أعلن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ان ادارة الرئيس جورج بوش تسعى الى بناء "أكبر تحالف في تاريخ البشرية" يضم نصف دول العالم تقريباً، مشدداً على ان "الفرصة الوحيدة لحل سلمي هي ان تظهر الأمم الحرة استعدادها لاستخدام القوة اذا اقتضت الضرورة، وأن يكون العالم متحداً، ومستعداً للتحرك". وحذر المانيا وفرنسا المعارضتين للحرب من أنهما "قد تجدان نفسيهما معزولتين بدلاً من عزل الولاياتالمتحدة". في الوقت ذاته كشفت مجلة "دير شبيغل" الألمانية في موقعها على الانترنت تفاصيل "مبادرة" فرنسية - المانية ستطرح في مجلس الأمن، تستند الى ارسال قوات الى العراق تحت علم الأممالمتحدة، للإشراف على نزع أسلحته "نزعاً كاملاً". في موازاة "مؤتمر الأمن الدولي" الذي افتتح امس في ميونيخ، وسط تظاهرات معادية للولايات المتحدة وفي ظل أجواء "ساخنة ومتشنجة" بسبب تصريحات وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد المستفزة للحكومة الالمانية، أُعلن في برلين عن "مبادرة شاملة" لحل أزمة العراق، تعمل لوضعها المانيا وفرنسا "سراً" منذ مطلع السنة، وستطرح قريباً جداً على مجلس الأمن. ونقل موقع "شبيغل اون لاين" الالكتروني عن ناطق باسم الحكومة الالمانية، ان الخطة السرية التي تعمل باريسوبرلين لوضعها تقترح ارسال قوات تحت علم الأممالمتحدة الى العراق لوضعه تحت رقابتها لسنوات، وتعمل تحت اشراف المنظمة الدولية من أجل نزع أسلحة الدمار الشامل فيه نزعاً كاملاً. وقال الناطق ان المانيا "ستكون عندها بين الأطراف المشاركة في القوات العسكرية" اذا حظيت الخطة بموافقة مجلس الأمن. وأفادت مجلة "دير شبيغل" في موقعها على الانترنت، ان المستشار غيرهارد شرودر يعمل منذ مطلع السنة مع الرئيس جاك شيراك لوضع خطة لنزع أسلحة العراق، تكون بديلاً من الحرب التي تعد لها الولاياتالمتحدة. ونقلت عن شرودر قوله ان "قول لا لم يعد كافياً الآن". وبموجب المبادرة التي ستطرح على مجلس الأمن، "سيكون كل العراق منطقة واحدة يحظر الطيران فوقها، فيما تدعم طائرات استطلاع فرنسية من نوع "ميراج 4" المفتشين الذين سيرتفع عددهم ثلاثة أضعاف. وتلحظ الخطة التي تبحث مع رئيس الاتحاد الأوروبي رئيس حكومة اليونان كوستاس سيميتس والرئيسين الروسي والصيني، فرض سلسلة من الشروط على بغداد تشدد الرقابة على مبادراتها الى الدول الصناعية، وعلى الاتفاقات مع جيران العراق لمنع تهريب النفط العراقي المعروف بأنه "يشكل المصدر الاساسي" لتمويل النظام في بغداد. وتميزت كلمة وزير الدفاع الاميركي الذي كان المتحدث الاول في مؤتمر الامن الدولي باتجاهين: اتجاه يتضمن مقاطع سلمية، وآخر يتضمن لهجة حازمة وصارمة عكست ما اعلنه الرئيس جورج بوش من ان "اللعبة مع العراق انتهت". وقال الوزير ان واشنطن "لا تزال تأمل بعدم ضرورة القوة لنزع اسلحة الرئيس صدم حسين". وتابع: "لا احد يريد الحرب، وهي ليست اختياراً سهلاً" . لكنه سارع الى تأكيد الموقف الحاسم لادارته فقال: "توجب الموازنة بين خطورة اندلاع حرب وبين اخطار الوقوف مكتوفي اليدين بينما يجهد العراق للحصول على اسلحة الدمار الشامل". واعرب عن "صعوبة تفهّم الذين يشكون في خطاب وزير الخارجية كولن باول الذي عرض هدف العراق" امام مجلس الامن. واضاف ان العالم "سيعرف خلال ايام او اسابيع قليلة هل يتعاون العراق مع المفتشين". مشيراً الى ان قرار الحرب مرهون ايضاً بمدى تجاوب بغداد معهم". وعرض رامسفيلد شرطاً آخر لتراجع واشنطن