الناظر والمتأمل في احوال الطرب ومكنوناته في السنوات القليلة الماضية، يلاحظ كيف ان المطربين والمطربات الجدد يتعاملون او يتعاملن بحماسة مفرطة مع "الدويتو" كما لو انهم يكتشفونه للمرة الاولى، مثلما تعاملوا مع "الفيديو كليب" وكأنه سوق لعرض السيارات الفارهة والقصور الفخمة والطائرات الخاصة، ومن دون الاخذ في الاعتبار انه فن وله معاييره. "الدويتو"، وهو حوار غنائي بين صوتين في تعريف اهل الفن، ظاهرة قديمة لها تاريخها وروادها كان المخرجون يستعملونها لاضفاء "الشعبوية" على الافلام. فعبد الحليم حافظ التقى شادية في اكثر من اغنية منها "تعالي اقولك، حاجة غريبة" كان هو يناجي ويبدو جسده هو الذي يغني، وهي الفتاة اللعوب القريبة الى القلب من خلال صوتها. فريد الاطرش ايضاً التقى شادية في اغنية "يا سلام على حبي وحبك" كان هو يظهر وحشته واحتضاره الداخلي وهي الفتاة الطريفة. عبدالوهاب غنى مع اسمهان في "مجنون ليلى" وكان شارك ايضاً راقية ابراهيم في اغنية "حكيم عيون". ومن خلال الاغاني المذكورة، يبدو ان "الدويتو" كان احد العناصر الجاذبة في السينما القديمة في مصر، اما في لبنان، فكان حضور "الدويتو" جميلاً على المسرح. وقد اولى الرحابنة في اعمالهم المسرحية الغنائية اهتماماً بالغاً بهذا النمط الغنائي، فشاركت فيروز وهي صوت الرحابنة مع وديع الصافي ونصري شمس الدين في مجموعة من الحواريات الغنائية المصحوبة بالدبكة او التي عكست المناخات الريفية الجبلية، وكانت مرآة لغزل الاحبة عند حوافي الينابيع وهدير الطواحين وتحت الاشجار. صباح كانت اجتمعت مع وديع الصافي في بعلبك، وهذا الاخير غنى مع نجاح سلام التي اعتزلت الفن ومع سهام الصافي القليلة الشهرة، وهو ظهر في الفترة الاخيرة مع الاسباني خوسيه فرنانديز الكثير الظهور مع الفنانين في لبنان والذي يحلم بالغناء مع فيروز ومثله كُثر. أما الظاهرة اللافتة في "الدويتو" في الستينات والسبعينات من القرن الماضي والتي لم نعد نسمع اغانيها في الاذاعات، فهي ظاهرة محمد جمال وطروب وهما كانا ثنائياً في الزواج والغناء... ليس مرادنا التأريخ لمسار "الدويتو"، بقدر ما نتوخى التأمل في ظاهرته في هذه الايام مع طرح السؤال اي مطرب او مطربة يستفيد من الآخر في "الدويتو"، لا شك في ان اهل الطرب تحكمهم النرجسية الى جانب الشركات التي يشتغلون لمصلحتها، لكن النرجسية تجعل من كل مطرب يقول عن نفسه "انا او لا احد". حين ظهر كل من وائل كفوري ونوال الزغبي في اغنية "مين حبيبي انا" قال البعض انهما يقلدان فيروز ونصري شمس الدين مع فارق المستوى بالطبع لكن اللقاء الغنائي لم يدم طويلاً فسرعان ما دب الخلاف بين نوال المتكبرة وهذا حقها الطبيعي، ووائل الذي قال في احاديث صحافية انه خفض طبقات صوته ليفيد نوال، وهو لم يغن معها الا بطلب من مدير اعماله سيمون اسمر، وهذه ايماءة جلية الى رهان الشركات الفنية على "الدويتو" كنمط غنائي جاذب للمستمعين. أليسا تبدو اكثر حماسة ل"دويتو" من غيرها، فهي ظهرت ثلاث مرات، الاولى مع المغني الاسباني جيرار في "بدي دوب" في "فيديو كليب" بدت فيه متجهة نحو عالم الاثارة من خلال الشرشف الابيض الذي صار ميزتها. المرة الثانية مع راغب علامة في اغنية "بتغيب بتروح"، وتعترف أليسا التي تقول عن نفسها انها "كاريزمية" وان "الدويتو" مع راغب ساعدها كثيراً كونها تحتاج الى الشهرة، وها هي تستفيد في المرة الثالثة من كريس دوبورغ في اغنية "ليالي لبنانية". سميرة سعيد وشاب مامي في "يوم ورا يوم"، والكاسيت تضمن علامة "شكراً" للشاب مامي على مشاركته. وهذا الاخير نال شهرة واسعة في مجال موسيقى "الراي"، وان بقيت مشاركته الفنان العالمي ستينغ غناء "وردة الصحراء" سبباً اساسياً في عالميته. والحال ان سميرة سعيد تهجن تعولم اغنيتها "بالراي" لتكون حاضرة في اكثر من جهة. والامر نفسه في اغنية "ناري ناري" للمطرب هشام عباس الذي اشتركت معه مغنية هندية لم نحفظ اسمها. وهناك اغنية "عينك" لأمل حجازي وفوديل وكذلك اغنية "وان كان عليَّ" لعاصي الحلاني مع المطربة الصاعدة غريس ديب، وصولاً الى غناء حنين مع الفرقة الكوبية وطوني حنا مع فرقة الغجر اليوغوسلافية التي اطلقت موسيقى "اندرغراوند" للمخرج العالمي اميركوستاريكا. والحق ان هذا النمط الغنائي السائد بكثرة في هذه الايام يأخذ الى خلاصة مفادها ان "نجوم الطرب" يستفيدون من خلال تعاونهم مع المطربين الاجانب ويستفيدون من بعضهم بعضاً. وهذا من ثمار التهجين وهو اتجاه موسيقى عالمي غايته دمج انواع الموسيقى ولغات اغانيها المختلفة من غير اغفال القديم والتقليدي منها.