تتجه ألمانياوفرنساوروسيا الى التشديد على دور الأممالمتحدة في مرحلة ما بعد الحرب، وفيما لوحظ تغير جذري في الموقفين الروسي والفرنسي، من خلال اعلان البلدين ان "هزيمة الولاياتالمتحدة ليست من مصلحتهما"، ومن خلال بحثهما عن مخرج لمرحلة ما بعد الحرب باعطاء الأممالمتحدة دوراً رئيسياً في إعادة إعمار العراق "سياسياً وإدارياً"، لوحظ أيضاً ان التغير في الموقف الألماني كان حذراً، فعلى رغم دعوة برلين الى دور أساسي للمنظمة الدولية إلا أنها شددت على حق "الشعب العراقي وحده بتقرير مستقبله السياسي، وعلى أن تبقى ثرواته الطبيعية ملكاً له وتحت رقابته". والتقى وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دوفيلبان أمس نظيريه الروسي ايغور ايفانوف والألماني يوشكا فيشر على غداء عمل في باريس لتنسيق مواقف الدول الثلاث. أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضجة واسعة باعلانه ان "هزيمة أميركا ليست في مصلحة" بلاده، وتحدث محللون عن "تغير جذري" في الموقف الروسي إلا أن ديبلوماسياً روسياً قال ل"الحياة" ان موسكو "تريد اخراج واشنطن من ورطة" بنقل الملف العراقي الى الأممالمتحدة، فيما أعلن مسلمو روسيا "الجهاد" على الولاياتالمتحدة واطلقوا حملة لجمع تبرعات لشراء أسلحة. وأدلى بوتين بتصريحه الذي أثار تساؤلات داخل روسيا وخارجها الى عدد من الصحافيين المحليين في مدينة تامبوف وسط روسيا، إلا أن خبيراً في شؤون الكرملين أكد ان ما ورد على لسان الرئيس "لم يكن ارتجالاً". وقال بوتين ان احداث الأيام الأخيرة، خصوصاً مصرع أعداد كبيرة من البشر أكدت صحة الموقف الروسي الداعي الى تسوية سلمية. وأضاف ان مثل هذا الحل "سيكون الأفضل" لكل اطراف النزاع. وأضاف ان روسيا "لاعتبارات سياسية واقتصادية ليس لها مصلحة في هزيمة الولاياتالمتحدة"، وتابع ان موسكو مهتمة بنقل الملف الى الأممالمتحدة ووعد بأن تبذل وزارة الخارجية جهوداً لهذا الغرض. وكانت التحليلات الأولية لهذا التصريح أشارت الى تزامنه مع مواقف فرنسية وألمانية راغبة في تنحي النظام الحاكم في بغداد، مما يعني أن روسيا سلمت بأن المقاومة العراقية لن تستمر طويلاً ولذا يجب اصلاح العلاقات مع الولاياتالمتحدة والاتفاق على مرحلة ما بعد الحرب وأهمية تولي الأممالمتحدة الاشراف على ادارة العراق، لكي يكون هناك دور لكل الدول الكبرى. إلا أن ديبلوماسياً روسياً مخضرماً قال ل"الحياة" ان حديث بوتين تجسيد لنزعته البراغماتية، فهو يرى ان زمن "الاستنكار والتنديد" بالحرب ولّى والمهم الآن "عدم مناطحة أميركا" من جهة، ومن جهة أخرى اقناعها بوقف النار. وزاد ان بوتين "مد يده لاخراج بوش من الورطة اذا شاء". وتابع ان "اهانة اميركا ليست حتى في مصلحة العراق نفسه". معتبراً ان أي حل يحفظ ماء الوجه من مصلحة الطرفين وسيكون الأمثل خصوصاً إذا تم في اطار الأممالمتحدة. ولوحظ ان السفير العراقي في موسكو عباس خلف اعتبر ان تصريح بوتين لا يدل على "أي تغير" في موقف موسكو. وقال ان "روسيا شأن العراق تدعو الى تسوية سياسية". الى ذلك، أعلن المفتي طلعت تاج الدين رئيس الادارة الدينية المركزية لمسلمي روسيا عن اصدار "فتوى الجهاد" ضد الولاياتالمتحدة. وللمرة الثانية يصدر مثل هذه الفتوى خلال القرنين العشرين والواحد والعشرين، وكانت المرة الأولى عام 1941 عندما غزت المانيا الهتلرية أراضي الاتحاد السوفياتي. ولم يوضح تاج الدين الكيفية التي سيتم بها الجهاد لكنه قال ان لدى مسلمي روسيا أدوات فعالة للتأثير في الولاياتالمتحدة، ومنها جمع اموال لشراء أسلحة لمحاربة أميركا ولشراء أغذية للشعب العراقي. وأضاف ان "النتائج ستظهر خلال ثلاثة أيام". وفي ستراسبورغ كشف ديميتري روغوزين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما النواب الروسي ان برلمانيي دول تشارك في