يثير اندلاع المعارك في شمال العراق، وتقدم القوات الكردية في اتجاه مدينة كركوك الغنية بالنفط مشاعر قلق عميقة لا يستطيع المسؤولون الاتراك، على اختلاف انتماءاتهم، اخفاءها. وبعدما كانت المفاوضات التركية الاميركية التي تدخل فيها الرئيس جورج بوش اكثر من مرة سمحت الاربعاء الماضي ببلورة صيغة تفاهم مشتركة على تأخير موعد الدخول التركي الى شمال العراق، بدا وكأن الامور تعثرت محدداً بعدما رفض الاكراد صيغة الشروط التي حملها اليهم ممثل الرئيس الاميركي لدى المعارضة العراقية خليل زاده زلماي. وكان رئيس الاركان العامة التركي الجنرال حليم اوزكوك، اعلن الاربعاء الماضي، خلال جولة له على الجيش الثاني التركي المرابط على الحدود مع العراق، عدم نية انقرة الدخول الى كردستان العراق في الوقت الراهن، والاستمرار في التنسيق مع "شركائنا" الاميركيين قبل الاقدام على اي خطوة من هذا القبيل. الا ان موقف المؤسسة العسكرية التركية المستند الى الاتفاق الذي تم ابرامه مع زلماي، في اعقاب اربعة ايام من المحادثات، معرض للاهتزاز وربما التغيير، في ظل المعلومات التي رشحت عن رفض الجانب الكردي في اربيل الشروط التي تم اقرارها مع انقرة، والتي تحرم الاكراد من اخضاع كركوك والموصل لسيطرتهما، وتلزم القوات الاميركية بالامساك بزمام الامور فيها. واثار هذا الامر، وما قيل فيه عن رغبة اميركية في طلب مساعدات تركية اكبر في الحملة على العراق لتسهيل دخول جزء اساسي من المعدات والقوات الاضافية التي ستعزز بها واشنطن حملتها على بغداد، احساساً لدى المراقبين في العاصمة التركية بأن الموقف في شمال العراق ليس واضحاً بعد، وان متغيرات كثيرة قد تطرأ. ونفى مراد مرجان، نائب زعيم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، وجود طلبات حالية لفتح قواعد تركية امام القوات الاميركية. وقال ل"الحياة": "لم يطلب الاميركيون اي قواعد منا حالياً، وهناك اشاعات تروّج ومعلومات متناقضة في هذا الصدد". واضاف: "إعطاء القواعد ليس على جدول أعمالنا، ولكنني لا اعلم ماذا قد يحدث غداً". وكانت مصادر عدة تحدثت عن حض البنتاغون الادارة الاميركية على الطلب من تركيا فتح ثلاث قواعد رئيسية في البلاد، هي انجرليك ومالاتيا وباتمان، امام نزول القوات الاميركية لتسريع الهجمات على شمال العراق، وارسال عدد اكبر من التعزيزات البرية. وقال مراد: "هناك خطوط حمر وضعتها حكومتنا واهمها اننا لا نريد الدخول في اي حرب مهما كانت"، وان تركيا حددت موقفها للاميركيين ولجميع الاطراف المعنية على اساس "رفض حصول اي نشاط ارهابي حزب العمال الكردستاني على اراضيها وعدم تعرضها الى اي نزوح كثيف للاجئين وعدم وقوع اي تطور يزعزع الاستقرار في المنطقة". واضاف: "ضمن هذه الشروط فإن موقفنا من عدم الدخول الى شمال العراق واضح". وتبذل تركيا جهداً واضحاً لإرضاء مطالب القوات الاميركية والبريطانية، اذ سُجّل هبوط عدد من الطائرات المقاتلة التي اصيبت خلال هجمات على العراق في قاعدة انجرليك. كما استخدمت هذه القاعدة ايضاً لشن غارات جوية عدة، واستؤنف اقلاع طائرات "اواكس" المخصصة لقيادة العمليات الجوية ومراقبة الاراضي العراقية، وان حاولت السلطات العسكرية المحلية التعتيم على النبأ. وتوقعت مصادر تركية ان تشهد جبهة شمال العراق سخونة في الايام المقبلة. واكدت المصادر ان القوات التركية "تواصل حشد قواتها" على الحدود مع العراق لتكون جاهزة في حال تقرر الدخول الى المناطق الكردية المحاذية.