قدم روبن كوك، قائد الغالبية العمالية في مجلس العموم، استقالته من الحكومة عشية انطلاق القوات الأميركية والبريطانية للهجوم على العراق. وكانت تلك الاستقالة الأولى على أساس مبدئي منذ قدوم حزب العمال الى السلطة في 1997، وقد قدمها في خطاب بليغ نال به احترام الأطراف. والآن، بعد سقوط صدام حسين لكن مع عدم عودة القانون والنظام الى العراق بعد، ما هو مستقبل روبن كوك، وهل سيصبح زعبم ذلك العدد المتزايد من العماليين المعارضين لرئيس الوزراء توني بلير؟ اكتسب روبن كوك، نائب منطقة ليفنغستون الاسكتلندية في مجلس العموم، سمعته عندما كان في المعارضة عن طريق هجومه القاسي على حكومة المحافظين في قضية بيع السلاح البريطاني الى العراق. وكان تعيينه وزيراً للخارجية عند قدوم العمال الى السلطة موضع استغراب. ذلك انه أصلاً من الجناح اليساري للحزب، وكان وثيق الصلة بحملة نزع السلاح النووي. وأوضح قبل قبوله حقيبة الخارجية رغبته في تسلم حقيبة اقتصادية، ولم يبد أي ميل للمراسم والمظاهر المحيطة تقليدياً بالعمل الديبلوماسي. ولا بد أن العالم العربي يتذكر له عندما كان وزيراً للخارجية زيارته الاحتجاجية الشجاعة الى مستوطنة غير شرعية قرب القدس في 1998، التي دفعت رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو الى الغاء حفلة العشاء الذي كان سيقيمها على شرفه. كما يعود له الكثير من الفضل في تحسين علاقات بريطانيا مع ايران وليبيا. وكان قد أعلن عند تسلمه المنصب عن "السياسة الخارجية الأخلاقية" التي ستتخذها حكومة العمال - وهو ما قاد، كما كان متوقعاً، الى عدد من المشاكل. وفي التغيير الوزاري اثر انتخابات 2001 أعطى توني بلير وزارة الخارجية لجاك سترو، فيما خفض مكانة كوك في الحكومة بتعيينه في منصبه الذي استقال منه. وتوقع البعض استقالة روبن كوك بعدما أحبط بلير أمله في اقرار قانون يحوّل مجلس اللوردات الى مجلس منتخب وهي الخطوة التي طال انتظارها. كما كان قد حذر بلير في شكل شخصي بأنه سيستقيل اذا لم يصدر مجلس الأمن قراراً يخول الولاياتالمتحدةوبريطانيا شن الحرب على العراق. وشدد على هذه النقطة في كتاب الاستقالة عندما قال: "الأهمية الواضحة التي أعطيناها لاستصدار قرار ثان من مجلس الأمن تزيد من صعوبة المضي في هذا الاتجاه من دون ذلك القرار. ومع الافتقار الى أتفاق من أي محفل دولي آخر... اعتقد ان من المضر بمصالح بريطانيا خلق هذه السابقة لعمل عسكري أحادي". وكان الانطباع الذي اعطاه عند الاستقاله انه رجل دولة ينهي وجوده في الحكومة لسبب مبدئي بالغ الأهمية ، معبرا عن ذلك بهدوء وبنبرة أقرب الى الأسف منها الى الغضب. وتأكد ذلك أكثر عندما شرح موقفه لمجلس العموم من موقعه في صفوف النواب العاديين. فقد كانت كلمة رائعة قابلها مؤيدوه بالتصفيق وقوفا، في مشهد لا سابق له في الذاكرة السياسية البريطانية. وربما كانت الأهمية الحقيقية للاستقالة انها جاءت من عضو رفيع في الحكومة اتيح له الاطلاع على تقارير الاستخبارات والاحاطة بالخلفيات، ولم ير فيها ما يشير الى أن العراق يشكل خطراً على بريطانيا مثلما ادعت 10 داوننغ ستريت. بعد ذلك بأسابيع قليلة، ومع نشوب الحرب، ارتكب كوك غلطة كبرى. فقد كتب في صحيفة اسبوعية مطالبا ب"عودة جنودنا". وحاول اصلاح الغلطة بعد ساعات عندما أوضح انه لم يقصد سحب القوات فورا. لكن المحاولة جاءت بعد فوات الأوان. وقال زميله السابق في الحكومة وزير الداخلية ديفيد بلنكيت أن من الحمق "الاستسلام بعد مجرد عشرة أيام"، وهو تعليق في مكانه كما اعتقد. الوضع الآن ان انهيار دفاعات العراق وسقوط صدام حسين اعطيا دفعاً قوياً لشعبية توني بلير. ويعتبر كثيرون - لكن بالتأكيد ليس الكل - ان الذين عارضوا "تغيير النظام" كانوا على خطأ. اعتقد ان روبن كوك سينتظر الى أن تتفاقم المصاعب أمام اقامة حكومة جديدة للعراق. انه يميل الى التفرد، وشخصيته لا تخلو من التعالي الفكري. وهو لم يتخل أبداً عن مثل حزب العمال القديم وأفكاره. والمرجح ان كوك 57 سنة سيخوض الانتخابات العامة المقبلة. وسنجد عندها ان مواقفه من كثير من القضايا الداخلية، مثل "المستشفيات الأساسية" وزيادة رسوم التعليم العالي على الطلبة، أقرب بكثير الى قلب حزب العمال في 2003 من مواقف توني بلير. كما ان الكثيرين من نواب العمال لن يغفروا لبلير موقفه من العراق. وكان كوك حذر بلير أخيراً بأن عليه البدء بالتباعد عن الرئيس جورج بوش اذا كان يريد لبريطانيا ان تصبح قوة رئيسية في أوروبا. انها نقطة ضعف صالحة للاستغلال من دون شك من جانب وزير الخارجية السابق. ان لكوك من الذكاء والتجربة السياسية والمهارة الخطابية ما يكفي ويزيد لشد انتباهنا الى مستقبله السياسي. * سياسي بريطاني من حزب المحافظين.