سألني مسؤول أميركي سابق على هامش مؤتمر عن الخليفة المحتمل للرئىس ياسر عرفات، وقلت انني افترض ان يكون السيد محمود عباس ابو مازن لأنه يأتي بعد ابو عمار مباشرة في تسلسل القيادة الفلسطينية. وسألني المسؤول السابق هل هناك مرشح من الشباب، وقلت ان محمد دحلان افضل حظاً من غيره. المسؤول السابق يعرف ابو مازن وأبو فادي، وهو قال ان كليهما يصلح للقيادة، ثم سألني لماذا لا يخلف الاثنان معاً ابو عمار. لا ادري اذا كان هذا ممكناً، ولكن أرجح ان ابو عمار وصل الى نهاية الطريق، وهو لا يقبل على نفسه ان يكون عقبة، او عذراً، لعدم قيام دولة فلسطين المستقلة خلال ثلاث سنوات. اللجنة المركزية لفتح اجتمعت مرتين، وستجتمع من جديد، والقارئ لا بد سمع انها رشحت ابو مازن رئىساً للوزراء. اسم ابو مازن طرح في السابق، وقد اقترحه الاميركيون مرة، الا ان الاعلان عن بيان اللجنة التنفيذية رافقه سوء فهم او تفاهم. فاللجنة طرحت مشروعاً للاصلاح من ضمنه تسمية رئىس وزراء، غير انها لم تسجل اية اسماء، وتردد اسم ابو مازن بعد ذلك لأنه يفترض ان يكون القائد الثاني في منظمة التحرير، ما يثبت صحة ردي على المسؤول الاميركي قبل ذلك بأسبوع. سألت أبو مازن على الهاتف عن الموضوع، فقال ان ابو عمار رد على اللجنة ان هذا المنصب غير وارد في اتفاقات اوسلو، وأن لقبه في هذه الاتفاقات CHAIRMAN وليس PRESIDENT. يرى ابو مازن ان تعيين رئىس للوزراء ليس خطأ، وربما كان ضرورياً ضمن عملية الاصلاح، ولكن الاساس هو تغيير العقلية، لنعرف ان كانت قادرة على اصلاح حقيقي ووضع الامور في نصابها، لأنه اذا حدث هذا يصبح المنصب مجرد تفصيل. أمين سر اللجنة المركزية مرتاح الى بدء اللجنة باستعادة نفوذها وسلطتها ودورها على الساحة الفلسطينية، وهو قال لي على الهاتف ان نتائج الاجتماعين الاخيرين قد لا تكون مهمة بذاتها، الا انها ارست ارضية للحوار، والسير في عملية الاصلاح، من الاصلاح الأمني الى الاصلاح السياسي. كل من يعرف ابو مازن مثلي يعرف مدى تحفظه في الحديث، وقد شعرت معه احياناً بأن سحب الكلام منه في صعوبة قلع الاسنان، ومع ذلك فقد وجدته هذه المرة اكثر استعداداً للكلام الصريح، فهو انتقد الاصلاح الأمني الجاري، وقال ان الفاسدين او المفسدين الذين طردوا لا يزيدون على عشرة في المئة ممن يستحقون الطرد فعلاً. اما الوزارة فهي "مش نافعة" وتعديلها كان شكلياً، او تجميلياً، فيما المطلوب رحيل الوزارة كلها والابقاء على العناصر القليلة النزيهة والمؤهلة. قارنت ما اعرف من نتائج زيارة الوزراء الثلاثة واشنطن، بما عند ابو مازن، وهو اكد بعض معلوماتي. فالمسؤولون الاميركيون لم يتحدثوا عن الاصلاح الدستوري، وضرورة ازاحة ابو عمار في الجلسات الرسمية، الا انهم اوضحوا للوزراء الثلاثة في جلسات اخرى ان قرار عدم التعامل مع ياسر عرفات نهائي ولا عودة عنه. الاميركيون ركزوا على الأمن والاقتصاد، وهم وعدوا بمساعدات انسانية، ولكن اشترطوا في مقابل ذلك تحقيق الأمن، اي أمن اسرائىل. شخصياً، لا اعتقد ان أمن اسرائىل سيتحسن ما بقي الاحتلال، ومعلوماتي التي تتجاوز اجتماعات غزة هي ان "حماس" باقية عند موقفها من استمرار المقاومة ما استمر الاحتلال، وأهم من ذلك انها ترفض اي وثيقة تقول ان فلسطين هي الارض التي احتلت سنة 1967 فقط. مع ذلك وجدت ابو مازن يطالب بحوار صريح على اسس واضحة مع حماس والجهاد، ويقول انه لا بد من حوار على مستوى راق لأن المواجهة لا يريدها احد، والاقناع ممكن عبر حوار عقلاني، الا ان هذا لم يحصل حتى الآن. ابو مازن يعرف اكثر مني عن اجتماعات غزة، ورأيه انها كان يمكن ان تنتهي باتفاق، لولا جريمة قتل المناضل صلاح شحاده والاطفال معه، فقد كانت ضربة قذرة مؤلمة، مرتكبوها ليسوا من جنس البشر. وهو لاحظ ان اسرائىل قالت دائماً ان قتل المدنيين خطأ، و"نحن نقول ذلك"، الا انها ارتكبت ما هو ابشع كثيراً. قلت للأخ ابو مازن ان ابو عمار لا يزال يعتقد انه يستطيع ان يتجاوز الازمة، وانها "بتعدّي"، الا انني لا اراها كذلك، وهو وافقني القول وزاد ان الفلسطينيين ارتكبوا اخطاء ويجب تدارك ما يمكن تداركه، خصوصاً انهم يواجهون في آرييل شارون رئىس وزراء من دون برنامج سياسي او رؤية، وانما هناك مشروع أمني يزداد فشلاً بقدر عناد شارون في محاولة تحقيقه. شخصياً ارفض اطلاقاً ان يتدخل الاميركيون في القيادات الفلسطينية، الا انني ادرك ان رفضي او قبولي لن يقدم او يؤخر شيئاً، لذلك ارى في تعيين رئىس وزراء يملك السلطة التنفيذية مخرجاً يحفظ كرامة ابو عمار، ولا يمنع الفلسطينيين من السير على طريق الدولة المنشودة.