بعد ساعة واحدة من اجتماع المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر، وبعد ساعات قليلة على انفضاض القمة الإسلامية في الدوحة، وساعات أخرى على وقوع العملية الاستشهادية في مدينة حيفا، انطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي من أوكارها لتنفيذ حلقة جديدة من سلسلة حلقات الانتقام وردود الفعل المتبادلة، واتخذت هذه المرة مسرحاً قديماً جديداً لارتكاب جرائمها… مخيم جباليا للاجئين، أحد معاقل البؤس الأخيرة في العالم، حيث أقدمت على قتل 11 فلسطينياً وجرح 147 آخرين، في أحدث حلقة من سلسلة حلقات المجازر المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني. شارك آلاف الفلسطينيين في تشييع 11 فلسطينياً قتلوا برصاص أو شظايا القذائف التي اطلقها الجيش الاسرائيلي خلال عملية اجتياح بلدة جباليا ومخيمها شمال قطاع غزة فجر امس. وجاء الاجتياح بعد القرار الذي اتخذه المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر ليل الاربعاء - الخميس رداً على العملية الاستشهادية في حيفا، وقضى بتصعيد العمليات العسكرية خصوصاً في قطاع غزة، وضد قياديين من "حركة المقاومة الاسلامية" حماس، كما قضى بفرض طوق أمني مشدّد على الضفة والقطاع حتى صبيحة الاحد المقبل. وكان هجوم حيفا الاستشهادي الذي اسفر عن مقتل 15 شخصاً، وضع حداً لشهرين من الهدوء النسبي الزائف والوهمي داخل المدن الإسرائيلية، بعدما اوهم رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون وأركان حكومته الإسرائيليين بأنهم استطاعوا توفير قدر من الأمن لجميع إسرائيل. وكان وصل الأمر بهم إلى التبجح بالقول انهم وجهوا الى الفلسطينيين ضربات قاضية بحيث لم يعد بإمكانهم نتيجة هذه الضربات القيام بأي "أعمال إرهابية جديدة". اعتقال والد المهاجم وشقيقيه وكشفت مصادر عسكرية اسرائيلية ان منفذ العملية الاستشهادية هو محمود عمران القواسمي 20 عاماً من مدينة الخليل جنوب الضفة، مضيفة انه "ترك وراءه في مكان العملية رسالة مكتوبة بخط اليد، توضح دوافعه لتنفيذ ما قام به". وكانت مصادر أمنية اسرائيلية أعلنت في اعقاب العملية العثور على بطاقة هوية يعتقد انها تعود الى منفذ العملية. وفي ساعة متقدمة من ليل الاربعاء - الخميس، اقتحمت قوات الاحتلال حارة الشيخ حيث تقطن عائلة القواسمي، ودهمت منزل عمران القواسمي واعتقلته واثنين من ابنائه هما شادي وأحمد. ولفتت مصادر في المدينة ان الشهيد كان يدرس في قسم صيانة الحاسوب الكومبيوتر في جامعة بوليتيكنيك فلسطين في الخليل، ويُعتقد انه ينتمي الى حركة "حماس". وعلى رغم المجزرة، وبشاعة الدمار والدم الذي خلفته قوات الاحتلال في مخيم الثورة والانتفاضة الاولى، فإن الفلسطينيين في المخيم كانوا اكثر ثباتاً وتماسكاً من أولئك الذين جاؤوا اليه متعاطفين. واعلنت مصادر طبية ووزارة الصحة الفلسطينية ان 11 شهيداً سقطوا في المجزرة و147 اصيبوا بجروح مختلفة، عشرات منهم في حال الخطر الشديد. والشهداء هم: محمد شحدة البياري 60 عاماً، ونائل محمود ابو سيدو 20 عاماً، وايهاب نبهان 14 عاماً، وخليل ابو وردة 16 عاماً، وناجي ابو جليلة 16 عاماً، ومحسن عوض ابو عودة 30 عاماً، وحمدي عثمان عابد 18 عاماً، وثائر جبر ريحان 13 عاماً، و ما زال ثلاثة شهداء مجهولي الهوية. عمليات انزال و"قوات خاصة" وقال شهود ل"الحياة" ان قوات الاحتلال توغلت في طريق صلاح الدين الرئيسة التي تربط شمال القطاع بجنوبه قادمة من حاجز "ايرز" شمال القطاع حتى وصلت الى دوار زمو مدخل مخيم جباليا للاجئين من جهة الشرق، ثم تقدمت في اتجاه منطقة الجرن، وبعد ذلك الى عزبة ملين حيث يقع منزل عبدالكريم زيادة 55 عاماً بين بساتين البرتقال والليمون. واضاف الشهود ان عدداً من سيارات الجيب من بين 50 دبابة وآلية وسيارة عسكرية، سلكت الطريق الضيقة الى منزل زيادة. وقال ماهر 35 عاماً الابن الأكبر لزيادة ل"الحياة" ان قوات الاحتلال أرغمت والديه وإخوته وأخواته على الخروج من المنزل المكون من ثلاث طبقات قبل أن تزرعه بالمتفجرات وتنسفه، ما أدى الى تدميره تماماً وتدمير منزل عمه فّزان عبدالساتر ابو جاسر المجاور له. واضاف ان عدداً من جنود الاحتلال هبط بعملية انزال من مروحيات اسرائيلية كانت