اخترنا ان نلوذ بالداخل، مهملين مكاننا المعتاد.. نطل على صخب الشارع ومرح الشباب وجنونهم الذي يمتد، دون رعشة الاختلاس، مجاهرا بالرغبات الحارة وبالارقام تتطاير على فتيات يعبرن، بسرعة او بتلكؤ، الى مدخل العائلات او الى سيارة الليموزين المفتوحة الابواب.. ونستمع الى خرير نافورة تنقط اوجاعا ملونة. خلتها كذلك. أبنت عن ملاحظتي. هز رأسه، وقتها، واكتفى بنفخ دخان الارجيلة، والتطلع الى الاحجار الصغيرة حول النافورة مضروبة بخضرة مريضة. لان الجو بارد. لان الهواء في دوامة عاصفة واعتكار. اخترنا ان نلوذ بالداخل، نحتمل شحيح الهواء وخدمة النادل السيئة. طوى جسده في الجبة. وترك يده تنساب تصفف، على الطاولة والى جواره، اوراق وجعه وعلب الدواء التي تزيد يوما بعد يوم، وما تنفك عنه غاشية الانفلونزا. اتكأ بقرب النافذة محكمة الاغلاق تحبس الهواء المترنح على رؤوسنا، ولا تمنع البرد من مغامرة الدخول وترجيف ابدان ضعيفة وركب بأن خذلانها وهي تختبئ في اردية الشتاء الثقيلة. اشتد عصف الهواء. اخذت نخلة تصفع بسعفها في نافذة متكئه. يشتد خبطها الموجع. أتريد الدخول، والاحتماء من ريح تقلقلها. من برد لم نشهد مثله. النخلة في عرائها وحيدة، وسعفها يدق. يلحس الزجاج ويرتد خائبا، كل مرة، من غوث لا يجيء ولا ينهض اليه حتى بالنظر. * ايتها النخلة، ابتعدي. ماذا تريدين مني. ابتعدي. عب الشاي في رشفات متقاربة. حذرته من سخونة تحرق. اشاح. هل هذا ما يحرق وحده؟! اعلم ما يتقد - داخله - ويجعل رأسه ينوس في حركة خفيفة ذات اليمين وذات الشمال، نافضا ما يشبه الكوابيس تغزوه ليل نهار شاهرة سكينا لها لون الحداد وجهامة وجه لا ينبئ بخير أبدا. رغم ان الوقت يتقدم في ساعاته الصغيرة، الا ان فتية آخر الليل يفدون مصحوبين بتواطؤ الجوال وهمسه الخفيض ورخاوة اعضاء تنفرش على الارائك في دعوة لا تخفى على عين بصيرة، ولا على اذن ينساب اليها الصوت العابث المبالغ في نعومته وفي جرأته. * (هذا اللي ناقصني)!! نتر جسده قائما، نافرا من (فتية آخر الليل).. نثر في طريقه الجمر الذي بدا كأنه يتبعه. قلت شيئا تصلب له وجهه في ألم. * هل انتبهت. حتى الجمر يتبعني. نوبة الصوت العابث لا تريد ان تتوقف. طبقة فاسدة تنضاف الى برد ليلنا.. (هذا اللي ناقصني)!! * هل نترك؟.. (كبدي تحوم)!! على عجل طلبنا الفاتورة.. نهض يلملم نثار وجعه من الاوراق. وقبل ان نترك منح عينيه لسعف النخلة الوحيدة، تدق النافذة في حمى لا تكف. زفر، وكتم تعليقا يفيض بكامل جسده.