سحبت الإدارة المدنية الأميركية أمس رسمياً الغطاء عن المعارضين العراقيين الذين يحاولون ملء فراغ السلطة في بغداد منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين. وأعلن الجنرال المتقاعد جاي غارنر، رئيس الادارة المدنية الأميركية في بغداد، ان الوزارات العراقية ستبدأ بالعمل اعتباراً من نهاية الأسبوع المقبل. لكن محمد محسن الزبيدي، الذي نصّب نفسه رئيساً للإدارة التنفيذية في بغداد، بدا غير مهتم بالموقف الأميركي وواصل عمله المعتاد مستقبلاً الزوار ومتفقداً منشآت حيوية في العاصمة العراقية. أعلن جاي غارنر، رئيس الادارة المدنية الأميركية في بغداد، أمس ان عملية تشكيل حكومة في العراق ستبدأ بحلول نهاية الاسبوع المقبل. وقال الجنرال الاميركي المتقاعد في مؤتمر صحافي: "أعتقد انكم سترون ان عملية تشكيل الحكومة ستبدأ الاسبوع المقبل .. بحلول نهاية الاسبوع المقبل. وستشمل وجوهاً عراقية. وسيحكمها عراقيون". ولم يذكر تفاصيل. لكنه دعا العراقيين "الى البدء في العودة الى أعمالهم، لا سيما العاملين في الخدمات العامة". وقال انه اختار مُنسّقاً لكل وزارة من الوزارات العراقية، وانه سيضمن ان كل الوزارات فيها مراكز صالحة للعمل، بما في ذلك ايجاد مبان جديدة، وتجهيز تلك المتضررة بالقصف الأميركي بمكاتب وأثاث. ونقلت عنه وكالة "أسوشيتد برس" ان التظاهرات الأخيرة المعارضة للوجود الأميركي أثّرت فيها إيران. وقال: "كانوا منظّمين جداً. أعتقد انه كان هناك تأثير إيراني كبير". وأضاف انه يتوقع ان تخف حدة هذه التظاهرات في الأيام المقبلة و"ربما تشاهدون تظاهرات أكثر تأييداً للولايات المتحدة". وكرر غارنر الأمر نفسه في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية القسم العربي في "بي بي سي". إذ قال: "بالنسبة الى الناس الذين يرغبون في رحيلنا، نقول اننا سنرحل عندما يكون الوقت ملائماً، ونحن نريد العمل بالتعاون مع الشعب العراقي كله". وأقر بأنه لمس ان الناس في شمال العراق كردستان يرغبون في رؤية الأميركيين فترة أطول مما يرغب فيه سكان بغداد و"لكن هذه هي الديموقراطية، وهذا ما نريد ان يتحقق، نريد ان ينطق الناس بما يدور في خلدهم". وقال: "رؤيتنا الآن تتمثل في قوات مسلحة عراقية تتولى مسؤولية الدفاع عن العراق ... ورأيي الشخصي ان تكون قوات مسلحة أصغر حجماً بكثير وتتولى مسؤولية حماية العراق من جيرانه ... ولن تتحول الى قوات مسلحة قادرة على العدوان أو استخدام اسلحة الدمار الشامل". وفي اطار عملية تغيير حكومة صدام حسين يُتوقع ان يجتمع عدد من ممثلي الجماعات السياسية العراقية في بغداد الاثنين مع مسؤولين اميركيين بعد اجتماع تمهيدي عقد في أور قرب الناصرية في 15 نيسان أبريل الجاري. وقال نيثان جونز، المتحدث باسم غارنر، ان اجتماعاً ثانياً موسعاً للفصائل العراقية سيُعقد الثلثاء وسيناقش تشكيل حكومة انتقالية. لكن السيد عبدالخالق الشبّوط، وهو محام من بغداد، قال ان الاجتماع مُقرر الإثنين في ضواحي العاصمة وسيحضره ما لا يقل عن 300 عراقي. وسيرأس غارنر ادارة موقتة ستشرف على اعادة اعمار العراق. وتخطط الادارة الموقتة لأن تسلم بعد ذلك السلطة الى حكومة عراقية. وقال غارنر ان السيد أحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني العراقي، لا يُمثّل اختيار واشنطن لقيادة العراق على رغم شهرته بأنه الشخص الذي تفضله اميركا. وقال أيضاً ان الولاياتالمتحدة لا تعترف بأن السيد محمد محسن الزبيدي رئيس بلدية بغداد وانه سيُعزل اذا رفضه العراقيون. وقال غارنر انه ابلغ العراقيين اثناء الاجتماعات بأنه يأمل بأن تفتح بعض الوزارات في الاسبوع المقبل. واضاف: "العراقيون سيديرون الوزارات". وتابع ان تحريات ستُجرى عن المسؤولين الذين سيعودون الى الوزارات للتأكد من عدم انتمائهم الى النظام القديم. ووصل غارنر الى بغداد للمرة الاولى الاثنين الماضي. ونظم العراقيون تظاهرات عدة معادية للولايات المتحدة للمطالبة بخروج قواتها وترك العراقيين يحكمون انفسهم. وأعلن الجنرال كارل ستروك، احد مساعدي غارنر، أمس ان القوات الاميركية والبريطانية في العراق اعادت تشغيل جزء من التجهيزات لانتاج النفط والغاز في شمال العراق وجنوبه لسد حاجات العراقيين. وقال ستروك للصحافيين على هامش المؤتمر الصحافي لغارنر "ان النفط يجري في الجنوب". واضاف: "نضخ حالياً نحو 175 الف برميل يومياً وننقله النفط الى مصفاة البصرة والمحطات الكهربائية الواقعة في هذه المنطقة". واكد ان "هذا النفط مخصص حصراً للاستهلاك الداخلي لسد حاجات العراقيين وليس للتصدير". وأعلن الجنرال الأميركي ايضاً انه يأمل بأن يتم ضخ نحو 60 الف برميل يومياً في الحقول النفطية في شمال العراق "بعد يوم او يومين للغايات نفسها". وأكد "انه يتم ايضاً في الشمال انتاج الغاز ... فذلك ضروري للتوربينات العاملة على الغاز والتي تغذي منطقة بغداد بالكهرباء". "العراق مهد الحضارة" الى ذلك، دعا غارنر العراقيين للعودة الى أعمالهم. وقال في اجتماع في بغداد ضم فريقه لإعادة الاعمار ونحو 60 من الاكاديميين والشخصيات البارزة في المجتمع العراقي جميعهم رجال، انه يتعين تشييد البلاد على قاعدة من تاريخها المجيد وثروتها النفطية. وابلغ الجنرال الاميركي المتقاعد المشاركين بضرورة توجيه رسالة مفادها "ان من المهم جداً جداً للناس ان يعودوا الى العمل". وقال عراقيون شاركوا في الاجتماع الذي استغرق نحو ساعة، انهم ضغطوا على غارنر لاعادة الخدمات الاساسية والقانون والنظام بأسرع ما يمكن للعاصمة المدمرة. وقال كاتب ومدرس سابق للغة الانكليزية شارك في الاجتماع: "حاولنا بذل قصارى جهدنا. نريد الأمن والسلام والقانون". ووصف مسؤول اميركي رفض نشر اسمه اجواء الاجتماع الذي عقد وسط اجراءات أمنية مشددة بأنها "كانت مفعمة بالحيوية ومؤثرة في بعض الاحيان". وقال غارنر: "لديكم تاريخ عظيم ودماء تسري في عروقكم جاءت من مهد الحضارة". وتابع في الاجتماع: "غرضنا في بلدكم هو ترسيخ بيئة تمكننا الشروع في جهد حكومي يقود الى صيغة ديموقراطية... حكومة ممثلة لجميع طوائف الشعب العراقي. اعتقد انه يمكننا ان نفعل ذلك بسرعة". وقال غارنر ايضاً في الاجتماع ان وظيفته هي "تهيئة الاستقرار والسماح لكم بالبدء في حكم بلدكم". وقال مسؤول اميركي انه لم يتقرر منح اولئك الذين دعوا لحضور الاجتماع مواقع قيادية. وتابع: "لا نكرس هؤلاء الناس كقيادة مستقبلية". ولم يحضر الاجتماع السيد الجلبي، الرجل المفضل عند وزارة الدفاع الأميركية . كذلك لم يحضره السيد الزبيدي الذي عين نفسه رئيساً لبلدية بغداد. وقال اللفتاننت كولونيل آلان كينغ، قائد كتيبة الخدمات المدنية في الجيش الأميركي في بغداد، ان الزبيدي "يدير بغداد كما أدارها صدام حسين". وجاء الاجتماع بعد العديد من التظاهرات المعادية للولايات المتحدة في بغداد من جانب الغالبية الشيعية التي طالبت برحيل القوات التي تقودها الولاياتالمتحدة عقب اسبوعين من اسقاطها لنظام صدام حسين وان تترك العراقيين ليحكموا انفسهم بأنفسهم. وتوجه ايضاً مئات الآلاف من الشيعة الذين قُمعوا طويلاً في عهد صدام الى مدينة كربلاء المقدسة للمشاركة في احتفالات شيعية حيث ردد كثيرون منهم هتافات تطالب بحكم اسلامي. وقال نائب غارنر الجنرال البريطاني تيم كروس: "يجدر بنا ان نتيح فترة من الوقت يسمح فيها للناس الذين لم يكن في مقدورهم ابداً التعبير عما يجيش في صدورهم علناً بالنزول الى الشارع والتنفيس عن غضبهم". وتابع: "بوضوح هناك مخاطر. بالطبع توجد مخاطر ولا أريد ان أرى العراق وقد اصبح دولة اصولية". لكنه أضاف انه لا يعتقد ان العراقيين الشيعة يريدون حكومة أصولية مثل تلك الموجودة في ايران. وتابع: "أعتقد حقاً ان كثيرين من هؤلاء الناس يريدون ان يكونوا جزءاً من عراق ديموقراطي... هناك كثير من الناس في هذا المجتمع يريدون عراقاً ديموقراطياً. انني واثق تماماً من ذلك. لا تسألني كم نسبتهم". في غضون ذلك، بدا ان السيد محمد محسن الزبيدي لم يأبه بإعلان الأميركيين رفضهم إياه رئيساً للادارة المحلية في العاصمة العراقية. وتفقد أمس عدداً من المستشفيات ومنشآت المياه في بغداد، كما التقى بمساعدين عينهم لادارة المدينة. وعيّن الزبيدي الذي اعلن شغله المنصب في وقت سابق من الشهر، 22 لجنة للعمل بدل الوزارات ومنها لجان للصحة والتعليم والمياه والكهرباء والنفط والصناعة. وقال أحد مساعدي الزبيدي انه سيلتقي خلال ساعات مع غارنر الذي لم يوجه اليه دعوة لحضور اجتماع كبير عقده مع عشرات الشخصيات العراقية في بغداد أمس. ويقول الزبيدي ان ممثلين لرجال دين شيعة وسنة ومسيحيين وممثلين لاكاديميين وكتاب وصحافيين انتخبوه ليرأس الإدارة التنفيذية في بغداد. لكنه لم يفصح عن متى واين اجري الانتخاب ومن نظمه. وفي كوبنهاغن رويترز، أعلنت الدنمرك انها سترفض طلباً من الولاياتالمتحدة لادارة مقر وحدة لاعادة الاعمار والأمن في العراق لأن البرلمان لم يقر ذلك. وصرح رئيس الوزراء اندرس فو راسموسن الى تلفزيون "دي.ار 1" الاخباري: "من المهم بالنسبة الى الحكومة ان تكون هناك مساندة واسعة النطاق لجهودنا في العراق لذا سنبلغ الاميركيين بأننا لا نستطيع تقديم افراد للعمل في مقر الوحدة". ولم يؤيد الطلب الاميركي الا حزب الشعب الدنمركي اليميني المتطرف المؤيد للتحالف الامريكي لارسال 360 فرداً اضافياً لرئاسة وحدة تضم نحو ثلاثة الاف فرد في العراق. وعرضت الدنمرك بالفعل ارسال 380 عسكرياً ونحو 25 ضابط شرطة الى العراق عندما ينتهي القتال للمساعدة في اعادة الاعمار وتوفير الامن لهيئات الاغاثة. وساهمت الدنمرك في الجهود الحربية بارسال طراد وغواصة. وصدرت الموافقة بالفعل على تقديم 350 مليون كورونة دنمركية 62ر51 مليون دولار من المساعدات بعد الحرب.