إطلاق كائنات فطرية بمتنزه الأحساء    تدشين التجمع الغذائي بجدة الأحد المقبل    المجلس الدولي للتمور ينظم جلسة حوارية بمشاركة خبراء ومختصين عالميين .. الخميس المقبل    انطلاق النسخة الثامنة من منتدى مسك العالمي 2024 بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية    نزع ملكيات في لطائف    التشهير بمواطن ومقيم ارتكبا التستر في نشاط العطور والأقمشة    الرئيس البرازيلي يفتتح قمة مجموعة العشرين    وزير الخارجية يترأس وفد السعودية في افتتاح قمة العشرين    نائب وزير الخارجية يستقبل نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية    الشورى يطالب باستراتيجية شاملة لسلامة النقل    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعزز السياحة الثقافية بمشروع وطني طموح    الفيتو الروسي يحبط وقف إطلاق النار في السودان    " طويق " تدعم شموع الأمل ببرامج تدريبية لمقدمي الخدمات لذوي الإعاقة    أمير تبوك يدشن مشروعات تنموية واستثماريه بالمنطقة    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً أجابت عليها وزارة التعليم عن الرخصة المهنية    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    أمير حائل يطلع على مشروع التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم    علوان رئيساً تنفيذيّاً ل«المسرح والفنون الأدائية».. والواصل رئيساً تنفيذيّاً ل«الأدب والنشر والترجمة»    وزارة الثقافة تحتفي بالأوركسترا اليمنية في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية ترتفع إلى مليار ريال    مستشفى الحرجة يُفعّل التطعيم ضد الحصبة و الأسبوع الخليجي للسكري    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1%    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    المملكة تدين استمرار استهداف" الأونروا"    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    حسابات ال «ثريد»    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    مكالمة السيتي    أعاصير تضرب المركب الألماني    الله عليه أخضر عنيد    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"نفحة إيمان" مذكرات الملكة نور الحسين عن الأردن في 20 عاماً . ثاتشر كانت اكثر تطرفاً من بوش في التحريض على الحل العسكري 3
نشر في الحياة يوم 01 - 05 - 2003

الرأي السائد في الأردن كان أن الدول العربية الأخرى رحبت بالمواجهة مع العراق، لكنها أرادت للأميركيين خوض الحرب نيابة عنها. وقد اعتبر العراق دوماً ما يشبه "روسيا" الشرق الأوسط، نظراً الى جيشه الجيد التجهيز الذي يقوده ضباط على مستوى عال من التدريب والثقافة. والنتيجة أن الدول العربية الأصغر شعرت بالقلق تجاه جيش العراق وصدام حسين نفسه. فقد كان عنصراً غير منضبط في المعادلة الاقليمية، وهو ما أثار أيضاً قلق الولايات المتحدة وبريطانيا. ولم تنظر القوى الغربية بارتياح الى قوة العراق العسكرية... والمفارقة هنا أن بريطانيا كانت قبل نحو نصف قرن تتولى تدريب الجيش العراقي.
والمثير للانتباه ما بدا من أن مارغريت ثاتشر هي التي حرضت الرئيس بوش على الرد العسكري. فقد ركزت الولايات المتحدة في المراحل الأولى للأزمة على حماية المملكة العربية السعودية من العراق، على رغم اعتقاد الجميع في الشرق الأوسط بأنه ليست للعراق أي مطامع في السعودية. لكن ثاتشر ارتأت غير ذلك. وكانت يوم الغزو في 2 آب أغسطس تشارك في مؤتمر تستضيفه مدينة آسبن بولاية كولورادو، وعندما وصل جورج بوش الى المؤتمر، أكدت له انه اذا لم يوقف الغرب صدام حسين فهذا يعني ان دباباته لن تنطلق نحو السعودية فحسب، بل الى البحرين ودبي لتسيطر في النهاية على 65 في المئة من احتياطي النفط في العالم.
واتصل الملك الحسين بالرئيس بوش في آسبن وحضه على دعم حل عربي للأزمة، بعيداً عن التدخل الأجنبي. واعتقد زوجي وقتها انه لا يزال في الامكان اقناع صدام حسين بالانسحاب سلماً من الكويت، خصوصاً مع التلويح له باستعمال القوة العسكرية من جانب العرب. والسابقة التاريخية لذلك كانت في 1962، عندما شارك الجيش الأردني في حماية الكويت ضمن القوة التي أرسلتها الجامعة العربية، بعدما أعلنت الكويت الاستقلال ورفض العراق الاعتراف بذلك.
