اذا سقط النظام العراقي ينكشف كاتب رواية "عالم صدام حسين" التي تصدر منتصف هذا الشهر عن "دار الجمل" في ألمانيا، وإذا لم يسقط سيبقى الاسم المستعار على غلاف الرواية: مهدي حيدر. ويصرّ الناشر الشاعر خالد المعالي على كتمان الاسم الحقيقي للمؤلف لأن عقداً قانونياً يمنعه من ذلك، لكنه بعد الالحاح والمداورة يقول إن الرواية بقلم "كاتب عربي مرموق". "عالم صدام حسين" سيرة ورواية في آن. في احداثها دقة وتفاصيل تطاول المسار المتعرج والخطر لحاكم العراق، منذ نشأته في قرية شويش البائسة يتيم الأب يعاني قسوة زوج أمه، وحتى تحرير الكويت والهزيمة التي سماها "أم المعارك". وفي أطراف احداث الرواية استطرادات تخييلية نابعة من الحدث ومأسويته وقسوته التي لا تحتمل مع شيء من الفنتازيا. وهي تختلف عن سير روائية لصدام حسين كتبها أنصار مثل عبدالأمير معلة "الأيام الطويلة" وعادل عبدالجبار مجموعة روايات من بينها "موطن الأعاريب"، كما لا تشبه روايات للعراقيين زهير الجزائري وفاضل العزاوي وللجزائري واسيني الأعرج تستبطن الرئيس العراقي في نقلها تيمة الديكتاتور في الأدب الأميركي اللاتيني. في القرية "تتسرب طبيعة الشوك الى خلاياه، الى لحمه وعظامه ودمه. ولئلا تؤلمه عضات الذئاب وعدوانية البشر، كان عليه ان يربي جلد تمساح فوق جلده. يعلم ان مهمات أخرى صعبة تنتظره في أيام آتية: عليه الاستعداد. العالم يعج بالضواري". العزلة الأولى والحذر والشعور بأن العالم غابة حقيقية أحاسيس حملها صدام حسين من قريته البائسة الى تكريت وبغداد ودمشق والقاهرة، ثم الى بغداد أخيراً يسكن فيها متخفياً وظاهراً، سجيناً وحراً، حزبياً ووحيداً في الحزب. حذره الأول من أهله الأقربين ثم من العسكر، وحدود الثقة عنده ضيقة جداً، يرى عمل الفريق محدوداً، تماماً مثل انطلاقاته من مخابىء الحزب للاغتيال وللسيطرة على التظاهرات. وليس من علاقة دائمة لصدام حسين عدا اثنتين، مع زوجته ابنة خاله ساجدة، ومع أحمد حسن البكر الذي حارب باسمه ووصل باسمه الى القمة ثم أسقطه من المشاركة بصمت. صعود صدام حسين في العراق صعود لحزب البعث هناك. مهّد الرجل للحزب الاستيلاء على الحكم وأجبر الحزب على ان يكون مجرد قاعدة في خدمته هو، حاكم الحزب وحاكم العراق في آن. رجل الاغتيالات صدام حسين في الرواية، هادئ يخفي جحيماً، وقائد للناس يسأم من الناس، وحزبي يضيق بالحزبيين خصوصاً المهرة في الكلام. أتاحت له الظروف ان يتسلق جثثاً ليصل. كان ذلك قانون السياسة العربية "الثورية" في عصره، وقد تعلم هذا القانون جيداً وشذبه من الزوائد وطوّره، وتجاوز أخطاء غيره، فلم يشرك بحسه الأمني المرهف فكراً ذا وقار أو عاطفة قريبة الى القلب أياً كانت اهميتهما وحميميتهما. وصدام حسين قمة النموذج الثوري العربي الذي ضاع وضيّع المشرق العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، يحضر في الرواية وتحضر معه ظلال اشخاص مثل "الحيوان الأمني" ناظم كزار، و"رجل الضجر" عبدالرحمن عارف، اتعبته الرئاسة وارتاح كصاحب مطعم في اسطنبول، وعبدالرزاق النايف الباحث في عواصم العالم عن ملكه الضائع والمنتهي قتيلاً، وعزيز الحاج الذي يتخيل مؤلف الرواية حادثة اغتيال له في باريس، هو المقيم الآن فيها مع هواجسه. وهناك مع ظلال الشخصيات الحقيقية اشباح ترمز الى ماكينة النظام الصدامي تطحن أعداءها في الداخل وعبر الحدود. "في شتاء 1968 أعلن عن مؤامرة صهيونية ايرانية لبنانية وبرز بين المحرضين إسما كميل شمعون وهنري فرعون. وخطب وزير الارشاد عضو مجلس قيادة الثورة صلاح عمر العلي في الجماهير فيما الريح تتلاعب بالجثث المعلقة ذات الأعناق الممطوطة". الرواية "عالم صدام حسين" تفتقد حضور العراقيين كشعب، تراهم كمبنى يتاخم الرصيف أو كشجرة في حقل، كائنات جامدة أو خرساء، وفوق هذه الكائنات يقتل المحترفون بعضهم بعضاً، في انتظار خلاص العراق من لعنة يمكن تشبيهها فقط بفواجع المسرح اليوناني القديم.