محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    البنك الدولي يعزز تمويلاته المخصصة لتخفيف آثار التغير المناخي    محافظ الزلفي يلتقي مدير إدارة كهرباء منطقة الرياض    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    أبها تستضيف منافسات المجموعة الرابعة لتصفيات كأس آسيا تحت 20 عاماً    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    هدف متأخر من خيمينيز يمنح أتليتيكو مدريد على لايبزيغ    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    قراءة في الخطاب الملكي    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    حروب بلا ضربة قاضية!    دراسات على تأثير غطاء الوجه على صحة الإناث..!    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    التزامات المقاولين    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    أمانة الطائف تكمل استعداداتها للإحتفاء باليوم الوطني 94    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    الاستثمار الإنساني    سَقَوْهُ حبًّا فألبسهم عزًّا    هيئة الأفلام تطلق النسخة الثانية من "منتدى الأفلام السعودي" أكتوبر المقبل    نائب أمير جازان يطلق البرنامج الدعوي "انتماء ونماء" المصاحب لليوم الوطني ال 94    محافظ الأحساء: الخطاب الملكي يحمل حرصا شديدا على حماية هويتنا وقيمنا    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارًا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    فريق بحثي سعودي يطور تكنولوجيا تكشف الأمراض بمستشعرات دقيقة    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    المواطن عماد رؤية 2030    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    تعزيز التحول الرقمي وتجربة المسافرين في مطارات دول "التعاون"    الأمير سعود بن مشعل يشهد اجتماع الوكلاء المساعدين للحقوق    إلى جنَّات الخلود أيُّها الوالد العطوف الحنون    برعاية وزير الداخلية.. تخريج 7,922 رجل أمن من مدن التدريب بمناطق المملكة    وفد من الخطوط السعودية يطمئن على صحة غانم    المهندس الغامدي مديرا للصيانة في "الصحة"    سلامة المرضى    كلام للبيع    كسر الخواطر    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرط أميركي للعراق : قبول سلام الشرق الأوسط واستيعاب 3 ملايين فلسطيني
نشر في الحياة يوم 29 - 12 - 1998

عندما أعلن الرئيس الأميركي بيل كلينتون توقف العمليات العسكرية ضد العراق يوم السبت الأسبق، صرح رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير بأن حكومته قررت ارسال غواصة نووية إلى الخليج لمرافقة حاملة الطائرات "انفيسيبل". وأوحى بلير بهذا النبأ أن تأجيل الضربات لا يعني وقف القتال نهائياً، وأن القصف قد يستأنف بعد شهر رمضان. وأيده في هذه التوقعات وزير الدفاع جورج روبرتسون الذي أسف لأن الغارات لم تكمل الخطة المرسومة والقاضية بتدمير 250 هدفاً داخل العراق. وبما أن العمليات لم تطل أكثر من مئة هدف، فقد هدد الوزير البريطاني باستثنائف العمليات بعد 17 كانون الثاني 30 رمضان، وذلك بغرض استكمال هدم ما تبقى من مواقع عسكرية مشبوهة. وادعى روبرتسون ان تقرير ريتشارد بتلر يشير إلى وجود عدد كبير من المستشفيات والمدارس استخدمها النظام العراقي كمخابئ سرية بهدف اخفاء جزء من أسلحته المحظورة، وخصوصاً قنابل غاز الخردل. ويذكر التقرير أيضاً أن هناك أكثر من ستين موقعاً رئاسياً وعسكرياً مُنعت لجنة "أونسكوم" من دخولها، وان الدبابات الروسية الصنع من طراز ت - 72 اس لم تزل مجهولة العنوان.
بعد الهدوء النسبي الذي عرفه العراق الأسبوع الماضي، ارتفعت في واشنطن ولندن صيحات السياسيين والمعلقين الذين انتقدوا خلو العمليات العسكرية من أي هدف سياسي محدد. وكتب توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" يطالب كلينتون وبلير بأهمية الاعلان عن تصور الدولتين للنتائج المتوقعة من وراء الضغط على النظام العراقي. وكتب المنظّر السياسي في جامعة هارفرد البروفسور ميشال ساندال يتساءل عن الغاية الحقيقية الكامنة وراء أعمال القصف: هل تقود العمليات العسكرية إلى دفع صدام حسين للقبول بالسلام الأميركي؟ وهل لدى البيت الأبيض أي تصور لما يمكن أن يكون العراق بعد رفع العقوبات؟ وهل تبقى القوات الأميركية في الخليج كشريك وضامن للنظام السلمي الاقليمي الذي سيولد في المنطقة من رحم هذه الحرب؟
ولم تكن انتقادات المعارضة في بريطانيا أقل حدة من اعتراضات الجمهوريين في الولايات المتحدة الذين اتهموا كلينتون بافتعال أحداث خارجية لتغطية فضيحته الداخلية، وعزا بعضهم قرار وقف القصف إلى انتهاء مناقشات عزل الرئيس في الكونغرس، وليس إلى دوافع احترام مشاعر المسلمين في هذا الشهر الفضيل، كما ادعى كلينتون. وواضح من التعليقات التي لمح إليها الرئيس الأميركي في بعض خطبه، أنه تخوف من تنامي شهور الغضب في العالم العربي والإسلامي، ومن تزايد الاحتجاجات التي ذكرته بتظاهرات شباط فبراير الماضي. لذلك تحدث عن تمسكه بنهج الصدافة والاحترام للعالم الإسلامي، مؤكداً أنه سيواصل العمل من أجل تحقيق قيم مشتركة ومصالح مشتركة، وللتخفيف من أثر اندلاع النقمة ضد الولايات المتحدة - وبينها التظاهرة أمام مبنى السفارة الأميركية في دمشق - تدخل أيضاً ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي، ليتحدث عن سياسة بلاده المؤيدة للعراقيين بمعنى ان أهدافها متطابقة مع مصالح الغالبية الساحقة من الشعب. وقال أيضاً: "إن الملايين الستة من المسلمين الأميركيين الذين يتزايد عددهم في المساجد والمراكز الإسلامية، يعكسون بممارسات العبادة عدم وجود أي تضارب بين الإسلام وسياسة الولايات المتحدة".
