يدلف عدد كبير من الشبان السعوديين الى المقاهي كل مساء متوغلين في غيوم "الأرجيلة" بصفتها وسيلة الترفيه الأكثر شعبية في النصف الأول من الليل، تنفرد كل مدينة بتطبيق سياسة مستقلة تتحكم في طرق ترخيص المقاهي وتشغيلها. ففي الرياض مثلاً صدرت قرارات حازمة بتهجير المقاهي الى أطراف المدينة ومنعت النساء والعائلات من دخولها، والزمتها بغلق أبوابها بعيد منتصف الليل بقليل، وهي صورة تتناقض مع ترحيب مدينة جدة بمقاهي "الأرجيلة" على امتداد الكورنيش، أو ضمن زوايا المطاعم على مدار الساعة، كما أنها أتاحت دخولها للنساء والعائلات، إضافة الى وجود مقاه مخصصة للنساء. وتنقسم بقية المدن السعودية في طرق تعاملها مع المقاهي بين صورتي الرياضوجدة. وتعتبر مقاهي الرياض الأكبر من حيث الحجم، ويستوعب المقهى الواحد آلافاً عدة في الوقت ذاته، مع التميز برحابة مساحاتها، بينما تتشابه غالبية مقاهي جدة بصغر مساحاتها وأناقة ديكوراتها الداخلية. كما تتناثر مئات المقاهي على الطرقات السريعة الرابطة بين المدن، على رغم استمرار الجدل الفاتر حول الغاء المقاهي كنشاط ترفيهي تجاري أو إبقائها. يشيح زوار المقاهي السعودية وجوههم عن شاشات التلفزيون كلما لاح على صدرها خبر عن حرب محتملة ضد العراق، وتقلصت شعبية القنوات الإخبارية أمام زحف قنوات المنوعات وبرامجها الخفيفة، وكأن طبول الحرب تدق على كوكب آخر، وتقزمت حظوظ قناة "الجزيرة" الفضائية مقارنة بالLBC، لكن مؤشر المشاهدين يصعد الى الذروة عندما يكون الملعب مصبوغاً بألوان أحد الأندية العملاقة الأربعة: الهلال، النصر، الأهلي، أو الاتحاد، في حين تتطاير من زوايا المكان صرخات المتواجدين على نادل الجمر يستنجدون، أو ينهرونه قبل أن "تموت الجمرة وتطير الفكرة". يغيب تماماً حديث الحرب عن طاولات المقاهي، وربما مر عابراً على شفاه الجالسين ثم يخرج من سحب الدخان المتسارعة مع أول سعال يهز أكتاف أقربهم الى نافذة المقهى المتخشبة في محاولتها صدّ برد شتاء لم تفلح سخونة الاستعدادات العسكرية في كبح بحثه عن الصفر، بينما لا تزال أحاديث الحرب تحافظ على مكانتها في أروقة مقار العمل الحكومية والخاصة وتتمدد بأريحية بين طاولات المكاتب، وعلى لفافات الصحف اليومية المتناثرة بين المكاتب الحكومية أو المنازل، لكن ذلك التمدد يتقلص فوراً تحت قبة المقاهي، وربما ربطه أحدهم عند باب المقهى كما يفعل رعاة البقر بخيولهم عند أبواب البارات الخشبية في زمن انكماش تاريخ الهنود الحمر.