الحرب عرضوا "صفقة" على روسيا لتخفيف موقفها المعارض للحرب مقابل وعد بتليين الموقف الأوروبي من روسيا في الموضوع الشيشاني. وشدد على أن الوفد الروسي رفض العرض لأنه "لا يقبل لعبة الابتزاز". وأنهت القوات المسلحة الروسية مناورات في منطقة القوقاز حيث تقع الجمهورية الشيشانية. وقال رئيس هيئة الأركان أناتولي كفاشنين انه جرى تدريب على مواجهة احتمال قيام "تشكيلات غير شرعية تحت شعارات تحررية وتهيئ لغزو من الخارج "يعقبه" سلخ اجزاء من روسيا. وللمرة الأولى تعلن روسيا صراحة انها لا تستبعد مثل هذا الخطر، ويرى محللون ان الحرب على العراق دفعت القيادات العسكرية والسياسية الى وضع سيناريوهات لمواجهة مختلف الاحتمالات. شرودر يأمل بانتهاء الحرب سريعاً حدد المستشار الألماني غيرهارد شرودر أربع نقاط رئيسية لمرحلة ما بعد الحرب في العراق. وقال في خطاب القاه باسم حكومته امام البرلمان الاتحادي أمس ان برلين "تشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة العراق واستقلاله وسيادته الكاملة على أراضيه". وأضاف ان على شعب العراق "ان يقرر وحده مستقبله السياسي، وأن يحافظ على حقوق الأقليات". وطالب ايضاً ب"ان تبقى منابع النفط وغيرها من الثروات الطبيعية ملكاً لشعب العراق وتحت رقابته"، داعياً "الى اطلاق عملية استقرار سياسية في الشرق الأدنى والأوسط تفتح لكل شعوب المنطقة أفقاً للعيش في سلام وازدهار". ودعا الأممالمتحدة "لكي تلعب الدور الأساسي في العراق" بعد انتهاء الحرب". لكن المراقبين لاحظوا تغيراً حذراً في الخطاب السياسي الألماني على لسان شرودر ووزير خارجيته يوشكا فيشر إزاء النظام العراقي وشرعيته. وبعدما ذكّر شرودر بأن حكومته اعتبرت الحرب ولا تزال خاطئة، وانها لن تشارك فيها، قال: "نأمل في أن تنتهي بأسرع وقت ممكن لحصر عدد الضحايا وأن يتم التغلب على الديكتاتورية في العراق". وأكد ان حكومته "تتحمل التزاماتها تجاه الولاياتالمتحدة وبريطانيا وتركيا شرط أن تحترم أنقرة كلمتها وتمتنع عن ارسال قوات جديدة الى شمال العراق، والا فإن المانيا ستسحب جنودها من طائرات الانذار المبكر". ورأى ان أحد الدروس التي يجب استخلاصها من الحرب والخلاف الأوروبي حولها "هو العمل على تقوية أوروبا كلاعب دولي شرط أن تتحدث بصوت واحد". وتحدث في هذا الصدد عن الاقتراح الفرنسي - الألماني بتعيين وزير خارجية للاتحاد الأوروبي وتقوية امكانات الاتحاد العسكرية. وزاد ان على الحلف الأطلسي "ان يصبح من جديد مكاناً للتشاور المتبادل والتحاليل المشتركة والعمل الوقائي الايجابي". وردت رئيسة الحزب الديموقراطي المسيحي والكتلة النيابية للاتحاد المسيحي في البرلمان آنغيلا مركل على كلام شرودر فدعت الى "دعم نهج واشنطن" رافضة الوقوف موقفاً حيادياً بين الولاياتالمتحدة ونظام الرئيس العراقي صدام حسين. واعتبرت فشل السياسة والديبلوماسية "هزيمة لأننا لم نتمكن من نزع اسلحة ديكتاتور عن طريق الأممالمتحدة كما نريد، ولأننا نعرف أن هذا الديكتاتور يتحمل مسؤولية وقوع مئات الآلاف من الضحايا". وأضافت ان وقوف شرودر الواضح ضد الحرب عقّد الوصول الى حل للأزمة سلمياً. أما رئيسة الكتلة النيابية لحزب الخضر كريستا زاغر فاتهمت مركل بتأييد الحرب منذ البداية. وأعربت عن قلقها الشديد من التهديدات الأميركية الموجهة الى سورية وايران قائلة انها تدل على أن الأمر لا يتعلق بإعادة الديموقراطية الى العراق ولا بنزع اسلحته المحظورة. وكان وزير خارجية المانيا يوشكا فيشر استقبل مساء الثلثاء في برلين نظيره البريطاني جاك سترو، وبحث معه الحرب والمرحلة التي ستليها. واثر الاجتماع لمح الوزيران الى وجود تقارب في وجهات النظر. لكن اللافت في الأمر قول فيشر: "نأمل بأن يسقط النظام في العراق بأسرع وقت ممكن وأن لا يقع المزيد من الضحايا بين المدنيين