، نجح اليمن في تعويض الفاقد في الموارد الأخرى اذ تجاوزت عائداته في نهاية أيلول الماضي تقديرات السنة كلها وزادت على بليون واربعة ملايين دولار. ويأتي ذلك على رغم ان لجنة برلمانية يمنية أكدت مطلع السنة أن الاستقرار المالي والنقدي سيصبح عرضة للتغيرات والعواصف في ضوء اعتماد الموازنة على ايرادات النفط بصورة رئيسة. وأوضحت اللجنة أن النفط مورد شديد التقلب والحساسية للتغيرات على الساحة الدولية، ما يعرض الاستقرار الاقتصادي للاضطراب. استراتيجية الفقر وما بين التفاؤل والتشاؤم كانت السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجها اليمن ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري واحدة من قضايا الجدل بين المؤيدين والمعارضين. واعترف تقرير رسمي بأن السياسات انعكست في تحسن مستويات النمو الاقتصادي وانخفاض التضخم واستقرار قيمة العملة الوطنية ولكنها كانت سلبية في بعض جوانب التنمية البشرية. ولفت تقرير التنمية البشرية الوطني الى أن الاصلاحات الاقتصادية لم تكن كافية لتغيير وضع الاقتصاد بشكل جذري، بل انها لم تستطع وقف التدهور في مؤشرات الفقر والذي بلغ 30 في المئة من السكان في حين وصلت نسبة الأسر تحت خط الفقر 34.9 في المئة مع تفاوت واضح لشدة الفقر بين الريف والحضر. واستحوذت قضية الفقر ومواجهته على أولويات خاصة بالنسبة للحكومة اليمنية التي أنجزت خلال سنة 2002 استراتيجية للتخفيف من الفقر للسنوات 2003 - 2005 عرضتها على الدول المانحة وأقرها مجلس الوزراء اليمني. وتشير البيانات الرسمية الى أن 17.6 في المئة من سكان اليمن يعيشون تحت خط فقر الغذاء، في حين ترتفع نسبة السكان الذين لا يتمكنون من الحصول على كامل حاجاتهم الغذائية وغير الغذائية والمتمثلة في المأكل والملبس والمأوى والصحة والتعليم والتنقل الى 41.8 في المئة. وأكدت البيانات أن هذه النسب تعكس خطورة أوضاع ومعيشة حوالى 6.9 مليون مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة. ويأخذ الفقر في اليمن طابعاً ريفياً خصوصاً وأن المجتمع اليمني ما زال يعيش أغلبه في القرى الى حد كبير على رغم النمو المستمر لظاهرة التحضر. ويحتضن الريف اليمني حوالى 83 في المئة من الفقراء و87 في المئة من الذين يعانون من فقر الغذاء في حين يقطن فيه ما يقارب من ثلاثة أرباع السكان في عام 1998. وتسعى الاستراتيجية الى تخفيض نسبة الفقر بنحو 13.1 في المئة خلال الفترة 2003 - 2005 لتصبح 35.9 في المئة في عام 2005. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال نمو اقتصادي مناسب يؤدي الى زيادة اجمالي الناتج المحلي الحقيقي في حدود 4.7 في المئة اعتماداً على نمو القطاعات غير النفطية بمتوسط حقيقي 6.3 في المئة. ويبلغ اجمالي كلفة مشاريع الاستراتيجية اليمنية نحو 413.4 بليون ريال 2.3 بليون دولار منها 18.8 بليون ريال كلفة المشاريع الجديدة وبنسبة 4.6 في المئة. وتقدر نسبة التمويل المحلي بنحو 73 في المئة من اجمالي البرامج والمشاريع في حين يتم تغطية الباقي من مصادر تمويل خارجية تتم تأمين معظمها. وتستهدف