سأل احد الصحافيين في باريس أمس وزير الخارجية الاميركي كولن باول عما اذا كانت الولاياتالمتحدة تنوي ضرب العراق، في اطار حملتها على الارهاب الدولي. ورد باول قائلاً ان الرئيس بوش "لم يحدد بعد" الاجراءات المتعلقة بالمرحلة المقبلة من الحملة على الارهاب، كما انه لم يتلق اي توصيات في شأن ما ينبغي ان تكون عليه المرحلة المقبلة، وهذا يشمل بالتحديد "موضوع ضرب العراق". كأن باول أراد عبر هذا التصريح طمأنة وزير الخارجية الفرنيس هوبير فيدرين الذي علق على كلام نظيره الاميركي بالقول "ان هذا مهم جداً لفرنسا". إلا أن تصريح باول غير مطمئن، اذ انه لا يلغي احتمال ان تكون هناك ضربة اميركية للعراق لاحقاً. صحيح ان عدداً من حلفاء الولاياتالمتحدة العرب وبعض الاوروبيين، وفي طليعتهم فرنسا، لا يحبذون ضربة للعراق، الا ان تاريخ العلاقة الاميركية - العراقية، منذ بداية حرب الخليج، لا يدعو الى التفاؤل بإمكان تجنبها. وقول باول ان بوش لم يتخذ قراره بعد، إزاء موضوع العراق، لا يعني انه لن يرضخ لرغبات المتشددين في ادارته، مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومساعده بول ولفوفيتز، ومستشارة الامن القومي كوندوليزا رايس، فهؤلاء متحمسون لضرب العراق في فترة لاحقة. فإذا استمر النظام العراقي في رفض عودة مفتشي الاممالمتحدة، فإنه سيعطي مبرراً "من ذهب" للرئيس بوش لضرب العراق. فكون الرئيس الاميركي فضل تأجيل مثل هذه الضربة حالياً، وفصلها عن حربه على شبكة "القاعدة" واسامة بن لادن، فلا يعني انه عدل عن ضرب النظام العراقي الذي يدفع أبناء شعبه الى الدوس على الاعلام الاميركية وصور جورج بوش الأب بأقدامهم. فلدى بوش مهمة ثأر شخصي، باسم والده، والكثيرين من حوله يشجعونه على إنهاء النظام العراقي. إلا أن الرئيس الاميركي لا يمكنه ان يعتمد في اطار هذه المهمة على حلف واسع، مماثل للحلف الذي تشكل من حوله، لتعقب بن لادن و"القاعدة" وانهاء نظام "طالبان" في افغانستان. وعلى رغم ذلك يبقى الإغراء كبيراً جداً بالنسبة الى الرئيس الذي قال في الخطاب الذي افتتح به عهده، انه يريد "إعادة هندسة العالم"، خصوصاً ان روسيا، بشخص رئيسها فلاديمير بوتين، اصبحت الحليف الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة عقب احداث 11 أيلول سبتمبر. من الافضل للنظام العراقي ألا يسيئ التقدير كعادته، وألا يعطي الولاياتالمتحدة المبرر لضرب العراق. ومن الافضل له ان يلتزم الشرعية الدولية وان يقبل بالمفتشين الدوليين، مجنباً شعبه المزيد من الآلام والكوارث.