بعد أيام من الغزو العراقي بدأ الأميركيون والبريطانيون بادخال قواتهم الى المنطقة، فيما باشرت أميركا التعبئة لارسال المزيد. وعندما قام وزير الدفاع الأميركي ريتشارد تشيني بجولته في المنطقة بعد خمسة أيام على الغزو زار السعودية ومصر لكنه لم يزر الأردن. وكان ذلك مستغرباً لأن زوجي كان آخر زعيم عربي التقى صدام حسين، ولذا ربما كان الشخص الوحيد القادر على صياغة تحرك ديبلوماسي لمواجهة الوضع. لكن الولايات المتحدة أقصته منذ البداية. ووصل الى عمان بعد وقت من الغزو مبعوث سعودي اعتبر أن لا قيمة للصور الفضائية التي قدمها الأميركيون عن حشود عراقية على الحدود السعودية، وأكد لزوجي ان السعودية لا تشعر بالقلق من العراقيين.
قطعت أميركا المساعدات عن الأردن. كما أوقفت الدول العربية المشاركة في التحالف العسكري مساعداتها، التي كانت متراجعة أصلاً بسبب الركود الاقتصادي في المنطقة. وبلغ من ألم الملك الحسين أنه عاد في كلامه معي في الثامن من الشهر نفسه، بعد ثمانية أيام على الغزو، الى فكرة التنحي عن العرش. فقد شعر بأن الحملة الضارية ضده شخصياً تضر بالأردن، وان تسليم المسؤوليات الى خلفه قد يخفف من الضرر. واعتقدت بانه سيتنحى بالفعل لولا المكالمات الهاتفية المكثفة من الكثيرين من الأردنيين الذين أكدوا له أنه يحظى بدعم كل البلد. وقد ضممت صوتي الى هذه الأصوات، بأن الاردنيين يحتاجونه أكثر من أي وقت مضى، فيما يساند الكثيرون في انحاء العالم موقفه المعتدل في مواجهة حمى الحرب التي اجتاحت المنطقة.
وشجعت زوجي على الذهاب الى أميركا وشرح موقفه للرئيس بوش وجهاً لوجه. وكان ابن اخيه الأمير طلال من ضمن الفريق الصغير الذي رافقه الى منتجع كينيبونكبورت في ولاية ماين. ووصف لقاء مساعدي الرئيس الأميركي للجانب الأردني بأنه "تجربة مزعجة تماماً". لكن بوش نفسه كان بالغ الدماثة، وتفهم أكثر من غيره وضع زوجي الصعب. مع ذلك فقد كان مؤدى موقفه رفض قيام زوجي بمفاوضات مع صدام حسين توصلاً الى انسحاب سلمي. وقال بوش لزوجي: "لن أسمح لهذا الديكتاتور الصغير بالسيطرة على 25 في المئة من نفط العالم المتحضر". وبقي تعبير "العالم المتحضر" في ذهن الشريف زيد بن شاكر الذي كان أيضا ضمن الوفد، وقال لاحقاً أن بوش استعمله "وكأن لا حضارة في العالم سوى حضارة الغرب". وشعر الملك الحسين بإحباط كبير من زيارته الأميركية، وتوجه من هناك الى أوروبا للقاء رؤساء الدول هناك. وتضاعف احباطه بعد لقائه ثاتشر في لندن.
التأثير الاقتصادي للغزو العراقي للكويت كان مباشراً ومدمراً. فقد فرضت الأمم المتحدة خلال الأسبوع التالي للغزو حظراً على التجارة مع العراق، الشريك التجاري الأكبر للأردن. وألغيت كل الطلبيات، وتوقفت السياحة تماماً عن الأردن وبقية المنطقة. وأجبرت السفن التي كانت في طريقها الى ميناء العقبة لنقل البضائع عبر الاردن الى العراق على العودة.
وبدأنا في مؤسسة نور الحسين بتبادل الأفكار عن كيفية تمكين الأسر والمجموعات السكانية من مواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. وكانت المخاطر كبيرة خصوصاً، على سبيل المثال، للنساء والأسر المستفيدة من برامج مثل بني حميدة. فقد كانت منتجاته الفولكلورية مخصصة للبيع الى السياح في الوقت الذي اقفل هذا الباب. وابتكرت ريبيكا السلطي خطة ذكية للوصول الى زبائن جدد. فقد توافد على الأردن بعد الغزو نحو 800 صحافي، وسعت ريبيكا مع الزميلات والزملاء الى اقامة عروض للسجاد الذي ينتجه برنامج بني حميدة في عدد من الفنادق، وواظبت على زيارة العروض يومياً في الساعة 11 مساء لبيع السجاد الى الصحافيين. وترافقت مغادرة كل دفعة من الصحافيين محملة بالسجاد مع وصول دفعة جديدة من هؤلاء الزبائن المحتملين.
