على رغم حدة تصريحات وزير الخارجية الاميركي كولن باول وتحميله باريس نتائج معارضتها الحرب على العراق، يتمسك الجانب الفرنسي بضرورة العمل لقلب صفحة المواجهة والانتقال الى الحوار والمناقشة من دون ان يعني ذلك تخليه عن مواقفه. الرفض الفرنسي للجدل مع باول أو سواه من المسؤولين في الإدارة الاميركية، عبر عنه الناطق باسم الحكومة الفرنسية الوزير جان فرانسوا كوبيه الذي قلل من شأن الاجراءات العقابية التي قد تتعرض لها بلاده، مشيراً الى ان ما قاله باول "لا يتطابق على الإطلاق مع حقيقة علاقاتنا الحالية مع الولاياتالمتحدة". لكن حرص فرنسا على اعادة ترميم علاقاتها مع الولاياتالمتحدة لا يعني تخليها عن نظرتها الخاصة للأمور، وهو ما عكسه التصريح الذي أدلى به في أنقرة وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان الذي اكد ان بلاده ماضية في "الدفاع عن الشرعية الدولية وهي مستمرة في ذلك". وتأتي تصريحات المسؤولين الفرنسيين في اطار النهج الذي ارتأت باريس اعتماده منذ انهيار النظام العراقي الذي ولد واقعاً جديداً ينبغي التعامل معه ب"براغماتية". وهذه "البراغماتية" هي التي دعت الرئيس جاك شيراك الى الاتصال هاتفياً بنظيره الاميركي جورج بوش في 15 نيسان ابريل بعد انقطاع استمر شهرين، ليبلغه أن فرنسا باتت تتطلع الى المستقبل وتحرص على النقاش والتفاوض في مجلس الأمن، ما يسمح للأمم المتحدة باستعادة دورها المركزي وللعراقيين باستعادة سيادة بلادهم ووحدتها. لكن تصريح باول يدعو الى التساؤل عن مدى استعداد الولاياتالمتحدة للتعامل مع "البراغماتية" الفرنسية بالمثل، خصوصاً انه يصنف بأنه أقل عدائية من سواه في الإدارة الاميركية. وترى مصادر فرنسية مطلعة ان كلام وزير الخارجية الاميركي قد يكون على صلة بالوضع الداخلي لهذه الادارة وبتوازن القوى القائم بينه و"الصقور" الراغبين في معاقبة فرنسا على مواقفها. والعقوبات التي يلوح بها الاميركيون قد لا يكون فرضها سهلاً من دون ان يؤدي الى تحرك أوروبي لمواجهتها على مستوى منظمة التجارة العالمية. أما العقود المتعلقة بإعادة اعمار العراق، فإن أمرها يتوقف على كيفية اتخاذ القرارات وما إذا كان ذلك سيتم في اطار صيغة معدلة لبرنامج "النفط للغذاء"، وهناك مشاورات مستمرة حالياً في اطار مجلس الأمن. وفي الوقت نفسه، هناك محاولات تهدف الى تهميش الدور الفرنسي سياسياً، ومن ضمنها المذكرة التي اعدها مساعد وزير الدفاع بول ولفوفيتز وتقضي بالعدول عن اتخاذ القرارات في اطار مجلس الحلف الاطلسي، والاكتفاء بلجنة التخطيط التابعة للحلف ولا تتمثل فرنسا فيها. ويصطدم الاستعداد الفرنسي للحوار مع واشنطن ايضاً بالشعور الاميركي الذي يسود أوساط المسؤولين في البيت الأبيض، وهو ان باريس سعت الى انزال الهزيمة بالتوجه الاميركي خلال الأزمة ومثل هذا الشعور قد يصعب تجاوزه. ولذا فإن الأنظار تبدو متجهة منذ الآن نحو قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى المقرر عقدها في مدينة ايفيان أوائل حزيران يونيو المقبل، ويتخللها أول لقاء بين شيراك وبوش منذ الأزمة العراقية، وربما ساعد ذلك على توضيح صورة العلاقات الاميركية - الفرنسية.