تعتبر مراقبة الحركة على الطريق الصحراوي بين بغدادوعمان من أفضل الوسائل لمعرفة التطورات على الأرض في المنطقة وإلى أي مدى وصلت خطورة الوضع واقتراب موعد اندلاع الحرب. فطريق بغداد - عمان يشهد هذه الأيام حركة كثيفة تجعل من يتأملها قادراً على الخروج باستنتاجات ذات دلالة بالنسبة الى الشأن العراقي. ويبرز بين المسافرين الفارين من الحرب المتوقعة، عدد من موظفي الأممالمتحدة ورجال السلك الديبلوماسي الأجنبي في بغداد وعائلاتهم، فيما يضم جمهور المسافرين إلى العاصمة العراقية عدداً من الصحافيين بحثاً عن قصص ولقطات مثيرة. ونقلت صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" الأميركية عن مسؤول في الأممالمتحدة التقته عند معبر الرويشد على الحدود الأردنية مع العراق، أن الأممالمتحدة بدأت إجلاء موظفيها العاملين في العراق وعددهم 900 شخص بهدوء وفي شكل تدريجي، ولم يبق منهم سوى مئة موظف. وموظفو الأممالمتحدة هم من جنسيات مختلفة بينها الكندية والبنغالية والباكستانية والأثيوبية وغيرها. ولاحظ مراسل الصحيفة أن طائرتين عسكريتين أميركيتين للمراقبة الإلكترونية تابعتين لسلاح البحرية من طراز "أي إي 6-بي" حلقتا فوق الرويشد في شكل دائري، مثيرتين تساؤلات عن المكان الذي انطلقتا منه، ومغذيتين إشاعات تناقلتها وسائل الإعلام عن أن القوات الأميركية ستستعمل الأراضي الأردنية كنقطة إنطلاق للحرب على العراق. ومن الأمور المميزة على طريق عمانبغداد الذي يشكل شريان حياة رئيسياً للتجارة بينهما، وممراً تتهم السلطات العراقية باستخدامه في "التجسس"، ان المسافرين والمقيمين على طرفيه يتحاشون الحديث مع الغرباء ويرفضون الرد على أسئلة الصحافيين الفضولية. وضمن الشاحنات التي كانت متجهة إلى بغداد، واحدة محملة ثماني سيارات "مرسيديس" فاخرة جديدة، ما يوحي بأن العراقيين ليسوا جميعهم تحت تأثير كابوس الخوف من الحرب. ويغذي هذا الاعتقاد الأسلوب الذي يتعامل به الموظفون العراقيون على نقطة العبور الذين يستقبلون المسافرين بهدوء ويقدمون لهم أكواباً من الشاي أثناء انتظارهم انتهاء المعاملات الرسمية. وسأل مواطن عراقي قدم نفسه كموظف في وزارة الخارجية عدداً من الصحافيين الأجانب كانوا في طريقهم إلى بغداد بلهجة ساخرة "ما رأيكم هل سيهاجمنا الأميركيون أم لا؟" وعندما أجابوه بأن الضربة آتية قال مستهزئاً: "سمعنا مثل هذا الكلام كثيراً في الماضي". ولم يشاهد عند الحدود العراقية مع الأردن سوى نفر قليل من العسكر العراقيين، ما يشير إلى أن القيادة العراقية لا تولي مثل هذه المنطقة أهمية أمنية خاصة وكذلك للمناطق الأخرى الممتدة على طرفي الطريق العريض الذي شقته لحساب الحكومة العراقية شركة ألمانية في مطلع الثمانينات. ويبلغ طول الطريق بين بغداد والرويشد 350 ميلاً تتوسطه نقطة استراحة تمكن المسافرين أن يحتسوا الشاي والقهوة فيها أو شراء مرطبات وفواكه ومأكولات أخرى خفيفة وسريعة من أبناء المنطقة. ويقول عليم الصافي أحد الباعة العراقيين في الاستراحة التي يطلق عليها "المنطقة 160": "لا أحد يقدر على محاربتنا. والأميركيون لن يأتوا. فلأي سبب سيفعلون ذلك"؟ وعلى رغم التوتر في المنطقة واحتمال تسلل رجال "كوماندوس" أميركيين إلى العراق في مهمات عسكرية خلف الخطوط الأمامية، كان الطريق إلى بغداد خالياً من نقاط تفتيش عراقية، فيما كانت مجموعة صغيرة من الجنود عند نقطة الاستراحة متحلقة حول كومة حطب أضرمت فيها النار طلباً للدفء.