لكن الضغط الأكبر بكثير الذي جاءت به أزمة الخليج كان الأعداد الهائلة من اللاجئين الذين تدفقوا عبر حدودنا، من بينهم العمال المصريون الهاربون من العراق والكويت، والمغاربة والفيليبينيون والبنغلاديشيون والباكستانيون والنيباليون والأفغان والصوماليون والتايلنديون والسري لانكيون الذين عملوا في الخدمة المنزلية في الكويت، اضافة الى كثيرين من مناطق أخرى من آسيا. ولم تكن لدينا في المراحل الأولى الخيام والبطانيات الكافية لهم، وواجهوا ظروفاً قاسية. واستمر التدفق بمعدل عشرة آلاف شخص يومياً. وجاء في التقديرات أن عدد اللاجئين وصل بنهاية الصراع الى ثلاثة ملايين نسمة، في بلدنا الذي يقل عدد سكانه عن 3.5 مليون نسمة.
خلال تلك الفترة كنت أقضي طيلة نهاري يومياً تقريباً في اجتماعات مع مسؤولينا في وزارة الداخلية والشرطة، اضافة الى المؤسسات غير الحكومية، المحلية والدولية، المشاركة في اغاثة اللاجئين. واختص بعض تلك الهيئات بالعمل في المناطق الحدودية، فيما عمل بعضها الآخر على ايوائهم في عمان. وساهمت أسرتنا بكثافة في هذه الجهود. فقد كان شقيق زوجي ولي العهد الأمير الحسن يرعى المنظمة الهاشمية للاغاثة، التي أنشأت معسكراً كبيراً للاجئين في أراضي مدينة الملاهي في عمان. فيما عملت الأميرة بسمة في معسكر آخر. ودعمت منظمات غير حكومية مثل أطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي جهودنا للسيطرة على الأمراض وتوفير الغذاء والماء وتأمين الظروف الصحية الضرورية.
وكانت حاجتنا الى المساعدات الانسانية لهذا السيل الانساني ملحّة تماماً، لكن وصولها كان بطيئاً. وقامت المنظمة الدولية للهجرات بتنظيم المواصلات اللازمة لنقل اللاجئين الى مواطنهم الأصلية، لكن ذلك استغرق بعض الوقت. وكان علينا أن نقوم بالكثير، وبسرعة، قبل ان يدهمنا الشتاء. وكنت أراجع المعلومات الواردة من المخيمات في أحد الأيام عندما طرأت على بالي فكرة حل ممكن: وهو الحصول على المساعدة من ريتشارد برانسون، رئيس خطوط "فرجين اتلانتك" الجوية، لتوفير الطائرات اللازمة لاعادة اللاجئين. كنا أيضاً بحاجة فورية الى الأغطية والخيام لمئات الألوف من اللاجئين في المناطق الحدودية. وتجاوب ريتشارد بسرعة عندما اتصلت به في مقره في انكلترا في اليوم التالي، ووعد بالقيام بما يمكن.
أزمة اللاجئين هذه تضخمت بسرعة ولم تسمح بوقت للتخطيط. وفي 4 أيلول سبتمبر ذهبت الى الحدود مع العراق للمساعدة على التخطيط لمخيمات اضافية يقيمها الصليب الأحمر. لكنني إكتشفت فور وصولي أن الاستعجال حال دون دراسة تأثيرها المحتمل على البيئة في تلك المناطق. واضطررنا الى تغيير موقع أحد المخيمات عندما أدركنا انه كان سيهدد الموارد المائية لأكبر مدينتين في الأردن.
في ذلك اليوم نفسه وصل ريتشارد برانسون بالطائرة مع حمولة من مواد الاغاثة مع وعد بالاستمرار في المساعدة. ولم يكن لوحده بل كان معه عدد من المراسلين الصحافيين البريطانيين الذين جاؤوا لتغطية ظروف تلك الألوف الكثيرة التي وجدت نفسها فجأة من دون مأوى أو ممتلكات أو مصدر رزق.
وفي اليوم ذاته أيضاً عاد زوجي من رحلته للقاء القادة الغربيين، وغادر فوراً الى بغداد ليجدد محاولته لاقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت. وكانت تلك الزيارة الثانية من ثلاث زيارات قام بها لمنع الحرب في المنطقة. وأبلغ صدام حسين خلالها اعتقاده الراسخ بأن القادة الغربيين وحلفاءهم لن يسمحوا له بالبقاء في الكويت. وقال للزعيم العراقي: "اتخذ قراراً شجاعاً واسحب قواتك. اذا لم تفعل سيجبرونك على الانسحاب". الا ان صدام حسين لم يتزحزح عن موقفه.
