لا يصعب على المراقب الخارجي ملاحظة حال غير اعتيادية في ممارسات الشباب السوري اليومية ترافقت مع بدء الحرب على العراق إن لم نقل قبل بدئها بأيام عدة. فحديث الحرب في كل مكان. في البيت والميكروباص، عبر الهاتف والخلوي وشبكة الانترنت، وما يتحدث به الشباب في الشارع مختلف عما يبديه في وسائل التكنولوجيا. ما ان أعلنت قوات التحالف الدولية بدء حربها على العراق حتى ازداد إقبال الشباب السوري على تبادل رسائل الخلوي للتعبير عن آرائهم حيال الازمة العراقية الخانقة. معظم الرسائل التي تبادلها الشباب السوري في اليومين الاولين للحرب كانت واردة إليهم من أصدقاء وأقارب في الكويت والسعودية والامارات، وكانت تراوح جميعها بين التنكيت والتحذير ومجموعة من تعليمات الدفاع المدني الكويتي للمواطنين بغية توخي الحذر تجاه الاسلحة الكيماوية. وكان طاغياً في تلك الرسائل حس النكتة وبث التفاؤل بإطاحة سريعة لصدام حتى أن إحدى الرسائل الواردة بالانكليزية كانت تدعو الى "قضاء ثلاثة أيام في فندق الرشيد في بغداد للتمتع بأجمل عرض ناري"! وحملت رسالة أخرى صورة للرئيس بوش وهو يضرب صدام على قفاه قائلاً: "ما كو مصروف اليوم". وأخرى يسأل فيها جندي صدام قائلاً: "إذا هزمنا الاميركان هل تعطي كل جندي عراقي شقراء أميركية؟ فيجيب صدام: إذا هزمتوا الاميركان خذوني أنا". وبعد مرور اليوم الاول والملاحقة المرهقة لكل ما تعرضه الشاشات الفضائية حول مجريات الحرب والقصف والدمار والاستسلام، ارتفعت درجة حرارة الرسائل القصيرة وصارت محمومة بالثأر واليأس والحزن والدعوة الى الجهاد والاستشهاد في سبيل العراق والصلاة من أجل الخلاص. وتداول الشباب مجموعة من الرسائل ذات الطابع الديني، تحث جميعها على قراءة سور محددة من القرآن الكريم للامداد بالصبر والاناة ولتأجيج الرغبة في الصدور لمواجهة الأميركيين، مع دعوة بعضها الى ارتياد الجوامع بغية اقامة الصلوات، بينما دعا بعضها الآخر المؤمنين الى الجهاد والتطوع كدروع بشرية. جاء في إحدى الرسائل التي كتبت كلماتها العربية باللغة الانكليزية "أخي المؤمن كن درعاً بشرياً يرد الرصاص عن صدور أطفال العراق". وكثيراً ما تكتب الرسالة بالانكليزية لأنها تتسع ل160 حرفاً بينما تستوعب الرسالة العربية 70 حرفاً. ومن لبنان وردت رسالة تحمل صورة السيد محمد حسين فضل الله كرمز وطني وديني، مرفقة بعبارة "الجهاد طريق للانتصار". وانتشرت رسائل أخرى تدعو الى الحداد ولبس الأسود على الشهداء العراقيين وضحايا الاعتداء. ولوحظ في الفترة الاخيرة إقبال الشباب على تزيين شاشات هواتفهم الخليوية بصورة الرئيس بشار الاسد، وخصوصاً بعد خطابه أمام مجلس الشعب السوري في العاشر من آذار مارس الماضي، الذي عبر فيه عن تضامن الشعب السوري مع شعب العراق، ما عكس المشاعر التي تختلج في صدور الشباب السوري في شكل خاص. وعلى رغم أن محدودية انتشار الهاتف الخلوي في سورية عدد مستخدميه لا يتجاوز ستمئة ألف، ولكن رسائله وشعاراته كانت وسيلة اتصال وتواصل تتجاوز حدودها مستخدم الهاتف. ويشير أحد الشباب الى أن الكثير من التظاهرات والاعتصامات الشبابية الصغيرة تنظم من طريق الهاتف الخلوي الذي من خلاله يتفق الشباب على مكان وموعد ومجريات التظاهرة. وتعكس الرسائل المتبادلة عبر الخلوي أحياناً إدراكاً معمقاً لمجريات الامور. ويشار في هذا السياق الى رسائل تسمي صدام "دونكيشوت العرب"، للدلالة على الشبه ما بين صورة دونكيشوت الذي كان يصارع طواحين الهواء وصورة صدام في الحرب ضد الأميركيين. ويشار ايضاً الى رسالة تلقتها إحدى الفتيات السوريات من لبنان وفيها صورة المفكر أنطون سعادة مذيلة بعبارة "العراف"، وفي إشارة إلى ما تنبأ به هذا المفكر في مذكراته عام 1924 من أحداث تجرى اليوم. ازدحام على الشبكة والى جانب الخلوي، حازت الازمة العراقية ومنذ شهور، على اهتمام القيمين على مواقع الانترنت. وعقد حولها الكثير من حلقات الحوار واستطلاعات الرأي. ومع بدء الحرب راحت شبكة الانترنت في سورية تشهد ازدحاماً كبيراً وتضاعف عدد مرتاديها والراغبين في تلقف المزيد من الاخبار من المواقع الاخبارية مثل BBC العربية وCNN العربية وبعض الوكالات والجرائد العربية الصادرة في الخارج مثل "الحياة" وغيرها. وكثيراً ما يتحدث الشباب عما يتلقاه بريدهم الالكتروني من رسائل فيها رسوم كارياتورية لبوش وصدام ونداءات متتالية للتضامن مع الشعب العراقي. وتبودلت عبر البريد الالكتروني أيضاً نصوص النشرات التي قامت الطائرات الاميركية بإسقاطها على بغداد وما حملته من نداءات للشعب العراقي بالتعاون مع قوات التحالف وتهديدات بالقتل لكل من يقاومها. كما تبودلت مجموعة من الفتاوى الدينية والاقوال المأثورة التي تحث على التضامن العربي والصمود. وعلى أحد المواقع الالكترونية الشبابية السورية استطلاع دائم لآراء الشباب حول "من يغيظهم أكثر بين كوندليزا رايس، ديك تشيني"، جورج بوش وتوني بلير". وفي الموقع عينه احتد النقاش في غرف الدردشة، وخصوصاً في اليوم التالي لبدء المعارك. ومع أن إقبال الشباب على الدردشة الالكترونية في سورية لا يزال محدوداً، لغلاء الرسوم وضعف أداء الشبكة في بعض الاحيان، إلا أن الكثير من الشباب استخدم الدردشة للاطمئنان عن أحوال اصدقاء له في العراق تعرف إليهم عبر الشبكة. أما أصحاب محلات الانترنت فيتحدثون عن تضاعف إقبال الشباب من الذين تراوح أعمارهم بين 10 و18 سنة على الالعاب الالكترونية الحربية، وعن امتداد ساعات اللعب حتى ساعات الصباح الاولى.