والجنود". فرنسا: الهدف بناء العراق سياسياً استقبل وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان أمس نظيره الألماني يوشكا فيشر والروسي ايغور ايفانوف على غداء عمل ل"تقويم الأزمة العراقية"، حسبما أعلن الناطق المساعد باسم الوزارة برنار فاليرو. ويندرج هذا اللقاء في سلسلة لقاءات واتصالات يجريها دوفيلبان مع نظرائه، ومنهم وزير الخارجية الأميركي كولن باول، وتتناول الوضع في العراق في مرحلة ما بعد الحرب. وقال مصدر فرنسي مطلع: "نحاول حالياً استطلاع الآراء المختلفة حول الأسئلة التالية: أي مستقبل للعراق بعد الحرب وأي نظام وأي إدارة؟ والاجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أن تأتي عبر وصاية أميركية - بريطانية، علماً بأن البريطانيين غير راغبين بذلك". وأوضح أن المقصود بالكلام عن مرحلة ما بعد الحرب وإعادة إعمار العراق، ليس إعادة الإعمار الاقتصادي بل السياسي، ودافع فرنسا ليس محاولة انقاذ هذا العقد أو ذاك أو الحصول على عقود جديدة، بل تأمين الأجواء الملائمة لتزويد العراق ببنية إدارية وسياسية. وأشار إلى أن هذه الأمور تبحث ضمن أجواء من الهدوء وبعيداً عن أي تهافت، فهناك الآن عمليات عسكرية على الأرض، وعند انتهائها ينبغي النظر إلى الوضع وايجاد أفضل السبل الممكنة لنقل الأمور إلى الأممالمتحدة، التي من غير الوارد تحويلها إلى إدارة ملحقة بالولاياتالمتحدة، فهذه المنظمة تمثل المجتمع الدولي ولا يمكن أن توضع في مثل هذا الموقع. وذكر المصدر أن هناك نقاشاً مكثفاً حول هذا الموضوع مع الألمان والروس ومع البريطانيين منذ الاتصال الذي أجراه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع الرئيس جاك شيراك، واتفقا خلاله على العمل معاً، "لإعطاء الأممالمتحدة دوراً مركزياً في عراق ما بعد الحرب". وتابع انه في حال إصرار الولاياتالمتحدة وغيرها على تولي إدارة شوؤن العراق "فلتفعل، وعندها فإن الأممالمتحدة ستحدد موقفها من هذا الأمر، وليس عليها الجري وراء الأميركيين للوقوف إلى جانبهم". واعتبر أن أوروبا لن تجد صعوبة في الالتفاف حول موقف كهذا، لأن معارضة الموقف الأميركي في مثل هذه الحال أقل صعوبة من معارضته عندما يكون الأمر على صلة بالحرب. وعما إذا كان الكلام الذي سمع من رئيس الحكومة الفرنسي جان بيار رافاران الذي تمنى انتصار القوات الأميركية على ديكتاتورية الرئيس صدام حسين، هدفه التمهيد لتسوية الخلاف مع الولاياتالمتحدة، قال المصدر: "ربما"، لكنه أضاف ان "فرنسا تدرك ان هذا النوع من التصريحات غير كافٍ". وتابع ان فرنساوالولاياتالمتحدة تواجهان اليوم، في إطار علاقتهما، صعوبة أن تقتصر على الحرب أو ما بعدها، وإنما تتناول نظرة كل منهما إلى العالم وكيفية إدارة شؤونه. وأضاف إلى أنه بات هناك لدى الجانب الأميركي شعور غير عقلاني بأن فرنسا أصبحت عدواً. وقال المصدر إن كلام رافاران استهدف توضيح الالتباس الذي برز على الصعيد الفرنسي الداخلي، وسعى إلى الرد على الذين يقولون إن الحكومة الفرنسية تمادت في معارضتها الولاياتالمتحدة، وفي الوقت نفسه الرد على الذين يتمنون انتصار الرئيس صدام حسين في الحرب، وأظهر استطلاع للرأي أجرته القناة الأولى في التلفزيون الفرنسي، انهم يشكلون ثُلث الرأي العام الفرنسي. وأكد أنه لا بد أن يقال إن رفض فرنسا الحرب على العراق لا يعبر عن أي تأييد للنظام العراقي، بل عن قناعته بإمكان نزع سلاح هذا النظام بأسلوب آخر غير اسلوب الحرب. وأضاف انه عند بدء العمليات العسكرية، أبدت فرنسا أسفها، لكنها تمنت انتهاءها بأقصى سرعة ممكنة، أي بكلام آخر، أن تؤدي سريعاً إلى انتصار الولاياتالمتحدة التي ما زالت حليفة من دون أن يؤدي ذلك إلى أي تعديل في جوهر الموقف الفرنسي القائل إن الحرب أسوأ الحلول، نظراً إلى النتائج السلبية المترتبة عليه ا.