بعد 24 ساعة على انهيار النظام العراقي أعلنت الرئاسة الفرنسية "ارتياح فرنسا مثل كل الديموقراطيات إلى سقوط نظام صدام حسين"، معربة عن الأمل ب"انتهاء سريع ونهائي للقتال". وجاء في بيان للرئاسة ان "الحاجة الملحة الآن هي اتاحة وصول المساعدات الإنسانية للعراق". وتستعد فرنسا، التي عارضت الحرب، لتحرك ديبلوماسي عاجل مع توجه الرئيس جاك شيراك اليوم إلى سانت بطرسبرغ للمشاركة في قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني غيرهارد شرودر، من أجل تنسيق المواقف في ما ينبغي القيام به بعد ما حصل في بغداد. في الوقت ذاته، يبدأ وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان اليوم جولة عربية محطتها الأولى شرم الشيخ ثم القاهرة حيث يلتقي نظيره الوزير أحمد ماهر والرئيس حسني مبارك، ثم يتوجه السبت إلى سورية ولبنان، ويزور الرياض الأحد. وتسعى فرنسا والمانيا وروسيا إلى أن تسمع واشنطن صوتها، وتشدد على أهمية قيام الأممالمتحدة بدور أساسي في المرحلة الانتقالية، ما بعد الحرب في العراق. وتبدي الأوساط الفرنسية المسؤولة اقتناعاً بأن بقاء الولاياتالمتحدة في العراق ستكون كلفته مرتفعة على المدى المتوسط، على الصعيد الإنساني والمادي، لذلك ينبغي تسليم إدارة الأمور إلى الأممالمتحدة. وتحرص جبهة رفض الحرب المتمثلة بفرنسا وروسيا والمانيا، على تنسيق مواقفها وتوحيدها، لأن وحدة صفها يمكنها أن تنجح أكثر في الاقناع. وقالت مصادر فرنسية مأذون لها ل"الحياة" إن انتظار فرنسا مرور 24 ساعة قبل إعلان أي رد فعل ازاء أحداث بغداد، سببه أنها خارج القوات المحاربة. وتابعت أن فرنسا لم تغيّر رأيها وفحواه أن "الاحتلال سيؤدي إلى نتائج سلبية" في العراق. ورأت الأوساط ذاتها أن سقوط نظام صدام ايجابي، لافتة إلى أن شيراك كان انتقد بشدة نظام صدام في مقابلة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، لكن هذا لا يعني ان الاحتلال الأميركي للعراق سيكون من دون نتائج خطيرة. وزادت أن فرنسا تحرص الآن على التقارب مع بريطانيا التي تعتبر أنه ينبغي للأمم المتحدة أن تلعب دوراً أساسياً بعد الحرب. وكان شيراك اتصل أول من أمس برئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ويتوقع أن يتصل به مجدداً بعد قمة سانت بطرسبرغ. وعن جولة دوفيلبان العربية، قالت الأوساط إن فرنسا مقتنعة بضرورة حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في شكل عادل ودائم، كي يسود السلام المنطقة، مشيرة إلى أن الوزير سيناقش هذه القضية خلال جولته. إلى ذلك، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي جان بيار رافاران أن بلاده سستلتزم العمل" لتمكين الشعب العراقي من "تسلم مؤسساته بنفسه" في أسرع وقت. وقال أمام مجلس الشيوخ الفرنسي: "نلتزم العمل لتمكين العراق من أن ينعم في أسرع وقت ممكن بالاستقرار، وان تكون له مؤسسات يديرها بنفسه لضمان مستقبله، وعلى الأممالمتحدة أن تضع الاستراتيجيات التي تضمن له هذا المستقبل". وقال دوفيلبان إن سقوط نظام صدام حسين "يطوي صفحة مظلمة" من تاريخ العراق. جاء ذلك في تصريح أدلى به على هامش اجتماع وزراء مجموعة "5"5" الذي عقد في سانت ماكسيم جنوبفرنسا، بعد الصمت الذي لزمته الديبلوماسية الفرنسية إزاء مستجدات الحرب في العراق واختفاء صدام والقيادة العراقية. وتابع دوفيلبان: "نحن الآن أمام صفحة حاسمة من التاريخ، ونأمل ببروز أمل جديد للشعب العراقي مع نهاية الديكتاتورية" ليتسنى له العيش ضمن أجواء من الحرية والتطور. ورأى ان "الأولوية الآن، وفي ضوء الآلام التي لا يزال يواجهها العراقيون عبر الحرب، تقضي بتلبية الحاجات الانسانية الملحة"، متمنياً "انتهاء المعارك بأسرع وقت ممكن" كي يتمكن العراق "بدعم المجتمع الدولي بأكمله من العمل لإعادة الإعمار، في ظل احترام وحدة البلد وسيادته". وزاد: "معاً ينبغي الآن ان نبني السلام في العراق، وهذا يتطلب دوراً مركزياً للأمم المتحدة". وأشار الى ضرورة الاهتمام بمخاوف الشعوب العربية و"مشاعر الاحباط والاهانة والظلم التي تراودها"، داعياً الى "بناء السلام في كل المنطقة، والعمل بعزم لتسوية النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني". وفي وقت لاحق عقد دوفيلبان مؤتمراً صحافياً عرض خلاله نتائج اجتماعاته مع نظرائه في اطار مجموعة "5"5" المكونة من اسبانيا والبرتغال وايطاليا ومالطا وفرنسا وتونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا. وقال إن وزراء المجموعة أكدوا تمسكهم بالقرار 1472 الذي يقضي باستئناف العمل ببرنامج "النفط للغذاء"، وبدور مركزي للأمم المتحدة في اعادة اعمار العراق سياسياً واقتصادياً، مشيراً الى أن المسؤولية الفورية في هذا المجال تقع على عاتق القوات الاميركية والبريطانية، بانتظار استتباب الوضع الأمني. وذكر ان المجتمعين أكدوا ضرورة العمل لتسوية ازمة الشرق الأوسط، لأن "الشعور بالظلم يغذي الارهاب ويشجع تصادم الحضارات"، وتعهدوا تشجيع الحوار بين أوروبا والعالم الاسلامي. ولفت الى توافق بين اعضاء المجموعة على ضرورة اعلان "خريطة الطريق" بأسرع وقت، والعمل لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط. وكان دوفيلبان أكد لدى افتتاحه المؤتمر الوزاري لمجموعة "5"5" أول من أمس ان فرنسا ملتزمة الحرب على الارهاب ومكافحة أسلحة الدمار الشامل "لكنها لن تستسلم لقسمة للعالم تجعل حوض البحر المتوسط خط مواجهة" بين حضارتين. وأكد عزم بلاده على تعزيز التعاون بين أوروبا والعالم العربي "كي تؤدي الأحداث الحالية الى نتائج ايجابية في خدمة مستقبل المنطقة".