تلقيت رسالة من القارئ أحمد الابراهيم تعليقاً على زاويتي في 25 آذار مارس سأردّ عليها هنا على طريقة: من قرع الباب سمع الجواب. القارئ يقول ان "عنوان" زاويتي كان "تحية لشعب العراق وجيشه"، ولا عنوان لهذه الزاوية في أي يوم، وإنما هو أول سطر في المقال. هذا تفصيل بسيط، غير ان القارئ يشاطرني تحيّة الشعب العراقي ويتحدث عن معاناته ثم يقول ان "نظامه الفاسد الذي يمثّل أسوأ الأنظمة الاستبدادية التي شهدها القرن العشرين..." طبعاً النظام العراقي سيئ، بل سيئ جداً، غير انه قطعاً ليس أسوأ أنظمة القرن العشرين، فهناك هتلر والنازية، وهناك بول بوت في كمبوديا والخمير الحمر، وهناك مجازر بوروندي، وأنظمة أخرى تفوق نظام صدام حسين سوءاً، مهما كان رأي القارئ فيه. وفي جميع الأحوال فنحن الآن في القرن الواحد والعشرين. القارئ يكمل قائلاً: "أنا اختلف معك أشدّ الاختلاف في شأن دعوتك الشعب والجيش العراقي للدفاع عن صدام، فهي دعوة للانتحار الجماعي...". متى قلت هذا وأين؟ يبدو من الرسالة ان صاحبها مثقف، الاّ انه على رغم ثقافته ترك تحامله يغلبه، فقد بدأت المقال بالقول حرفياً: "هذا الشعب يقاتل ببسالة اليوم دفاعاً عن كرامته وكرامة أمّته، ودفاعاً عن استقلاله، لا دفاعاً عن نظام مجرم أفقره وأجاعه وتركه عرضة لصنوف الأذى". وختمت المقال بالقول حرفياً أيضاً: ماذا كان حدث لو ان الشعب العراقي يدافع عن نظام يحبّه ويحترمه؟ لا أحتاج الى جواب ولكن أقول انني لا أزال أصرّ على ضرورة ذهاب نظام صدام حسين، بل ان سير الحرب زاد قناعتي بضرورة رحيله، فشعب العراق يستحق قيادة أفضل، قيادة حكيمة تدرك ان العين لا تقاوم المخرز". كيف يمكن ان أبدأ زاويتي بمهاجمة صدام حسين، وأن أختمها بالاصرار على رحيله فيأتي قارئ يقدّر انني أريد ان يدافع الجيش عنه، وأن هذا انتحار، وهو ما سجلته بنفسي وأنا أقول ان "العين لا تقاوم المخرز"، أي انني أدرك "عدم تكافؤ القوى" الذي يعتقد القارئ انه اكتشفه. الواقع ان مقالي الذي أثار غيظ القارئ كان عن العصابة الليكودية التي تقف وراء الحرب، وهي عصابة أصبح الأميركيون أنفسهم يتحدثون عنها، وكولن باول ينفي وجودها، غير ان القارئ تجاهل 90 في المئة من المقال ليعلّق على كلام لم أقله بما يناسب هواه. وكنتُ سأزيد، غير ان الأدب يمنعني، فأكتفي بتسجيل احتجاجي الشديد على تعمّد القارئ تفسير كلام واضح مباشر بعكس معناه. رسالة القارئ أحمد الابراهيم، وصلت بالفاكس من باريس، غير انني أكمل برسالتين بالبريد الالكتروني، بالانكليزية عن الموضوع نفسه. القارئ محمد سليم كتب ليشكرني على المقال نفسه، وليقول ان قرّاء كثراً سعدوا بقراءته، ثم ليطلب منّي ان أستمرّ في الكتابة عن مثل هذه القضايا. وهو يختتم رسالته بالقول: "نقطة أخيرة، لا أعتقد ان من المهم ان نكرّر كلامك ضد صدام حسين كل مرّة، ان مرّة واحدة تكفي. ان المشكلة ليست صدام حسين كما تعلم، وإنما المجرمون في الولاياتالمتحدة الذين يقولون انهم سيحتلون العراق حتى لو استقال صدام حسين". يا أخ محمد، هم مشكلة وهو مشكلة، وأنا أهاجمه كل مرّة وأطالب برحيله، ثم يطلع لي قارئ مثل الأخ أحمد الابراهيم ليقرأ بعين واحدة ما يريد. أما الرسالة الالكترونية الأخرى فكانت من القارئ حسن قبيسي الذي كتب يقول: "أعتقد انها مسألة وقت قبل ان يظفروا بك... ان فضحك العصابة الليكودية يجعلك هدفاً، وهم سيعتبرونك عبئاً... شخصياً حزنت لقولك انك قريب من سياسات الرئيس مبارك...". أذكر انني قلت شيئاً من هذا، الاّ انني أعتقد انني كنت أقارن بين الرئيس مبارك وغيره، ومع ذلك أبقى عند رأيي في الرئيس المصري، حتى عندما لا أوافق على سياسات معينة. على كل حال، رسالة الأخ وصلت بعد ان استقال ريتشارد بيرل من رئاسة مجلس سياسة الدفاع، وهو هيئة استشارية مستقلّة تنصح الوزارة، ما يعني ان العصابة الليكودية خسرت أحد رأسيها، وبقي ان يطير بول وولفوفيتز، نائب وزير الدفاع لتكتمل سعادتي. ولعلّ ايليوت أبرامز وديفيد وورمزر وجون بولتون ودوغلاس فايث وغيرهم وتكر السبحة. بصراحة، لا أخاف على نفسي من عصابة ليكود في الادارة الأميركية، فأعضاؤها ليسوا مجرمين عاديين من النوع الذي يحمل مسدساً. وإنما لهم طموحات تشمل سرقة بلاد بخيراتها، وما العراق إلاّ بداية. وهم بذلك يذكرونني بقول رئيس أميركي على ما أعتقد ان اللص يسرق من القطار، ولكن رجل الأعمال يسرق القطار كلّه. أريد ان أختتم بالقول انني أحاول جهدي أن أكون موضوعياً، وفي حين انني لا أتوقّع ان تعجب أفكاري كل الناس، فإنني أرجو ان تقبل أو ترفض بروح طيّبة، فليست عندي شخصياً قضية مع أحد أو ضد أحد، وإنما أجتهد، والله لا يكلّف نفساً الاّ وسعها.