ويتوقع الديبلوماسيون في الأمم المتحدة استئناف العمليات العسكرية ضد العراق في حال عدم السماح للجنة "أونسكوم" بمواصلة عملها كالمعتاد. وبما ان هناك 150 موقعاً بينها المدارس والمستشفيات، تعتبر مشمولة بالمراقبة، فإن احتمال تدميرها يبقى أمراً وارداً إذا رفضت بغداد التعاون مع فرق التفتيش. وترى الدول المعترضة على اسلوب القصف - مثل فرنسا والصين وروسيا - ان صدام حسين لن يتنازل عن الحكم حتى لو تم تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات.
الإدارة الأميركية منقسمة حول الموضوع المتعلق بالشأن العراقي، مثلما هي منقسمة حول الأساليب التي تقود إلى تغيير النظام والقيادة. ذلك ان الفريق الذي أشرف على توجيهه روبرت بلليترو، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط سابقاً، يرى أن سياسة الانفتاح البطيء والمبرمج يمكن ان تشكل على المدى البعيد، الاختراق المطلوب لارغام صدام حسين على منع تكرار عملية الغزو. وفي تصور هذا الفريق ان زعزعة النظام قبل انشاء جبهة سياسية وطنية قادرة على ضبط وحدة البلاد وتوطيد سلامة الأراضي، ربما تقود إلى التفكك والانفصال في شمالي البلاد وجنوبها. وبما ان دول المنطقة تتكون من مجتمعات طائفية وعرقية قابلة لتحريك دعوات الانفصال على نحو مشابه، فإن المخاوف التي عبّر عنها الرئيس جورج بوش في مذكراته، كانت منصبة على منع الانتفاضتين اللتين حدثتا في الشمال والجنوب. ومعنى هذا ان الاستراتيجية الأميركية ليست مهتمة بالحفاظ على وحدة العراق، قدر اهتمامها بمنع حدوث "دومينو" من التغيير الديموغرافي والجغرافي يهدد مصالحها الحيوية في منطقة الخليج.
الفريق الثاني الذي يقوده مارتن إنديك خلف بلليترو في منصب مساعد وزير الخارجية، أكد أمام لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس، بأن المبالغة في الخوف من تقسيم العراق تعرقل جهود الاستقرار الاقليمي لمنطقة الخليج. وقال في دفاعه عن وجهة نظره: "اعتقد بأن الدولة العراقية والشعب العراقي يتصفان بتماسك أقوى بكثير مما يُنسب إليهما. ولقد ظهرت مخاوف كبيرة عقب تحرير الكويت من أن يؤدي التمرد الشيعي في الجنوب إلى قيام كانتون منفصل تحت وصاية إيرانية. إن وحدة العراق أمر مهم تجب المحافظة عليها، ولكن المخاوف من التفكك والتمزق والانفصال مبالغ فيها كثيراً".
مارتن انديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، والذي طلب نتانياهو سحبه بحجة أنه يتآمر مع "حزب العمل" للإطاحة به... هو الآن المشرف الأول على تنفيذ سياسة بلاده تجاه العراق. ولقد اجتمع بممثلي 16 تنظيماً عراقياً في لندن قبل الضربة العسكرية الأميركية - البريطانية الأخيرة.
وتحدث أمامهم عن ضرورة تشجيع قيام معارضة موحدة ذات أهداف مشتركة تتمثل بإقامة عراق تعددي في مرحلة ما بعد صدام حسين. ولكنه نفى ل "الحياة" الأسبوع الماضي أن تؤدي الحملة العسكرية على الفور إلى الاطاحة به، لأن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً. وقال أيضاً إن قدرة صدام على قمع المعارضة الداخلية لا تزال هائلة، لذلك استبعد حدوث تمرد، مؤكداً ان واشنطن لا تضع في حساباتها احتمال انتشار التمرد كنتيجة للعملية العسكرية.
