يقول أنصار ياسر عرفات ان السيد محمود عباس نسي وهو يشكل وزارته انه رئيس وزراء معيّن في حين أن أبو عمار رئيس منتخب. أبو عمار ما كان يريد رئيس وزراء أصلاً، إلا أنه وصل الى نهاية الطريق، والضغوط العربية والعالمية عليه كانت أقوى من أن يستطيع دفعها. وهو قبل تعيين رئيس وزراء على مضض، ثم قبل أبو مازن في المنصب مرغماً مرة أخرى، بناء على إلحاح "فتح". ربما كان أبو عمار يفضل رئيس وزراء مثل السيد سلام فياض، وزير المال، فهو لا يهدد مركز الرئيس لأنه من خارج "فتح"، ثم انه يعزز التعاون بين "فتح"، بصفتها الحزب الحاكم، والمستقلين. ومع هذا وذاك فهو نجح نجاحاً كبيراً في وزارة المال، وقضى على مظاهر الفساد التي تستطيع وزارته حصرها، ويحظى بتأييد واسع في الخارج، خصوصاً من الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. غير أن أبو مازن جاء الى رئاسة الوزارة بدعم "فتحاوي" من دون أن يطلب المنصب أو يسعى اليه بحماسة. ويبدو ان اصرار القاعدة عليه شجعه على ممارسة قسط كبير من الاستقلال في تشكيل وزارته، ما أغضب أبو عمار وجعله يرفض التشكيلة. ليس في القانون أو العرف ما يدعو رئيس الوزراء المعيّن الى عرض أسماء الوزراء على الرئيس، إلا أن المجلس التشريعي قال في مذكرة تفسيرية ان التشاور أمر أساسي، من دون أن يجعل ذلك ملزماً. وفي حين فسر أكثر المراقبين، والصحف الإسرائيلية، الرفض بموقف أبو عمار من السيد محمد دحلان، فإن المشكلة لا تتوقف عند أبو فادي وحده، فأبو عمار قلق فعلاً من اتساع نفوذ الرئيس السابق للأمن الوقائي في غزة، خصوصاً في قواعد "فتح"، وربما كان يعتبره منافساً، أو خليفة محتملاً، إلا أن الوزارة المقترحة أغضبت أبو عمار أيضاً من ناحية بعض من ضمت، وبعض من أسقطت. كان أبو عمار يفضل لو بقي هاني الحسن وزيراً للداخلية، وقد طرحت لهذه الوزارة أسماء هاني الحسن وأيضاً حكم بلعاوي ونصر يوسف، إلا أن أبو مازن كان يعرف ان كل خطوة سيقوم بها تبدأ بالأمن وتنتهي به، وهو رأى ان محمد دحلان قادر على ضبط الأمن، إلا أنه واجه قرار اللجنة لمركزية ل"فتح" أن يكون الوزير عضواً فيها، فكان أن احتفظ لنفسه بوزارة الداخلية، وعيّن محمد دحلان وزير دولة للشؤون الأمنية. واختار أبو مازن نصر يوسف نائباً لرئيس الوزراء وضم الى وزارته حكمت زيد ونبيل عمرو، وهما على خلاف قديم ومستمر مع الرئيس. ثم أسقط من الوزارة أبو علي شاهين وزير الطاقة، وعبدالرحمن حمد، وزير التموين، وهما محسوبان على الرئيس الذي بقي يدعمهما على رغم ارتباط اسميهما بالفساد. ولم يرتح أبو عمار لتعيين كل من ياسر عبد ربه وصائب عريقات وزيري دولة، مع أن أبو مازن ما كان يملك خياراً في الموضوع لأن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لا يحق له شغل منصب وزير. شخصياً، أسفت كثيراً لاعتذار ماهر المصري عن عدم البقاء في الوزارة، فقد اختاره أبو مازن وزيراً للمصادر الطبيعية والطاقة بعد أن كان وزيراً للاقتصاد، واعتذر مع أنه من أكثر الوزراء قدرة، ومن قلة اشتهرت بنزاهتها المطلقة. وكنت كتبت عن الوزارة الفلسطينية قبل يومين، من دون أن أتوقع المشكلة بين أبو عمار وأبو مازن، ولكن قلت ان الوزارة لن تعلن في يوم أو يومين، كما يطالب العالم الخارجي كله، وانما في نحو أسبوع، ولا أزال عند تقديري هذا، وأبو مازن لا يستطيع ان يتراجع عن التشكيلة التي اختارها لأنه سيفقد نفوذه قبل أن يبدأ. أبو عمار لا يزال قادراً على التعطيل، إلا أنه لا بد يدرك أن لا حل أمامه سوى قبول رئيس وزراء، لأن الولاياتالمتحدة واسرائيل حتماً ترفضان التعامل معه، ولأن دعم الاتحاد الأوروبي المستمر مربوط برئيس الوزراء. ولا سر هنا في ان مصر، وهي عنصر أساسي في الدعم العربي للفلسطينيين، تريد رئيس وزراء. أبو مازن سيقدم وزارته الى المجلس التشريعي هذا الأسبوع، وربما استطاع أن يكسب أبو عمار الى صفه، على رغم الخلاف على الأسماء، إلا أن موقف الرئيس دعماً أو عرقلة، يظل أهون من العقبات التي سيواجهها أبو مازن في تنفيذ مهمته. والاسرائيليون اليوم في واشنطن لتعديل "خريطة الطريق" بشكل لو وافق الأميركيون عليه لما بقي منها شيء يذكر. ورئيس الوزراء آرييل شارون يحاول جهده إفشال رئيس الوزراء القادم قبل أن يبدأ مهمته، فهو يعرقل مهمته الأمنية بالقتل والتدمير المستمرين، وهو يجهض مهمته السياسية بالإصرار على تنازل الفلسطينيين عن حق العودة قبل أن يبدأوا التفاوض من جديد، ولا يقدم في المقابل سوى عرض بإزالة مستوطنات غير شرعية، مع أن كل المستوطنات غير شرعية واسرائيل نفسها غير شرعية، وشارون نفسه مجرم حرب يجب أن يحاكم في لاهاي مثل سلوبودان ميلوشيفيتش وصدام حسين، وأي مطلوب آخر.