توقع البنك الدولي ان تشهد السنة الجارية بداية انفراج مأمول في فرص التمويل المتاحة للدول النامية في أسواق رأس المال الدولية. لكن توقعاته التي أصدرها في تقرير رئيسي عن التحديات التي تواجهها عمليات تمويل المشاريع الانمائية، لم تأخذ في الحسبان احتمال ان تتحول الحرب الراهنة على العراق الى صراع طويل الأمد يزيد الأوضاع المالية للدول النامية تعقيداً ويهدد فرص نمو اقتصاداتها في المستقبل المنظور. أكد فريق من الاقتصاديين شارك في إعداد تقرير "تمويل التنمية لسنة 2003" ان الدول النامية تواجه تحديات "خطيرة" في تمويل مشاريعها، مشيراً إلى ان ما يُعرف بتدفقات التمويل الخاص، أي القروض المصرفية وحصيلة السندات التي تصدرها الدول النامية في أسواق رأس المال الدولية، انهارت من متوسط سنوي مقداره 135 بليون دولار في عامي 1995 و1996 الى الصفر قبل نهاية العقد، قبل ان تتحول الى تدفقات سالبة في 2001. ولم يسجل التقرير، الذي أصدره البنك الدولي أمس، حدوث تحسن يذكر العام الماضي، بل ذكر ان صافي ما دفعته الدول النامية لخدمة ديونها الخاصة من القروض المصرفية والتزامات السندات في العام المذكور، فاق إجمالي ما حصلت عليه من القروض الجديدة بنحو 9 بلايين دولار. وكانت هذه الدول دفعت ما قيمته 25 بليون دولار لخدمة ديونها الخاصة في 2001. وأكد كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، نيكولاس شتيرن، في توطئة، ان أزمة التمويل الخاص أعاقت مسار التنمية الاقتصادية في الدول النامية وساهمت، الى جانب الاختلالات الناجمة عن التمدد الاقتصادي غير المسبوق في عقد التسعينات واتساع نطاق مشاكل المديونية في الدول النامية والصناعية على حد سواء، في إضعاف أداء الاقتصاد العالمي الذي لا يزال يتعثر في محاولاته للتعافي من ركود عام 2001. وتوقع محررو التقرير ان تشهد السنة الجارية بعض الانفراج في أزمة التمويل بما يسمح للدول النامية بتلقي تدفقات ايجابية للمرة الأولى منذ أواخر عام 2000، وان شددوا على ان توقعاتهم افترضت حدوث تطورين أساسيين يتمثلان في ما وصفوه "حلاً سريعاً للوضع في العراق" وانخفاضاً مهماً في أسعار النفط في شكل تدريجي على مدى الأشهر المتبقية من السنة. لكن حتى بمعزل عن احتمالات الحرب، فان فريق المحررين حذّر من الافراط في التفاؤل، مشيراً الى ان الانفراج المتوقع سيكون، في حال حدث فعلاً، محدوداً، وان تدفقات التمويل الخاص لن تستعيد عافيتها، ناهيك عن مستوياتها التاريخية، سريعاً. وعزا السبب الى ان المصارف وجمهور المستثمرين من حملة السندات فقدوا حماسهم تجاه متطلبات التمويل للدول النامية. وقال كبير المحررين فيليب شوتيل ان "الاقراض الخاص انكمش ولن يعود بسرعة". إلا ان شوتيل حاول التقليل من أثر انهيار فرص الوصول الى أسواق رأس المال الدولية، مؤكداً ان الدول النامية التي عانى عدد كبير منها بسبب الاعتماد الزائد على الاقتراض من الخارج، تملك الفرصة في إقامة مناخ استثماري أكثر استقراراً، وذلك بالتركيز على جذب الاستثمارات المباشرة وتهيئة الظروف المناسبة لتمكين عمالها المهاجرين من استغلال تحويلاتهم في مشاريع استثمارية في بلدانهم. وشدّد على أهمية الدور الذي تلعبه الاستثمارات المباشرة وتحويلات العمال في الاقتصادات النامية، مشيراً الى ان الانخفاض الحاد الذي سجّلته تدفقات الاستثمارات المباشرة في الأعوام القليلة الماضية، لم يحل دون رفع الدول النامية فائضها التجاري من 28 بليون دولار عام 2001 الى 48 بليون دولار في عام 2002، علاوة على ارتفاع قيمة تحويلات عمالها الى 80 بليون دولار بالمقارنة مع 60 بليون دولار في 1998، مما ساهم في تمكين هذه الدول من الاحتفاظ بمركزها كمصدر صاف لرأس المال. وانخفضت تدفقات الاستثمارات المباشرة الدولية من 179 بليون دولار في سنة الذروة 1999 الى 143 بليون دولار العام الماضي. إلا ان غالبية الدول النامية، وفي مقدمها الصين، احتفظت بالجزء الأعظم من حصتها التقليدية، بينما لاحظ شتيرن ان تحويلات عمال الدول النامية ضاهت في قيمتها المساعدات الانمائية الرسمية طوال الجزء الأعظم من التسعينات. وتوقع ان تسجل قفزات جديدة في المستقبل من جراء القيود التي تم فرضها أخيرا على عمليات تحويل الأموال غير النظامية في إطار مكافحة الارهاب. وأصدر البنك الدولي تقديرات عن آفاق النمو في الدول النامية، مؤكداً أن أداء اقتصاداتها في الأشهر المقبلة يعتمد بشدة على آفاق النمو في الدول الصناعية، التي ترتبط بدورها بالمخاطر الجيوسياسية، وأهمها التطورات المحتملة في الحرب على العراق. ووفقاً لسيناريو يفترض ان الحرب ستكون قصيرة الأمد وان أسعار النفط ستنخفض في شكل كبير، يتوقع البنك تسارع نمو الاقتصادات الصناعية من 1.4 في المئة عام 2002 الى 1.9 في المئة السنة الجارية، ثم الى 2.9 في المئة سنة 2004 و 2.6 في المئة سنة 2005. وبالنسبة للدول النامية، تشير التوقعات الى احتمال تسارع النمو من 2.8 في المئة في 2002 الى 3.1 في المئة السنة الجارية، ثم الى 4 في المئة سنة 2004 و4.7 في المئة سنة 2005. وتظهر التوقعات أيضاً احتمال حدوث مفاجآت في حصص المناطق النامية من النمو. اذ ستحتفظ الصين ومعها منطقة شرق آسيا بنصيب الأسد، تليها منطقة جنوب آسيا، في حين ان الاقتصادات العربية، التي انخفضت نسبة نموها من 3.2 في المئة عام 2001 الى 2.6 في المئة في عام 2002، مقبلة على انتعاش ملحوظ، حيث يتوقع ان تحقق نمواً بنسبة 3.7 في المئة السنة الجارية و3.9 في المئة سنة 2004. وستجاريها في هذا الأداء مناطق الاتحاد السوفياتي سابقاً.