في أوائل الثمانينات من القرن الماضي توثقت العلاقات التجارية بين الأردنوالعراق في صورة كبيرة. وزادت وثوقاً بعد تدمير ميناء البصرة والموانئ العراقية الأخرى في الخليج العربي في العام الثاني من الحرب العراقية - الإيرانية التي اندلعت في ايلول سبتمبر 1980، وكان ذلك مبرراً لأن يتخذ العراق ميناء العقبة الأردني بديلاً عن موانئه المدمرة. وشهد الميناء، الواقع على البحر الأحمر، حركة نشاط لم يألفها من قبل. غير أن عام 1981 شهد تحولاً في مسار الحرب العراقية - الإيرانية التي طالت أكثر مما توقع المتشائمون، كانت أبرز نتائجه تدمير باقي الموانئ العراقية على الخليج ما جعل العراق يحول تجارته الخارجية كلها تقريباً إلى العقبة الذي بدأ يأخذ أهمية مضطردة بفضل المستوردات العراقية. وبدأت المشاريع لتوسيع الميناء وزيادة خدماته وتحسينها تتوالى حتى أصبح الميناء الأكبر على البحر الأحمر. وفي عام 1983 أضيف إلى الميناء رصيف خاص بالمستوردات العراقية التي ازداد حجمها مع استمرار الحرب وازدياد متطلبات العراق من الأسلحة والبضائع والسلع. ونشطت حركة النقل البري حيث كانت قائمة طويلة من السلع المصدرة إلى العراق تفرغ في العقبة ثم تشحن برا إلى العراق، وتكونت شركة أردنية - عراقية مشتركة هي "شركة النقل البري الأردنية - العراقية" التي امتلكت أسطولاً ضخماً من الشاحنات، ولم تكن تلك غير واحدة من عدد من المشاريع المشتركة بين البلدين، وتحول الأردن إلى المنفذ الأكثر أهمية للمستوردات العراقية. وكان نشوب أزمة الخليج في صيف عام 1990 مدمراً لتجارة الترانزيت، وانخفض حجم هذه التجارة عبر ميناء العقبة عام 1991 إلى ما يزيد قليلا على 1.5 بليون طن من 3.2 بليون طن مطلع عام 1990إ وشكلت الكميات المستوردة منها إلى العراق ما نسبته 97.6 في المئة من مجموع الكميات الكلية. وعلى رغم ذلك احتفظ العراق بنسبه مهمة من هذه التجارة لذلك العام، وهي نسبة 94.9 في المئة من مجموع الكميات الكلية. وتدنت النسبة بين عامي 1991 و2001 نحو 80.3 في المئة من مجموع كميات بضائع الترانزيت الكلية المستوردة عبر ميناء العقبة. ولإعطاء رقم يمكن القياس عليه لحساب خسائر فقد تجارة الترانزيت إلى العراق، فإن سجلات نقابة وكلاء الملاحة البحرية تشير إلى أن خسائرها بلغت عام 1991 فقط نحو 500 مليون دينار. ولا يشمل هذا الرقم حجم التجارة بين الأردنوالعراق التي يحتل فيها العراق المرتبة الأولى منذ الثمانينات. وقدرت دراسة أخيرة وضعها "مركز الرأي للدراسات" الصادرات الأردنية إلى العراق خلال الفترة 1991 - 2001 بنحو 1.3 بليون دينار أردني، أي 12.6 في المئة من مجمل حجم الصادرات الأردنية عموما، ونحو 28.5 في المئة من مجمل حجم الصادرات الأردنية إلى الدول العربية، في مقابل مستوردات أردنية من العراق بلغت نحو 3.6 بليون دينار اي 12.3 في المئة من مجمل المستوردات الأردنية و نحو 55 في المئة من مجمل المستوردات الأردنية من الدول العربية. والجزء الأعظم من هذه المستوردات هو النفط ومشتقاته. وتشير أرقام عام 2001 إلى أن حجم الصادرات الأردنية إلى العراق بلغ نحو 299.4 مليون دينار، أي 22.1 في المئة من مجمل الصادرات الأردنية، ونحو 40.8 في المئة من مجمل صادراته إلى الدول العربية. وأشار آخر التقارير عن التجارة الخارجية، الصادر عن وزارة الصناعة والتجارة، أن حجم الصادرات الأردنية إلى العراق بلغ في الشهور ال11 الأولى من عام 2001 نحو 282 مليون دينار، أي ما نسبته 20.2 في المئة من مجمل الصادرات المحلية. وللمقارنة فقط، فإن حجم صادرات الأردن الى دول الخليج العربي مجتمعة بلغ في الشهور الخمسة الاولى من عام 2002 نحو 89.6 مليون دينار أي 17 في المئة من مجمل الصادرات الوطنية، وذهب أكثر من 45 في المئة منها إلى المملكة العربية السعودية. وأدى هذا الاعتماد الكبير لقطاع التصدير الأردني على السوق العراقية إلى تأسيس مصانع في الأردن متخصصة في التصدير إلى السوق العراقية خصوصاً في مجال الصناعات الغذائية وصناعة الزيوت خصوصاً. وبسبب الحظر الدولي المفروض على العراق تركزت الصادرات الأردنية على تلبية الاحتياجات العراقية من المواد الغذائية والأساسية، وهي تلك المستثناة من قرار الحظر. وتشكل المواد الغذائية نحو 56 في المئة من الصادرات الأردنية إلى العراق، وتشكل المنتجات الكيماوية بما في ذلك الأدوية نحو 31.1 في المئة. وعليه فإن أكثر القطاعات تضرراً في حال توجيه ضربة أميركية للعراق هي قطاعات المنتجات الغذائية والدوائية. وتعتبر صناعة الأدوية فخر الصناعة الأردنية، فهي ثاني أكثر الصناعات الأردنية من حيث الحجم التصديري بعد قطاع الألبسة. وصدر الأردن في الشهور الخمسة الأولى من العام الماضي ما قيمته 157 مليون دينار، من بينها نحو 38 مليون دينار للعراق انخفاضاً من نحو 73.8 مليون دينار عام 2001. وحلت الزيوت النباتية في المرتبة الثانية بين الصادرات الأردنية إلى العراق، إذ بلغت قيمتها نحو 30 مليون دينار. ومن المعروف أن العراق يعتمد اعتماداً أساسياً على الزيوت النباتية المصنعة في الأردن، وشهد النصف الأول من التسعينات إقامة عدد من المصانع المشتركة للزيوت النباتية بين رجال أعمال أردنيين وعراقيين في الأردن. ولن تؤدي الحرب إلى خسارة كلية للسوق العراقية، لكن ستكون باهظة في كل الأحوال خصوصاً في مجال تجارة الترانزيت التي ستنتهي بمجرد إعادة فتح الموانئ العراقية. وستعاني صناعتا الأدوية والزيوت من منافسة صناعات البلدان الأخرى الأكثر جودة، وهي منافسة لن تكون في مصلحة الصناعة الأردنية التي تستفيد اليوم من البروتوكول التجاري ومن الوضع الخاص للعراق كبلد ارتبط اقتصاده بالاقتصاد الأردني طوال أكثر من عقدين من الزمن.