لكن زوجي تمكن من اقناع صدام حسين باطلاق مئات من الرهائن الأوروبيين الذين احتجزهم في بغداد كضمانة ضد هجوم الحلفاء. وكتب ريتشارد برانسون رسالة التماس بهذا الخصوص الى صدام حسين، ترجمها زوجي الى العربية وحملها أحد السعاة الى بغداد، واستجاب الرئيس العراقي للطلب وكانت الخطوط الجوية العراقية وقتها قد نقلت مئات البريطانيين من العراق، وبقي منهم ستون شخصاً سمح العراق لريتشارد بنقلهم بالطائرة. وكانت طائرة "فرجين اتلانتك" الطائرة الغربية الوحيدة التي سمح لها بدخول العراق، ووصف ريتشارد الرحلة بأنها "عجيبة" لكن أيضاً ناجحة.
وواصل ريتشارد نقل المساعدات الى اللاجئين، جنباً الى جنب مع الكثير من المنظمات والحكومات. مع ذلك فقد أوشك ذلك الطوفان على اغراقنا. وعمل الأردنيون فوق طاقتهم لمساعدة اللاجئين، ووفروا لهم المأوى وتبرعوا لهم بالبطانيات والغذاء وكل ما استطاعوا تقديمه. وشارك في ذلك حتى أفقر الأردنيين، الذين تبرعوا بأكثر مما استطاعوا الاستغناء عنه. وكان ذلك وقتاً مباركاً بالنسبة الى شعب الأردن، اذ ساهم الجميع بكل ما لديهم وأكثر، وضربوا المثل الأرفع على روح الضيافة والتعاطف الانساني المعروفين تقليدياً عن العرب والمسلمين.
كما وصل الى عمان برنار كوشنير، وزير الصحة والمساعدات الانسانية الفرنسي، لتقييم الوضع. وقال لي في مكتبي: "عليكم اصطحاب الاعلام معكم الى المخيمات لتركيز الأنظار على هذه الأزمة الانسانية. لا بد لك من استغلال مكانتك لجذب انتباه العالم". وشدد على هذه النقطة الى درجة دفعتني، على رغم ما شعرت به من احراج، الى دعوة الصحافة لمرافقتي الى المخيمات. وقد ساهم ذلك فعلاً في تعبئة الدعم الذي كنا بأمس الحاجة اليه. وتضافرت هذه الجهود مع الحملة الاعلامية الفاعلة التي قام بها الملك وولي العهد الأمير الحسن طوال تلك الأزمة.
وفي النهاية انتبهت الأسرة الدولية الى الأزمة، وسارعت الى تقديم المعونات وتخصيص طائرات لنقل اللاجئين الى مواطنهم. وعندما وجدت حكومة الفيليبين انها لا تملك ما يكفي من الطائرات لنقل مواطنيها أمدّها الملك الحسين ب18 طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية الأردنية. أما اللاجئون الصوماليون فقد فضّلوا مخيماتنا الصحراوية على العودة الى بلادهم. ولن أنسى أبداً الجلوس مع الأسر الصومالية في الخيام والاستماع لوصفها تعاسة الظروف هناك.
خلال كل هذا تواصلت حملات التشهير ضد زوجي. وذهلنا منتصف أيلول سبتمبر عندما شاهدنا السناتور فرانك لوتنبرغ على شبكة "سي إن إن" وهو ينقل عن الرئيس مبارك قوله ان زوجي كان على معرفة مسبقة بغزو العراق للكويت، وأنه دعم الغزو بل شارك فيه. وجزمنا وقتها بأن السناتور الأميركي أساء فهم أو تفسير قول مبارك، أو انه أخرجه عن سياقه.
رد الحسين على موجة الهجمات هذه بكتابة رسالة توضيح الى "سي إن إن" بُثّت في حينه، لكن الأذى كان قد حصل بالفعل. وبعد يومين على عودة زوجي من المغرب، اوقف السعوديون تزويدنا بالنفط وطردوا ديبلوماسيينا. كنت في طريقي الى الولايات المتحدة لحضور قمة الاطفال العالمية التي نظمتها الامم المتحدة ولالقاء كلمة في معهد بروكينغز في واشنطن. ودّعني اولادي في المطار واهدوني دمية على شكل اسد، وهي لم تكن ترمز الى برجي الفلكي، برج الاسد، فحسب بل ترمز ايضاً الى الشجاعة التي سيكون عليّ ان استجمعها كي التقي منتقدي زوجي وجهاً لوجه.