الاستراتيجية خفض فقر الغذاء من 27.3 الى 21.7 في المئة وخفض النمو السكاني من 3.5 الى ثلاثة في المئة وتقليص البطالة السافرة من 11.3 الى 9.5 في المئة. وتأمل الحكومة اليمنية أن يسهم تطبيق الاستراتيجية في رفع الخدمات الصحية من 50 الى 68 في المئة وزيادة التغطية لمياه الشرب في الريف من 59 الى 64 في المئة ورفع نسبة تغطية الكهرباء من 30 الى 40 في المئة وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من 21.5 الى 24.4 في المئة. وعلى صعيد القضايا الاقتصادية الساخنة، حقق الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية وجمعية الصناعيين اليمنيين انتصاراً كبيرا بإقناع الحكومة بتجميد قانون الضريبة العامة على المبيعات بعد جدل وضغوط استمرت أكثر من عام. وأعلن وزير الشؤون القانونية عبدالله أحمد غانم أن مجلس الوزراء قرر تأجيل تطبيق قانون ضريبة المبيعات حتى بداية سنة 2004 بدلاً من مطلع شهر ايلول 2002 حسبما كان مقرراً. وبرر وزير الشؤون القانونية قرار الحكومة "بغرض اجراء المزيد من المناقشة مع اتحاد الغرف التجارية وجمعية الصناعيين اليمنيين واجراء مقارنات مع القوانين المماثلة في الدول الأخرى اضافة الى اعطاء الفرصة لدرس القانون مع المنظمات الدولية المختصة". ورحبت جمعية الصناعيين اليمنيين بقرار الحكومة اليمنية تجميد العمل بقانون ضريبة المبيعات. وقالت ان الظروف الاقتصادية الحالية في اليمن غير مواتية نهائياً لتنفيذ القانون بصيغته الحالية، سواء مستوى المعيشة أو حال التباطؤ والصعوبات التي يواجهها القطاع الصناعي. وكان القانون المقترح سيخضع تجار الجملة والتجزئة ممن يتجاوز رقم مبيعاتهم السنوية مبلغ 50 مليون ريال وكذلك مؤدي الخدمات الذين تتجاوز أعمالهم السنوية مبلغ 40 مليون ريال لنسبة ضريبية واحدة قدرها 10 في المئة على جميع السلع والخدمات سواء كانت محلية أو مستوردة. التخطيط الاداري اتخذت الحكومة اليمنية سنة 2002 خطوة حاسمة للمرة الاولى في مجال الاصلاح الاداري، اذ شرعت في احالة نحو 15 ألف موظف وعامل في مؤسسات القطاع العام الى التقاعد خلال السنة اضافة الى 50 ألف شخص أحيلوا على التقاعد في اطار الاصلاحات الادارية في وقت سابق. وتنفق الحكومة اليمنية 6.3 بليون ريال 35.2 مليون دولار سنوياً مستحقات للمتقاعدين بعد تعديل قانون التقاعد لمصلحة الموظفين ورفع الحد الأدنى الى سبعة آلاف ريال شهرياً. وقدرت حالات التكرار الوظيفي التي تم حذفها خلال عام 2002 بنحو 17 ألف حالة. وتشير وثائق وزارة التخطيط والتنمية اليمنية الى أن أعداد المشتغلين في الجهاز الاداري يبلغ 428 ألف شخص وسيرتفعون الى 463 ألف شخص سنة 2005. لكن دخل الموظف يقل عن مستوى الدخل عند خط الفقر بنسبة 18.8 في المئة وخط الفقر بتصنيف البنك الدولي بنسبة 46.2 في المئة. وتنفذ وزارة الخدمة المدنية والاصلاح الاداري مشروعاً لتحديث الخدمة المدنية بالتعاون مع البنك الدولي تبلغ كلفته 30 مليون دولار. وتسعى الهيئة العامة للتأمينات الى زيادة عدد المشتركين فيها الى 529 ألف شخص في غضون السنوات الخمس المقبلة.