لم تبدد التسريبات القليلة عن اجتماع رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون بزعيم حزب "العمل" عمرام متسناع اول من امس الغموض الذي اكتنفه الاجتماع السابق بينهما، الاثنين الماضي، وحال دون تمكن الاوساط الحزبية كافة والمعلقين في الشؤون الحزبية من قراءة الخطوات المستقبلية لكل من الرجلين واذا كان التقارب المفاجئ بينهما سيقود الى شراكة سياسية وحكومة وحدة وطنية بزعامة شارون، على ان يكون متسناع القطب الثاني الابرز فيها. ويفترض ان ينقشع الضباب بعد ظهر اليوم حين يلتئم المكتب السياسي لحزب "العمل" ليستمع الى زعيمه والى موقفه من قرار سابق اتخذه المكتب بطلب منه قضى بعدم اجراء مفاوضات مع حزب "ليكود" لتشكيل حكومة "الوحدة". ويتوقع ان يدلي متسناع ببعض تفاصيل ما دار في اجتماع كان مفروضاً ان يعقده مع شارون في ساعة متقدمة من مساء امس. وكاد معظم المعلقين يجمع على ان دخول "العمل" حكومة شارون مسألة وقت، وانه حتى في حال فشلت مساعي شارون الحالية لاقناع متسناع بالانضمام فان المستقبل القريب كفيل بتحقيق الانضمام خصوصاً حيال تفاقم الازمة الاقتصادية في اسرائيل التي باتت تهدد، على نحو غير مسبوق، بانهيار تام للاقتصاد الاسرائيلي. ويرى المعلقون ان التغيير المفاجئ في المواقف السياسية لشارون حقيقي وناجم عن ادراكه ان تعافي الاقتصاد الاسرائيلي لن يتحقق من دون حل سياسي للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي وهو الذي توهم بدعم من اركان الجيش ان "الحسم العسكري" للانتفاضة الفلسطينية وشيك. واشار هؤلاء الى ما قاله ابرز خبراء الاقتصاد في اسرائيل ورئيس "بنك اسرائيل" السابق يعقوب فرنكل لرئيس الحكومة الذي اقترح عليه تسلّم حقيبة المال في حكومته الجديدة ان حل الازمات الاقتصادية الخانقة لن يتحقق من دون تشكيل حكومة "وحدة وطنية" مستعدة لاستئناف العملية السياسية. لكن السؤال هو اي عملية سياسية يقصدها شارون واي "تنازلات مؤلمة"، بحسب توصيفه سيقدمها للفلسطينيين، وما هو موقف سائر اقطاب حزب "ليكود" من هذه "التنازلات"، وهل سيُقدم شارون حقاً على "خطوات جريئة" تشكل تحدياً لمعسكره اليمين المتشدد وتنفي عنه تاريخه المتطرف؟ وتكرر أوساط قريبة من شارون أنه أبلغ متسناع باستعداده المبدئي لقبول رؤية الرئيس جورج بوش في شأن حل النزاع و"خريطة الطريق" وفقاً للتعديلات التي ادخلتها طواقمه الاستراتيجية، وأنه يوافق على قيام دولة فلسطينية - من دون تسريب مقاسات هذه الدولة - واخلاء مستوطنات اقيمت في عهده وعهد سلفه ايهود باراك من دون استحصال إذنهما. وقالت النائبة القريبة من زعيم "العمل" يولي تمير إن متسناع لن يتراجع عن طلبه تدوين مواقف شارون "السلمية" في "مذكرة تفاهمات" تعلن على الملأ، وأعادت إلى الأذهان التزامات مماثلة كررها شارون لدى تشكيله "حكومة الوحدة" السابقة بمشاركة "العمل"، ولم يف أياً منها. وترى النائبة تمير، وهي من أشد المعارضين لاستئناف الشراكة الحكومية، في التعهد الخطي لشارون شرطاً أساسياً لاطلاق مفاوضات ائتلافية حقيقية. واعترف أبرز المعلقين في الشؤون الحزبية حنان كريستال بصعوبة توقع ما ستؤول إليه الاتصالات بين شارون ومتسناع، واعتبر الاجتماعات التي تمت بينهما شوطاً أول في مباراة يصعب تكهن نتيجتها قبل انتهاء شوطها الثاني. وأشار إلى الرسائل المتناقضة التي يتعمد متسناع بثها لمقربيه، مضيفاً ان هذا، مستفيداً مما حصل لسلفه بنيامين بن اليعيزر الذي لم يكن سوى مجرد تابع لشارون، سيحرص على تضمين الخطوط العريضة لحكومة وحدة، في حال تم الاتفاق على تشكيلها، بكل التفاصيل التي تناولها في لقاءاته مع شارون. وتابع ان موافقة شارون على طلب متسناع أن تشمل الخطوط العريضة إقامة دولة فلسطينية ستمنع حزب المتدينين الوطنيين مفدال دخول حكومة كهذه يرفضها المستوطنون، معقل هذا الحزب. وحذر قطب "العمل" سابقاً شلومو بن عامي قيادة حزبه من "الانجذاب لاغراءات السلطة ودخول حكومة بزعامة شارون"، معتبراً خطوة كهذه اسدال الستار نهائياً على حزب "العمل" وتاريخه. وقال إن "الوطنية ومصلحة الدولة" يمكن أن تتحققا أيضاً من خلال مقاعد المعارضة البرلمانية "ومن الأهمية بمكان أن يلمس الإسرائيليون أن ثمة بديلاً لسياسة الحكومة المخيبة لأمالهم يطرحه حزب معارض".