عن فكرة الحرب قائلاً: "سيكون محبباً لي اذا ترك صدام البلاد مع عائلته وبعض افضل اصدقائه". ولم يشأ الانتهاء من كلمته من دون ان يوجه ملاحظة استفزازية اخرى الى المانيا اذ اشار الى ان الخلاف على الموقف من العراق ينحصر بين حكومتي الولاياتالمتحدةوالمانيا، وليس بين شعبيهما. لكن وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر الذي كان المتحدث الثاني في المؤتمر، رد من دون تردد قائلاً: "ان تقدير رامسفيلد غير صحيح، لأن الغالبية المطلقة من الالمان تقف ضد الحرب على العراق، وليس الحكومة وحدها". وفنّد فيشر النقاط التي طرحها رامسفيلد، داعياً الى عدم الخضوع لمنطق "الزحف العسكري" مشيراً الى انه على عكس ضيفه، يدعو الى مواصلة عمل المفتشين. واضاف ان "المجتمع الدولي لم ينته بعد من مهمة سحق الارهاب الدولي وتنظيم القاعدة". ووجه كلامه الى رامسفيلد قائلاً: "سؤالي الانتقادي الاول هو: لماذا التغيير في الاولويات؟ انا لا افهم ذلك". ووسط الخلاف الاوروبي الاوروبي الذي ظهر امس في المؤتمر من خلال الكلمات التي أُلقيت، ولو في حدود نسبية، فاجأ زعيم المعارضة المسيحية الالمانية رئيس حكومة بافاريا ادموند شتويبر الحضور بقوله انه بعد استماعه الى كلام رامسفيلد لم يقتنع تماماً بالمبررات التي ساقها لتبرير الحرب على العراق. اما حليفته رئيسة الحزب الديموقراطي المسيحي آنجيلا مركل فانتقدت حكومتها بشدة وطالبت بالوقوف مع الولاياتالمتحدة. وفرضت حول مقر المؤتمر تدابير امنية استثنائية ونشر 3500 شرطي وسط ميونيخ التي شهدت منذ الصباح موجات متتالية من التظاهرات، كانت دعت اليها احزاب ونقابات والكنيستان الانجيلية والكاثوليكية ومنظمات يسارية وسلمية. وتظاهر حتى المساء حوالى 20 ألف شخص حملوا لافتات تندد بالولاياتالمتحدة والرئيس جورج بوش وبخطط الحرب على العراق. وكان رئيس بلدية ميونيخ بين الداعين الى التظاهر، والمشاركين. ويختتم مساء اليوم المؤتمر الامني الذي يشارك فيه حوالى 200 سياسي وخبير في الدفاع من اوروبا والعالم، بينهم 40 وزير خارجية ودفاع. وكان وزير الدفاع الالماني بيتر شتروك سخر من انتقادات وجهها المستشار في وزارة الدفاع الاميركية ريتشارد بيرل إلى برلين. وتساءل رداً على اسئلة الاذاعة العامة في هامبورغ : "من هو ريتشارد بيرل؟ هو ليس عضواً في الحكومة الاميركية، انه مستشار. وأرى ان لا معنى لرأيه". وأضاف ان المانيا "هي الدولة التي تبذل، بعد الولاياتالمتحدة، كثيراً من الجهود في مكافحة الارهاب الدولي، ودونالد رامسفلد يعرف ذلك... لا يمكننا ان نتصور" ان دونالد رامسفلد يشاطر مستشاره رأيه. وكان بيرل صرح نهاية الشهر الماضي بأن "المانيا لم يعد لها شأن. وليس من السهل على مستشار الماني ان يقود بلاده الى موقع لا اهمية له". وقال في حديث الى صحيفة "سويد دويتش تسايتونغ" ان "المستشار الالماني غيرهارد شرودر، اذ اعلن انه لن يدعم حتى عملية عسكرية تقوم بها الاممالمتحدة، اعتمد موقفاً متطرفاً الى حد انه لم يستبعد المانيا فحسب من الجدل القائم، بل استبعد نفسه ايضا". وأضاف ان المانيا لم يكن لديها في مطلق الاحوال منذ البداية "أي دور تلعبه في المسألة العراقية. وقد عرض المستشار موقفه من دون ان يطلب أحد من المانيا المشاركة في اي عملية". من جهة أخرى قال شتروك قبل لقائه نظيره الأميركي دونالد رامسفيلد أمس: "نحن حلفاء وسنبقى. واختلاف التقويم على العراق ليس من شأنه ان يعرض للخطر صداقة مستمرة منذ 50 عاماً".