طالب وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين الولاياتالمتحدة ب"التحلي بحس مسؤولية يوازي قوتها في مجال السياسة الخارجية، نظراً الى ان قوتها استثنائية"، ويشكل كلام فيدرين امام المجلس الوطني الفرنسي فصلاً جديداً في التلاسن الاميركي - الفرنسي، واصراراً من باريس على موقفها المحذر من خطورة سياسة اميركية تعتبرها الأوساط الرسمية الفرنسية "تبسيطية". وكانت الانتقادات الاميركية التي وجهت الى فيدرين، سواء من نظيره الاميركي كولن باول أو من الرئيس الاميركي جورج بوش بأن "البخار صعد الى رأس" الوزير الفرنسي، مثلت في نظر باريس نوعاً من التحذير لبقية الدول الأوروبية التي أبدت تذمرها من "تفرد" الديبلوماسية الاميركية و"أحاديتها". وكان انتقال الانتقاد من فيدرين الى نظيريه الالماني يوشكا فيشر والبريطاني جاك سترو أثار حنق الاميركيين. اذ طالب الأخيران بأن تتعامل واشنطن مع حلفائها الأوروبيين بتشاور وحوار فعليين في شأن توسيع الحرب على الارهاب. وعبر فيدرين عن ذلك في حديث اذاعي أول من امس قال فيه ان دول الاتحاد الأوروبي "تتمنى شراكة مع الولاياتالمتحدة مبنية على ان تعتبر الولاياتالمتحدة حلفاءها شركاء لها وان تلتزم إدارة شؤون العالم بشكل متعدد الشراكة". وقالت مصادر فرنسية مطلعة ان المواقف تعارضت بين أوروبا واميركا منذ ما قبل 11 ايلول سبتمبر في عدد من المجالات، واعتبرت ان الخلاف الراهن ليس فرنسياً - اميركياً وانما هو "أوروبي - اميركي" وهذا ما أثار قلق الاميركيين. وكشفت أوساط فرنسية مسؤولة ل"الحياة" ان رسائل فرنسية عدة الى الادارة الاميركية سبقت الانتقادات لفيدرين، كما جرت اتصالات ومحادثات خاصة بين الجانبين لتنبيه واشنطن الى "خطورة" سياستها، "إلا ان الشعور بعدم تأثير هذه الرسائل والاتصالات في تغيير النهج الاميركي أدى الى الانتقاد العلني" الذي قام به فيدرين. وأضافت هذه المصادر ان جميع الأوروبيين يشاركون فيدرين الرأي "ولكن ليست لديهم الشجاعة كي يقولوا علناً ما يفكرون فيه ضمناً" بشأن السياسة الاميركية. وتختلف فرنسا مع الولاياتالمتحدة في ما تعتبره "نهجاً تبسيطياً" هدفه تبرير اللجوء المفرط الى استخدام الوسائل العسكرية. وتعطي المصادر الفرنسية أمثلة على أخطاء السياسة الاميركية في ما يحصل في الشرق الأوسط، "ففرنسا مستاءة من نهج عقيم لا يسعى جدياً الى وقف العنف ولا يقدم أي بداية لحل سياسي يعيد الطرفين الى المفاوضات. واذ تضغط واشنطن على عرفات ليقوم بجهود لوقف العنف فإنها نسيت كلياً ان تضغط على شارون كي يساهم بدوره في التهدئة". ومن الأمثلة ايضاً ان فرنسا رفضت منذ البداية الضغط على لبنان في شأن "حزب الله"، واكدت المصادر ان باريس ابلغت الادارة الاميركية "ان ضغوطها هنا ليست في مكانها، فالقرار بالنسبة الى حزب الله قرار سوري، وتربط الولاياتالمتحدة بسورية علاقات تعاون وصداقة، وسورية ابدت تعاوناً كاملاً في ما يتعلق بمكافحة الارهاب". وبقي الخلاف المهم حول التهديدات بضرب العراق، اذ اعتبرت فرنسا ان ليس في مصلحة الولاياتالمتحدة ان تقوم بعملية عسكرية ضد العراق "لأن ذلك لا يخدم استقرار المنطقة ويخلق المزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة. وفرنسا تؤيد مطالبة صدام حسين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن واعادة المفتشين الدوليين، لكنها لا توافق على ما ابلغتها اياه الادارة الاميركية من انها تريد دفع صدام حسين الى ان ينفذ كل ما يُطلب منه وإلا ينبغي التخلص منه".