الذين سيؤرخون للحرب على العراق، الآتية بعد أيام، على رغم أنف العالم، لا بد ان يسجلوا للتاريخ ايضاً ان واحداً من أبرز فصول هذه الحرب التي تخاض حتى على جبهة الحلفاء في الغرب، هو اشتباكات بالشتائم، قلما شهد أي صراع في العالم مثلها. ولأن الديموقراطية في الغرب عريقة، ولو كره الاعتراف بذلك دعاة الانغلاق والتعصب وكره الآخر، ليس جديداً هناك رفع شعارات تندد بسياسات الحكومات، وتتهكم عليها الى الحد الذي أرغم بعضها على ترك الكراسي، احتراماً للشارع. الحديث لا يدور حول عالم العرب، حيث رفع لافتة جريمة بحق السلطة، بل عن تقاليد ارسيت بعد الانتصار على الفاشية والنازية. وجديد الحرب على العراق التي اضرمت نار حروب بين أوروبا وأميركا، بل في اميركا ذاتها، انحدار السياسة الى ما هو أدنى بكثير من الشارع. الجميع يذكر تجييش الإعلام في بريطانياوالولاياتالمتحدة، لمسخ صورة الرئيس جاك شيراك، حين تجاوز الحد في "دفاعه عن صدام". والفارق الزمني ليس كبيراً بين صورة الدودة للرئيس المتهم بتقفي الملامح الشخصية للقائد الجنرال شارل ديغول الذي "تمرد" على محاولات الاحتواء الاميركية، حتى في الحلف الاطلسي، وبين لافتات رفعها نفر من العامة في لوس انجيليس قبل يومين تعتبر "شيراك كلب صدام"... لأنه يعارض الحرب المجنونة على العراق. وحين يطالب هؤلاء بسفك الدم من أجل النفط، انما يرددون صدى ذلك الشحن الأرعن الذي لا يتورع عنه "صقور" ادارة الرئىس جورج بوش. في مجلس الأمن، شارع آخر، مرآة لما اقترفته هذه الإدارة بحق المؤسسات الدولية التي يفترض ان تكون حَكَماً بين "الأخيار" و"الأشرار"... لا لشيء إلا لكونها تلتزم قواعد التصويت والاختيار، ولو شكلاً في بعض الأحيان. ومن تقاليد ذلك الشارع، الأميركية في عصر ثارات الصقور، ان يخاطب وزير خارجية دولة كبرى، هو كولن باول العالم من على منبر مجلس الأمن، ليقول انه يلعق بكل بساطة شهادة هانس بليكس ومحمد البرادعي في سلوك بغداد. يقول انه لا يصدق ولا يغيّر رأيه، لئلا ينطق بوصفهما كاذبين! يقتفي خطاه وزير خارجية بريطانيا جاك سترو، فيتوقف عند كلمة ناقصة ليمتنع عن شتم نظيره الفرنسي، دومينيك دوفيلبان. يسجل سابقة في التخاطب الديبلوماسي، لا لتدليل خصمه في السياسة "العراقية"، بل لاحتقاره. تنتصر أميركا في الحرب على صدام؟ لا أحد يشك، لكن المسألة أن "أم الحريات" وحليفها توني بلير الذي وصفته الصحافة البريطانية بما لا يليق بزعيم، يدعيان الدفاع عن القيم الديموقراطية والصوت المقموع في العراق، وعالم العرب، ويرفضان الإصغاء الى أي صوت يدافع عن السلام. ولأن سوق الشتائم من العلامات البارزة للتحالف الجديد في حربه على صدام و"المتواطئين معه"، لا يبقى للسياسة والعقل أي مكان غير المدافن. الرئيس جورج بوش شبّه الرئيس العراقي بزعيم النازية أدولف هتلر، وفي أوروبا "القديمة" تذكروا هتلر كلما طلعت عليهم صورة الرئيس الاميركي وهو يكيل الشتائم لصدام، ليلاً نهاراً، كأنه خصمه في لعبة غولف، لا في نزاع سيترك الكثير من البصمات على مستقبل الخليج والشرق الأوسط، واستراتيجية العلاقات بين الولاياتالمتحدة وأوروبا وروسيا. ولأن كثيرين، ملايين في شوارع العالم، لا يصدقون أهداف الحرب على العراق، كما يرسمها علناً جورج دبليو بوش، ستبدأ يتيمة من أي غطاء شرعي دولي، قذرة لأن اطاحة نظام، أي نظام، لا تستحق تهديد مصير ملايين من البشر، في بلد اليتم من الحريات والحياة منذ اكثر من عقدين... بحجة حماية أمن الأميركيين على بعد قارات. أي أخلاق لأي حرب، يحذر جنرالاتها المدنيين من الاقتراب من مسجد أو مدرسة، اذا احتمت بهما مدفعية صدام؟ أليس ذلك ذبحاً بطيئاً للعراقيين، قبل الطلقة الأولى والصاروخ الذي سيدمر النظام؟ تستحق استراتيجية "الخير" بين اميركا - بوش وبريطانيا - بلير وساماً في نحر الصوت المعارض، وحقوق الانسان، من وجهة نظر المشاغبين على خطط البنتاغون. وسياسة الشتائم التي تكال لرؤساء ووزراء، بذريعة دفاعهم عن صدام، لا عن مقياس العدل لأي حرب وعن استقرار العالم، واشمئزازهم من التعطش لأي انتصار وبأي ثمن، تستحق وساماً في نحر السياسة، وعبر التاريخ. ... هزلت.