"ضميري مش مرتاح / وقلبي مش مرتاح/ حاسس اني ضايع / ومضيع المفتاح.../ إحساسك بمحلو يا بيي / إحساسك بمحلو/ وعن إذنك بدي قلو / بنتك صارت صبيي/ إيه يا بنتي لما زغيري كنت / خبيتك تحت جناحي خبيتك ترتاحي وكبرتي / هلق صرتي إنتي جناحي". بهذه الكلمات بدأ الفنان القدير وديع الصافي حواريته الغنائية مع المطربة نجوى كرم. انها اجتماع بين صوتين كبيرين من حيث المساحة والطبقات أرجعتنا الى سنوات مضت كنا نعتقد انها لن تعود أيام نصري شمس الدين وفيروز وصباح والرحابنة زمن الحوار الجدي والمجدي والموجه الى قضية ما أو قصة تعالج قضية ما. في دويتو "وكبرنا" أسلوب غنائي حواري يدخل القلوب بين أب يحدثه حدسه الأبوي عن عذاب إبنته ولوعتها فتشتكي له وجعها النفسي وعذابها الأليم: "صعبي وحدي كفي الدرب / أخدوا مني فرح الحب/ خطفوا مني قلب القلب / وسرقوا مني الضحكي". فيرد عليها: "مش عم صدق شو عم بسمع/ حاسس قلبي بلش يدمع". وتبدأ المناجاة بينهما في حوار أكثر ألماً: "أخذوا صوتي لمين بغني/ خطفوا لون دموعي مني/ حرموا عيوني تبكي ساعدني يا بيي". ولكن الإطمئنان والأمان يعطيهما لها بكلماته: "رح ترجعلك الضحكي / وأيام الهنا/ وعنك مشرح إتخلا / ولا دقيقا أنا". فالأمان لم تجده البنت "نجوى" إلا بكلمات والدها "وديع" فردت عليه: "ما كان عندي شك / يا بيي/ إنو إذا حكينا / أخدنا وعطينا/ رح إفهم عليك / ورح تفهم عليي" نجد في البعد الحواري بعضاً من مآسي الصبايا عندما لا يجدن من يشتكين اليه فلا يكون إلا حضن الوالد الحضاري الواعي حصناً منيعاً في وجه عواصف الأيام الصعبة التي تشق جوارح الأبناء عندما يكبرون ويجدون ان مسؤولية الحياة باتت صعبة عليهم فيستنجدون بمن هم أكبر خبرة وأكثر دراية وأهم ثقة. وكأن الشاعر عصام زغيب يريد توجيه رسالة الى كل الأبناء ليتوجهوا نحو الحصن المنيع "الأهل" كونه الملاذ الوحيد الصادق في الحياة، وتأكيداً لهم ان لا حب ولا أمان إلا بحب الأهل قبل حب الغريب الغادر الذي قد يطعن عندما تذهب الثقة ولا يبقى في الدنيا سوى بعض الكلمات الجارحة. و"كبرنا" تجربة غنائية جديدة، وقد يصح القول فيها أنها "دويتو" حقيقي بين مطربين بعيداً عن موجة الغناء الحديث في هذا النوع، وإثباتاً ان العصر الحديث يستوعب الكلمات الصادقة والموسيقى الحقة بعيداً عن الصخب وضوضاء الايقاعات الرنانة التي تخفي معنى الكلمة مهما كانت صادقة، فقد أضفى لحن انطوان الشعك جواً من المصداقية على الكلمات التي رافقته ولم يخفِ تعابيرها بصخب الأنغام بل تناغمت مع أداء مطربين متميزين التقيا بقوة الصوت وجمالية النبرة واتقان الغناء في قالب فني يهز الأعماق متوجهاً نحو العقل المنفتح ليكون حضارة في التعاطي بين الجيلين. قد يعتبر البعض ان إنتاج "وكبرنا" من شركة روتانا للمرئيات والصوتيات جاء ليرفع من شأن المطربة نجوى كرم أكثر في الساحة الفنية بعدما لاقى شريطها الأخير "تهموني" تراجعاً عن سابقه "عاشقة" الذي نال المراتب الأولى في الأسواق العربية وبورصة الأغاني لفترة طويلة، علماً ان نجوى كرم صاحبة تاريخ طويل في النجاح الذي لم يتأثر ببعض الهبوط احياناً، فهي مطربة متمكنة من الأغنية أداءً وحضوراً واستطاعت خلال سنوات تعتبر قليلة جداً - قياساً بتاريخ الفنان القدير وديع الصافي - من إثبات قدراتها الفنية لتكون عملاقة لأجيال مقبلة وعبرة للمطربات اللواتي يتمثلن بها، كما هو الفنان وديع الصافي قدوة لجيل المطربين الشباب. فلو لم تكن نجوى كرم تلك المطربة التي حظيت باعجاب وتقدير عملاق الغناء في لبنان والعالم العربي لما أعطاها الدفع ورفعها الى مقام قريب إليه، والمعروف عن وديع الصافي انه فنان يقدر المواهب ويعطيها الدفع بمجرد ثنائه عليها فهو يولي ثقته الى من يستحقها حتى لو لم يكن الطرف الآخر مهماً في نظر الآخرين، وله نظرة الى أصحاب الأصوات الجميلة ويعرف كيف يميزها بين العدد الهائل من المغنين الذي يولد يومياً في عالمنا. وإن لم يكن هناك لجان تقويم للأصوات يبقى تقويم وديع الصافي هو الأجدى والأهم. في حوارية "وكبرنا" نلمس فناً حقيقياً يعيد الثقة الى نفوسنا كمستمعين بأن الفن الغنائي لا يزال "بألف خير" وان الغربال بدأ يعمل ليصفي الشوائب الفنية التي تجتاح أسماعنا عبر التجارة الفنية في بعض المرافق الفنية وهي كثيرة.