يوم الأحد الماضي سرقت أخبار الحرب في العراق، وأخبار الأوسكار كل الأضواء. وبدا كما لو أن هوليوود نسيت تماماً احتفالاً سينمائياً آخر يقام قبل 24 ساعة من حفلة الأوسكار كل عام. إنّها جوائز "سبيريتس" التي توزّع على الأعمال السينمائية المستقلة، تلك التي قلما تلقى اهتماماً من أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة الأوسكار. وهي مثل الأوسكار هذا العام، شملت الكثير من الإنتاجات وشهدت طغيان الأحداث السياسية على اهتمامات المحتفين والمشاركين على حد سواء. وفاز "بعيداً عن السماء" بجائزة أفضل فيلم وأفضل تمثيل نسائي جوليان مور التي كانت في عداد المرشحات لأوسكار أفضل ممثلة رئيسة، لكن الاختيار رسا على نيكول كيدمان وأفضل إخراج تود هاينز وأفضل تمثيل رجالي مساند دنيس كويد. و"بعيداً عن السماء" دراما تدور أحداثها في الخمسينات من القرن الماضي، وتقوم ببطولتها جوليان مور في دور زوجة تكتشف أن رجلها دنيس كويد يكن شعوراً حميماً مفاجئاً لأبناء جنسه... ووسط حال الإرباك التي تعيشها السينما الأميركية، لم يعد هناك فارق حاد بين ما هو مستقل وبين الإنتاج الهوليوودي التقليدي، فإن جوائز "سبيريتس" تبدو أكثر أهمية مما كانت عليه من قبل. أنشئت الجائزة عام 1985 للاحتفاء بسينما كانت ولدت في نهاية الستينات، وبقيت من دون بيت يقدر جهودها، ويمنحها التقدير الذي تستحقه. وفي إطلالتها الأولى لم تجد بداً من منح مارتن سكورسيزي جملة من جوائزها في مناسبة فيلمه الكابوسي الداكن "بعد الدوام". سكورسيزي، منذ ذلك الحين، أمسك بزمام أفلام أكبر حجماً آخرها "عصابات نيويورك" الذي دخل ترشيحات الأوسكار في عشرة أقسام وخرج صفر اليدين من كل قسم منها. وفي الأساس انطلقت جوائز "سبيريتس" لتكون نقيض الأوسكار، لكن السنوات الأخيرة شهدت تحوّلاً في معطياتها تجعلها تبدو كرديف أكثر منها كنقيض. وهذا التحوّل يعود الى أن السينما المستقلة ذاتها انتقلت بدورها من سينما بديلة، الى سينما رديفة تمشي بجوار تلك التي تنتجها هوليوود عوض أن تمشي عكسها. ومع تنامي الاهتمام بها، وجدنا ممثلين كباراً لا يترددون في التمثيل في أفلام "مستقلة" من جورج كلوني وجوليا روبرتس وبيلي بوب ثورنتون وجوليان مور ونيكولاس كيج. ايضاً وجدنا هوليوود تشتري شركات كانت قامت على أسس مستقلة وتترك لها الحرية في ما تنتج انما بمعية طواقمها من السينمائيين. كل ذلك، من ضمن أسباب أخرى، ردم الهوّة السحيقة بين النوعين او معظمها على الأقل، ولو أن الجوائز الممنوحة هنا لا تزال من نصيب تلك الأفلام التي لا تحظى بتقدير هوليوود او الأوسكار النابع منها. ومن بين الفائزين بجوائزها الكثيرة في السنوات الأخيرة: "بالب فيكشن"، "فارغو"، "مغادرة لاس فيغاس"، "درغستور كاوبوي" و"فيلق" أول فيلم أخرجه أوليفر ستون على نطاق واسع. الحفلة التي أقيمت كالعادة في خيمة كبيرة نصبت على شاطئ ضاحية سانتا مونيكا، أمتها مجموعة كبيرة من النجوم بينها أدريان برودي، هال بيري، ميني درايفر، ويليام ه. ميسي، دانيال داي -ل ويس، مات ديلون، هوب ديفيز، سيسي سبايسك وروبرت دوفول. وطغى حديث الحرب على الحفلة التي أقيمت ظهراً وليس ليلاً كما جرت عادة الاحتفالات المماثلة. وقد بدأت بأغنية قدّمها ألفيس كوستيللو دارت حول "السلام والحب والتفاهم" وحاجة العالم اليها. الذين اعتلوا المنصة لم يظهروا التناقض في الموقف السياسي الذي ظهر في حفلة الأوسكار، فكلهم كانوا ضد الحرب وضد بوش، وكاتب السيناريو مايك وايت قال: "لنخصص جزءاً من روح المناسبة هذا العام لإخراج بوش من الرئاسة". حتى دون هدسون رئيس جمعية "اندبندنت فيلم بروجكت"، التي ترعى المناسبة، طلب من معتلي المنصة التعبير عن مواقفهم. وقرأ الممثل دون شيدل شوهد في فيلمي ستيفن سودربيرغ "أوشن 11" و"تهريب" رسالة مجلس إدارة الجمعية الراعية التي حثّت بدورها على استخدام حق التعبير لسؤال "القادة حول دوافعهم وأفعالهم". مايكل مور، المخرج التسجيلي الذي فرقع حفلة الأوسكار صارخاً "عار عليك يا بوش، عار عليك" نال أيضاً "سبيريت" عن الفيلم ذاته المحتفى به "باولينغ فور كولمباين" واستغل وجوده ليعقد مقارانة بين فيلمه المعادي للعنف ولأسبابه وبين الحرب الدائرة في العراق. ولم تتوان جوليان مور، التي لم تتح لها فرصة الصعود الى منصة الأوسكار في الليلة التالية، عن التصويت ضد الحرب إذ أعلنت وهي تمسك بجائزتها: "علينا أن نعلم اطفالنا ألاّ يحاربوا". دنيس كويد الذي لعب دور الزوج المسلوب عاطفياًعلى حين غرة، كان أغفله الأوسكار من الترشيحات أساساً ليجد عزاءه في هذه المناسبة اذ خرج بجائزة سبيريت لأفضل تمثيل مساند. أما بقية الجوائز المهمة فتوزعت على النحو الآتي: أفضل تمثيل رجالي: ديريك لوك عن "انطوان فيشر" اخراج دنزل واشنطن، أفضل تمثيل نسائي مساند لإميلي مورتيمر عن "جميل ومدهش"، أفضل بطولة جديدة لنيا فاردالوس عن "عرسي اليوناني الكبير"، أفضل سيناريو لمايك وايت عن "الفتاة الطيبة"، أفضل فيلم أجنبي "وأمك ايضاً" لألفونسو كوارون المكسيك.