اختتمت الولاياتالمتحدة شهرها الأول من حربها لاطاحة نظام الرئيس صدام حسين ونظامه، وافتتحت مرحلة توزيع الغنائم. وفيما نجحت عسكرياً في إحكام قبضتها على العراق، على رغم معارضة دولية قادتها روسيا وألمانيا وفرنسا، تخوض الآن حرباً أشد شراسة مسرحها الاقتصاد العالمي لحصر الغنائم في شركاتها. وقطرة الغيث الأولى عقد لمجموعة "بكتل" للبناء والاشغال قيمته 680 مليون دولار تنفق على 18 شهراً في اعادة إعمار العراق. ويثير العقد المذكور، وكان سبقه عقد أصغر حجماً لبناء مرفأ "أم قصر" جنوبالعراق، علامات استفهام في شأن الأسباب الحقيقية للحرب، علماً ان أي دليل على امتلاك بغداد أسلحة دمار لم يظهر بعد. وما يعزز الشكوك أيضاً فوز "بكتل" بالعقد الرئيسي الأول وهي صاحبة التاريخ الحافل بالمحاولات لنيل حصة من نفط العراق، أدارها لها وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد مطلع الثمانينات ومنتصفها بصفته مبعوثاً للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، وبتكليف من وزير خارجيته جورج شولتز الذي ترأس مجلس ادارة المجموعة على مدى ثمانية أعوام. رامسفيلد، وعلى مدى الأشهر السابقة للحرب، نفى نفياً قاطعاً أي علاقة للنفط بحملة واشنطن على بغداد، واعتبر ان الكلام أو التلميح اليه "مجرد هراء". لكن بداية القصة تعود الى حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 والمقاطعة النفطية العربية. في ذلك التاريخ بدأت الولاياتالمتحدة البحث عن بدائل لخطوط إمداد النفط. واتجهت الأنظار الى ايران، الا ان الثورة الاسلامية ألغت البديل هذا، وحولت مياه الخليج ومضيق هرمز الى منطقة خطرة نفطياً. فاستعيض عنها بمد خط من العراق عبر الأردن الى خليج العقبة على البحر الأحمر. وتولت "بكتل" الترويج له، كشريان حيوي لثلثي احتياط النفط العالمي. الاتصال الأول مع العراقيين تولاه توماس ايغلتون المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية في أيار مايو العام 1981. وبحث خلاله وزير الخارجية آنذاك مع طارق عزيز سبل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين. وأوردت "شبكة الاقتصاد والطاقة المستدامة" في موقعها على شبكة "الانترنت" تقريراً بعنوان "كرود فيجن" نظرة خام تناول بالتفصيل مشروع خط أنابيب العقبة ودور شركة "بكتل" فيه. وتناول التقرير أيضاً منشور الآن على موقع "دار الحياة" الانكليزي الشخصيات الرئيسة التي عملت على تحقيق خط الأنابيب وهم في غالبيتهم أعضاء في ادارة الرئيسين جورج بوش الأب والابن. بداية، زار رامسفيلد العراق في 20 كانون الأول ديسمبر العام 1983 والتقى الرئيس صدام حسين ووزير خارجيته طارق عزيز وتوافقوا مبدئياً على البدء في تنفيذ خطط المشروع، بموافقة مبدئية من الأردن حملها رئيس الوزراء زيد الرفاعي خلال زيارة الى واشنطن. وبعد ثلاثة أيام فقط أصدر نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية لورنس ايغلبرغر مذكرة طالب فيها بنك الصادرات والواردات الأميركي اكسيم بنك بتمويل استثمارات في العراق، وطالب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بدعم مشروع "بكتل" مد خط أنابيب العقبة. وفي حزيران يونيو 1984 تعهد "اكسيم بنك" مبلغ 484.5 مليون دولار كضمان قروض لتمويل المشروع وبقي التعهد نافذاً من العام 1986 على رغم انسحاب بغداد من المشروع بحجة انه لا يتفق ومصالحها التجارية. لكن "بكتل" لم تيأس وطلبت في تموز يوليو 1987 من وكالة التنمية مواصلة تمويل المشروع. وكانت العلاقات بين واشنطنوبغداد شهدت تدهوراً خلال التفاوض على خط العقبة النفطي، بسبب ادانة الأممالمتحدة للعراق بعد التأكد من استخدامه أسلحة كيماوية ضد ايران. وصدرت ادانة اميركية مماثلة بعد نحو عام. وكانت واشنطن طالبت بغداد بعدم احراجها في هذا الشأن او شراء مواد تستخدم في الأسلحة الكيماوية من شركات أميركية. وفي محاولة لاقناع بغداد بجدوى المشروع سعت واشنطن الى الحصول على ضمانة امنية من اسرائيل بعدم التعرض لخط الأنابيب في حال أي مواجهة عسكرية مع الدول العربية. ودخل رجل الأعمال السويسري بروس رابابورت على خط المفاوضات وأقنع صديقه شيمون بيريز رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك بتحييد الخط في مقابل حسم 10 في المئة على الواردات الاسرائيلية النفطية لمدة عشر سنوات، ما يوفر ما بين 60 و70 مليون دولار سنوياً على الخزانة الاسرائيلية. ولزيادة الضمانات تعهدت الولاياتالمتحدة ان تنقل النفط من البحر الأحمر على سفن ترفع العلم الأميركي، وأن ترعى المنشآت شركات أميركية. وأقنع رابابورت المدعي العام الأميركي ادوين ميس بتقديم ضمانات سياسية للمشروع، الأمر الذي كلف ميس منصبه عام 1988، بسبب مشكلات مالية. وبحسب التقرير الذي كتبه ل"شبكة الاقتصاد والطاقة المستدامة" جيم فاليت وستيف كريتزمان ودافن ويشام، شارك عدد من أركان الادارة الأميركية الحالية في الترويج ل"بكتل" وشارك عدد منهم خلال الأعوام الماضية في صوغ الخطط للحرب على العراق وأبرزهم، رامسفيلد وشولتز وريتشارد بيرل وريتشارد ارميتاج ودوغلاس فايث وريشارد ألن، روجر روبنسون وكان مسؤولاً في وكالة التنمية الدولية، وشارك عام 1988 في تأسيس مركز الدراسات الاستراتيجية الذي قدم أكثر من بحث يتناول الحرب ضد بغداد، والقاضي ويليام كلارك الذي شغل منصب مستشار شؤون الأمن القومي في عهد ريغان وهو الآن الرئيس الفخري لمجلس الأمن القومي. وجيمس شليسنجر وزير الطاقة والدفاع الأسبق ومدير وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه وهو الآن من المستشارين المقربين الى الرئيس بوش ويترأس مجلس الأطلسي للأبحاث.