كان امراً بالغ الاهمية ان نبدد الانطباع الزائف بأن الاردن أيّد بأي شكل غزو العراق للكويت، وهي وجهة نظر اخذت تنغرس في عقول المسؤولين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والخليج. عندما وصلت الى حفلة افتتاح قمة الاطفال، كان اول شخص تقدم الى سفيرنا واليّ هو وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، وهو صديق قديم وموضع احترام. وبعد ان حيّاني بحرارة قدم لي وزير خارجية الكويت.
وبينما كنا نتبادل التحيات، فكّرت في ان اطلب من الامير سعود امكان اللقاء به على انفراد لمناقشة المأزق الديبلوماسي الذي كان يغشو العلاقات بين بلدينا. كانت رغبتي، كما هي دوماً، ان تُطرح القضايا على المائدة ونخوض فيها بأمل ان يخرج شيء ما ايجابي من النقاش الصريح. اثناء وجودي في حفلة الاستقبال، ولفترة من الوقت بعدها، فكّرت ما اذا كان ينبغي ان اعتمد اسلوباً مباشراً. وفي النهاية قررت ان اتصرف بحذر. لم اكن اريد ان يستخدم اي شيء اقوله ضد زوجي بأي شكل، وكنت اعرف ان اللقاء على انفراد مع وزير الخارجية السعودي قد يساء فهمه ويثير الكثير من الإشكاليات.
كان الأمر اكثر صعوبة بكثير في مناسبة اخرى عندما جاءت اليّ السيدة سوزان مبارك وخاطبتني بمرح "كيف حالك؟ كيف حال الجميع؟كيف حال صاحب الجلالة؟". لم أعرف كيف أرد لأننا كنا في وضع يرثى له. اجبت: "انه بخير، يا سوزان. كيف حال الرئيس؟ كيف حال أولادك؟".
ومع استمرار لقائنا وانصافاً للحقيقة، فانه لا شك لدي في ان سوزان لم تكن تضمر سوى أحسن النوايا، لكن كان يتعين ان اقول شيئاً: "سوزان، انا متأسفة، لكن يصعب عليّ تماماً ان اتبادل الحديث كما لو لم يكن هناك اي خلل بينما الوضع في الاردن فظيع الى هذا الحد. لقد قيلت وعُملت أشياء كثيرة تركت أثراً مدمراً علينا". وردت: "آه، انت تعرفين أنها مجرد اقاويل". لم أستطع ان أترك ملاحظتها تمر من دون تعليق: "أنت تعرفين، يا سوزان، ان حسن العلاقات بين بلدينا هو في منتهى الاهمية، خصوصاً في وقت كهذا".
في وقت لاحق من عصر ذلك اليوم، فكّرت ما اذا كان ينبغي ان أجلس على إنفراد مع سوزان واخبرها بكل ما أعرفه. فقد كنا، على رغم كل شيء، صديقتين، وكان الحسين وانا، سياسياً، اول مؤيدي مبارك وزوجته. كنا امضينا ساعات كثيرة نتأمل مهماتنا والقضايا الصعبة التي تواجه بلدينا. وكانت سوزان دعتني الى مصر لقضاء عطلة رائعة في النيل بصحبة أولادي الاربعة وشقيقتي، وكنا استقبلنا عائلة مبارك في منزلنا مرات كثيرة. فكّرت انه ربما ينبغي ان اتحدث اليها لنرى هل بالإمكان ان نصفي الامور.
اتصلت بغرفة سوزان في الفندق، لكنها لم تكن موجودة. وعندما تحدثت مع الحسين في وقت لاحق، ابلغني انه كان تلقى بالفعل رسالة من المصريين حول لقائي مع سوزان.
وفي هذه الاجواء، شعرت بان من المهم بشكل خاص ان اركز الانتباه على تأثير الحرب على الاطفال. فقد كانت، برغم كل شيء، قمة عالمية حول الاطفال، ولم اتردد في الاشارة الى ان الاطفال كانوا في اغلب الاحيان أول الضحايا في أي نزاع. وعلى مدى يومين خلال القمة واصلت التنبيه الى نتائج الحرب بالنسبة الى هؤلاء الافراد الاكثر عرضة للخطر في المجتمع باعتبارها أي هذه النتائج سبباً آخر اضافياً لتأييد حل غير عسكري لأزمة الشرق الاوسط.
غداً حلقة رابعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.