ولقد قادت هذه الاستراتيجية الأميركية الغامضة التي يشرف مارتن انديك على تنفيذها إلى طرح سلسلة افتراضات اختلف المحللون بشأن دوافعها الحقيقية. بعضهم قال إن الرئيس كلينتون استغل توقيت العملية العسكرية لصرف اهتمام الكونغرس عن فضيحته الداخلية، وأنه سيكتفي بهذا القدر من الدمار على اعتبار ان الجمهوريين لم يصدقوا المبررات التي قدمها. والبعض الآخر فسر الضربة بأنها صفعة موجهة إلى روسيا وفرنسا والصين وجميع الدول التي تحاول تزويد العراق بالسلاح، أو اجراء اتفاقات نفطية لمرحلة ما بعد العقوبات.
وهدف الضربة، كما يراها رئيس وزراء روسيا بريماكوف، هي التأكيد بأن نفوذ الولايات المتحدة لم يعد محصوراً بالمنطقة المحيطة بحدودها، بل تعداها ليصل إلى المناطق القريبة من روسيا والصين. لهذا دعا إلى إقامة "مثلث استراتيجي" يضم الهند والصين وروسيا، وذلك بهدف موازنة ثقل النفوذ الأميركي الذي يعتبر ان العراق مثل جاراته هايتي وغراندا وبناما، وأنه يحق له تأديب صدام مثلما أدب نورييغا.
فريق ثالث من المحللين يميل إلى استخراج نتيجة سياسية بعيدة كل البعد عن التوجهات العامة المرتبطة بالقرار 687... أو بمنع العراق من الحصول على أسلحة الدمار الشامل. ويرى هذا الفريق أن الشرط الأخير من الشروط الموضوعة أمام بغداد يمثل التوجه المركزي للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. ويتضمن هذا الشرط النص التالي: "سيكون من المهم أيضاً أن ينضم العراق إلى مجموعة الدول العربية المستعدة للعيش بسلام مع دولة إسرائيل، وأن يكون مستعداً للتفاوض على معاهدة سلام في النهاية".
ويحتمل هذا الشرط عدة تأويلات يتعلق الشق الأول منه بإنهاء حال الاحتراب مع إسرائيل، والقبول بها بمثل ما قبلته دول مؤتمر مدريد. ولقد أجاب صدام حسين على هذا الشق بإعلانه ان الفلسطينيين أحرار في اختيار قدرهم ومستقبلهم، وأنه يوافق على ما يوافقون عليه. أما الشق الثاني المتعلق باستعداد صدام حسين للتفاوض على معاهدة سلام مع إسرائيل، فإنه يفترض الدخول في محادثات لا شأن لدول الدعم بها. ويرمي هذا الشرط إلى استدراج العراق للقبول بالمشروع القديم الذي عرضه بن غوريون على الفرنسيين والبريطانيين يوم التفاوض على ساعة الصفر لحرب السويس عام 1956. وجاء في المشروع ما خلاصته أن العراق يجب أن يلزم باستقبال مليوني لاجئ فلسطيني يصار إلى نقلهم من لبنان وسورية والأردن إلى وسط العراق. وقال بن غوريون - حسبما يروي موشيه دايان في مذكراته الصفحة 268 - لرئيس وزراء فرنسا غي موليه ان العراق قادر على استيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين لا يشعرون بالغربة فوق أرضه، والذين يتم اقصاؤهم عن حدود إسرائيل.
ويرى مؤيدو هذه النظرية داخل الإدارة الأميركية، ان اقحام العراق في آلية العملية السلمية يشجع القوى الفلسطينية الرافضة على الموافقة، ويؤمن الاستقرار على الجبهة الأردنية التي تعتبرها إسرائيل الجسر العسكري الممتد نحو خاصرتها الهشة. وتقول المعلومات إن الرئيس صدام حسين بعث برسائل شفهية إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وإلى مسز ثاتشر قبل ثلاثة أشهر تقريباً من غزو الكويت. ووصف في إحدى رسائله نياته السلمية بأن سلامه سيحمل القيادة الفلسطينية وأغلب الدول العربية على تقليده. ولما حدثت عملية الغزو أدرك الرئيس بوش ومسز ثاتشر أن رسائل التطمين كانت مشروطة بغض النظر عن التهام الكويت، مقابل دخول العراق في العملية السلمية الشاملة. وبما ان النفط يأتي في المقام الأول بالنسبة لمصالح الدول الصناعية، فقد أجبر العراق على الخروج من الكويت بدون ثمن. أما الآن فإن الخيار الوحيد المطروح عبر الضربات العسكرية المتكررة والحصار الوثيق، هو دفع صدام حسين للقبول بمفاوضات السلام، وبالموافقة على الدخول في حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وترى الإدارة الأميركية ان مشكلة اللاجئين هي أعقد مشاكل المرحلة الأخيرة من المفاوضات، وان إسرائيل لا تقبل بتنامي هذه القنبلة البشرية الموقوتة حولها دون ايجاد حل نهائي لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة. وفي هذا الإطار يمكن تفسير العقوبات التي تحاصر العراق، لعلها تدفعه تدريجياً للمساومة على بقاء النظام مقابل الدخول في سلام منطقة الشرق الأوسط... لا في سلام الخليج فقط...
* كاتب وصحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.