تحلق في سماء المنطقة، في حين وصل عدد اخر منهم بسيارات مدنية تحمل لوحات تسجيل فلسطينية، في اشارة الى "الوحدات الخاصة". واتهم قوات الاحتلال بسرقة حقيبة يد من شقيقته كانت تضع فيها "تحويشة" العمر من أموال ومصاغ ذهبية، وقدر الاموال بنحو 10 ألاف دينار اردني والمصاغ لثلاث من نساء العائلة بنحو 10 آلاف اخرى، في حين سرقوا من شقته الخاصة نحو 15 ألف دولار والاوارق الثبوتية لأولاده وعائلته، قبل ان يعتقلوا والده. واوضح ان قوات الاحتلال أجرت تحقيقاً مع افراد عائلته استغرق نحو ثلاث ساعات، تركز السؤال اثناءها حوله. وكان شقيقا ماهر سهيل ومحمد استشهدا في حادثين منفصلين، الاول في السادس من ايار مايو عام 2001، والثاني في 14 تموز يوليو من العام نفسه، في حين يقبع شقيقهم محمد دقي في سجن نفحة الصحراوي منذ نحو عام واحد، وجميعهم ينتمون الى "كتائب القسام"، الذراع العسكرية ل"حركة المقاومة الاسلامية" حماس على حد قوله. وتصدى مقاتلون لقوات الاحتلال ودارت اشتباكات مسلحة عنيفة بين الطرفين، وتدخلت المروحيات الاسرائيلية من نوع "اباتشي" الاميركية الصنع لتخفيف الضغط على قوات الاحتلال على الارض، فأطلقت ثلاثة صواريخ في اتجاه المقاومين والمواطنين الذين تجمعوا في عدد من شوارع المخيم وامام ابواب منازلهم ما ادى الى استشهاد عدد منهم وجرح عشرات اخرين. اعطاب دبابة خلال الاجتياح وفجر مقاتلون ومقاومون عبوات ناسفة في الطرق التي سلكتها الدبابات، ما ادى الى اعطاب احداها من دون ان تتمكن قوات الاحتلال من سحبها من منطقة تبعد عن منطقة الجرن نحو 500 متر، عندما اطلقت دبابة اخرى قذيفة نحو رجال المقاومة فأصابت مكتب محام وصالون حلاقة، ومخزن اثاث منازل واجهزة كهربائية، ما ادى الى احتراقه واحتراق البناية السكنية المكونة من ثلاث طبقات فوقه. وقال الشاهد حاتم 30 عاماً ل"الحياة" انه تم الاتصال برجال الدفاع المدني لاخماد الحريق، مشيراً إلى ان احدى الدبابات قصفتهم بقذيفة مدفعية اثناء محاولتهم اخماد الحريق وإلى جانبهم رجال الاسعاف وصحافيون، ما ادى الى استشهاد اربعة منهم واصابة عشرات آخرين من بينهم الصحافيان أحمد جاد الله خطيرة وشمس عودة متوسطة اللذان يعملان لوكالة "رويترز". وانسحبت الدبابات والآليات بعد نحو ثماني ساعات على اجتياح المخيم. وقالت وزارة الصحة ان اكثرمن 30 طفلاً اصيبوا بجروح في الاجتياح، فضلاً عن عشرات حالات الخوف والهلع في صفوفهم، مشيرة الى منع سيارات الاسعاف والمسعفين من الوصول الى أماكن الجرحى والمصابين. ووجهت الوزارة نداء إلى المواطنين للتبرع بالدم بسبب كثرة أعداد المصابين بشظايا قذائف الدبابات. من جهة اخرى، اعدمت قوات الاحتلال بدم بارد احد نشطاء حركة "الجهاد الاسلامي" اسامة محمد العسعس 26 عاماً من مدينة بيت لحم فجر امس. وقال شهود ان قوات الاحتلال دهمت منزله واعتقلته واقتادته مسافة لا تزيد على 30 متراً حيث اطلقت النار عليه واعدمته بدم بارد قبل ان تنقله الى مستوطنة "كفار عتصيون" القريبة. واقتحمت قوات الاحتلال بلدة سير يس جنوب مدينة جنين ونسفت منزل زيد الكيلاني من "كتائب القسام" المعتقل في السجون الاسرائيلية منذ نحو عام. وقال شهود ان قوات ارغمت ذوي الشهيد زكريا الكيلاني شقيق زيد على اخلاء المنزل قبل ان تزرعه بالمتفجرات وتنسفه بما فيه من اثاث وأجهزة. واضافوا ان اشتباكات مسلحة مع مقاومين فلسطينيين اعقبت عملية نسف المنزل وادعت سلطات الاحتلال ان قواتها عثرت على حزام ناسف في بلدة اليامون غرب جنين امس اثناء اقتحامها البلدة بعدد من الدبابات والآليات العسكرية. واعتقلت القوات ثلاثة مواطنين هم مراد نواهضة 26 عاماً، وجهاد نواهضة 17 عاماً، ومؤيد حوشيه 25 عاماً، وادعت في اعقاب عملية تمشيط انها عثرت على الحزام وكميات من الذخائر والاسلحة. واعتقلت قوات الاحتلال ثلاثة اشقاء في مخيم بلاطة في مدينة نابلس. وكانت قوات الاحتلال اعتقلت قبل عشرة ايام شقيقهم الرابع محمد دعبس. وفي قلقيلية نسفت قوات الاحتلال فجر امس منزل ابراهيم دحمس وحولته الى ركام، فيما لحقت اضرار جسيمة بعدد من المنازل المجاورة. وقال شهود ان قوات الاحتلال امهلت سكان دحمس المعتقل لدى اسرائيل دقائق معدودة كي يخليه قبل ان تزرعه بالمتفجرات وتنسفه.