Laurent Cohen-Tanugi. Les Sentinelles de la Liberte. حراس الحرية. Odile Jacob, Paris. 2003. 214 pages. "كان اسلوب الرد على الخطر العراقي في خريف 2002 من الاسباب الرئيسية التي زادت من حجم التباعد الاميركي الاوروبي". انها الجملة الاساسية التي تفسّر اهمية سياق صدور كتاب في عز التوتر الفرنسي الاميركي بسبب تصادم تصور عاصمة الانوار وموليير وديغول مع مثيله في واشنطن صانعة الخير ضد الشر، كما يحلو لبوش الابن القول في كل المناسبات الممكنة مند الحادي عشر من ايلول سبتمبر. في كتابه هذا يدافع الكاتب لوران كوهان تنوغي، اليهودي المولود في تونس، عن اميركا في علاقتها مع اوروبا العجوز متخفيا تحت رداء تحديات القرن وعلى رأسها الارهاب الاسلامي الاممي والانظمة العربية الديكتاتورية المالكة لاسلحة الدمار الشامل والتهديد للأمن والسلام العالميين. ويعلن كوهان تنوغي - المتخصص في الشؤون الاوروبية والاميركية والعضو المؤسس لمعهد "اوروبتنا" الى جانب جاك ديلور - عن حتمية تحمل واشنطن مسؤولياتها العالمية بوعي وتبصر، وذلك بعد ان رد على من اسماهم ب"محترفي الدعاية الاعلامية للطلاق الاميركي الاوروبي" الذين يقفزون على الارث التاريخي الجامع: بين فرنسا اللغة والتاريخ والثقافة، واميركا الحماسة والكرم والأمن، قاصداً فضل اميركا على اوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، ما يدفع كل المحظوظين الذين جايلوه الى محاولة الحد من فساد العلاقات التي تربط اليوم بين اوروبا واميركا. وكوهان تنوغي يرفض مبدئياً فكرة شيطنة واشنطن التي زرعت في نفوس "ابنائنا واحفادنا الذين شاهدوا كارثة الحادي عشر من ايلول بعد عودتهم من المدرسة، والذين لا يعرفون عن العلاقات اليهودية العربية الا عنف الانتفاضة والولايات المتحدة الاميركية والكاريكاتير الاعلامي المرسوم عن قوة عظمى تحتقر البيئة وحقوق الانسان وتطبق عقوبة الاعدام". ولنلاحظ اللغة السيكولوجية المدروسة وكيف ربط العنف بالانتفاضة فقط ولم يذكر وحشية شارون. فالقارة القديمة او العجوز - التعبير العزيز على رمسفيلد - تناست، في تقدير كوهان تنوغي، بسرعة مبدأ التضامن مع واشنطن، والكاتب ينتقد دعاة الترويج للطلاق الايديولوجي الاوروبي الاميركي على طريقة اوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي السابق وصاحب مقولة القوة المفرطة. وقد عبر الوزير الفرنسي عن ذلك في مقال نشره في "لوموند" قائلاً انه حان الوقت للاعتراف بأن القرابة الاوروبية الاميركية لا تمنع من التأكيد على ان القيم المشتركة الجامعة بين القارة القديمة والعالم الجديد لا تخفي مقاربة اوروبا الخاصة للعلاقات الانسانية والاجتماعية، وان الصداقة الاميركية الاوروبية يجب ان لا تصطدم بضرورة المشاركة الاوروبية المستقلة في بلورة النظام الدولي. وخلافا لاوبير فيدرين الذي يحمّل اميركا مسؤولية الانفراد بتصورها للعالم - كما تؤكده الازمة الفرنسية الاميركية من المسألة العراقية - يركز كوهان تنوغي على سلامة التصور الاميركي للامن العالمي الذي لا يمكن ضمانه دون واشنطن في ظل عجز الاوروبيين عن ضمان دفاعهم الذاتي بشكل مستمر، وهذا على الرغم من حملهم شعار اوروبا الاوروبية. وتأكيداً منه لعلاقة كتابه بسياق الحرب الاميركية ضد العراق، توقف الكاتب عند ما اسماه عدم تماثل الموقفين الاميركي والاوروبي حيال الازمة العالمية التي تعصف بالمجتمع الدولي في هذه الايام العصيبة، مذكّراً بأن "حال الحرب والارهاب غير المسبوق يشكلان خطراً لم يقابَل بنفس المعالجة. فواشنطن تدعو الى سياسة امنية تتطلب اللجوء الى القوة بشكل آحادي وانفرادي تجسيدا لحاجة وقائية في الوقت الذي تلح عواصم اوروبية كبرى - برلين وباريس وبروكسل - على البعد السياسي والاقتصادي والديبلوماسي التعددي". وعلى الرغم من طرحه مقاربتي واشنطن واوروبا في قالب يبدو ظاهريا موضوعياً ومجرداً من خلفية ناطقة بذاتية واضحة، أنهى تنوغي كتابه بدعوة الطرفين الى مزيد من الجهد تحت وطأة التضامن المفروض عليهما نتيجة تحديات القرن التي تهددهما، اي الارهاب الاسلامي العالمي والانظمة الشمولية الديكتاتورية: "ان الاضطراب الخطير الاخير الذي عرفه النظام الدولي يفرض على اميركا واوروبا تجاوز الخصومة والتصورات المتنافرة لعدة مسائل. لقد جاءت ساعة التكامل بين اوروبا أقوى واميركا اكثر انفتاحا، علما ان القارة القديمة غير قادرة اليوم على مواجهة قلاقل واضطراب العالم دون اميركا الضامنة لاستقراره شئنا ام ابينا". بعد جان فرنسوا ريفال والان مينك، ها هو الرئيس جورج بوش يحظى بتأييد مثقف يؤمن ب"دَين" اميركا مغيّرة احوال البلاد والعباد بالحرب والديموقراطية والحرية في آن، من اجل مصلحتها فقط.