دفعت الحرب الأميركية على أفغانستان والحرب المحتملة على العراق بالحاكم الحقيقي في عالم اليوم إلى السطح حين كشفت عن حجم النفوذ الذي تحظى به شركات النفط العالمية والمتعددة الجنسية على حساب الحكومات المحلية، نظراً إلى وصول مديريها السابقين والحاليين إلى أعلى هرم السلطة في العالم. ودفع ذلك رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد أخيراً إلى القول: "تعرضت ماليزيا في الفترة الماضية إلى حملة إعلامية معادية وذلك كلما برزت خلافات وتباينات بينها وبين شركات النفط العالمية، أملاً في انتزاع تنازل ماليزي لمصلحة هذه الشركات عبر الرضوخ لشروطها التي تلائمها، وكانت العادة ألاّ تتوقف هذه الحملات الإعلامية المناهضة إلاّ بعد حصول هذه الشركات على شروطها". وعرف عن الإدارات الجمهورية الأميركية بأنها تختار صناع قرارها من المجتمع الصناعي وقطاع النفط وهو ما حصل في إدارة الرئيس الحالي جورج بوش. وبنظرة متفحصة إلى من يقود صناعة القرار في البيت الأبيض يتجلى حجم نفوذ هذه الشركات التي تضع مصلحتها قبل أي مصلحة شعبية أو دولية أو حكومية. وعلى رأس المسؤولين الذين شغلوا مناصب في هذه الشركات الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش والذي كان المدير التنفيذي لشركة "أربستو" للطاقة بين 1984 و1987، ثم شغل منصب المدير التنفيذي لشركة "هاركن" النفطية بين 1986 و1990. وتولى نائب الرئيس الحالي ديك تشيني منصب الرئيس التنفيذي لشركة "هاليبورتن" بين 1995 و2000، وكانت الشركة مهتمة بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقة وسط آسيا. وتولت مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي منصب المديرة التنفيذية لشركة "شيفرون" النفطية بين 1999 و2000. ويعرف عن شركة "يونوكول" التي كان مقرراً أن تنفذ مشروع نقل الغاز من تركمانستان عبر أفغانستان إلى باكستان والشرق الأقصى علاقاتها الحميمة مع وزارتي الدفاع والاستخبارات الأميركيتين، وعمل زالماي خليل زاده مبعوث الرئيس الأميركي إلى أفغانستان مستشاراً لها، وكان ممن وقفوا وراء دعوة بعض مسؤولي "طالبان" في كانون الأول ديسمبر 1997 إلى واشنطن لتوقيع العقد مع الشركة. والمفارقة أن زاده كان من أكثر الداعين إلى إدماج "طالبان" مع المجتمع الدولي، ودعا المسؤولين الأميركيين في مقال له في "واشنطن بوست" آنذاك إلى الحوار مع "طالبان" والتمييز بين النموذج "الطالباني" الأفغاني والنموذج الإيراني، لكنه سريعاً ما غير رأيه بعد إطلاق صواريخ "كروز" على أفغانستان عام 1998. وبحسب مؤسسات متخصصة فإن أكثر من 100 مسؤول في الإدارة الأميركية الحالية لديهم استثمارات في شركات النفط والغاز الأميركية تقدر ب150 مليون دولار. ويعتقد كثيرون من المحللين ان الحرب في أفغانستان ضد "طالبان" كانت بسبب موقف الحركة السلبي من شركات النفط الأميركية وتفضيلها شركة "بريداس" الأرجنتينية على "يونوكول" الأميركية، علماً ان رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو أبلغت "الحياة" بعد سقوط حكومتها عام 1997 أن يونوكول "كانت خلف إسقاط حكومتي". وشغل معظم القادة الأفغان الحاليين سراً أو علناً مناصب في شركات نفط على أمل الحصول على عقود لهذه الشركات داخل أفغانستان، وفي مقدم هؤلاء الرئيس الأفغاني حامد كارزاي الذي عمل مع "يونوكول". ويتردد ان غالبية هذه الشركات قدمت مساعدات لأمراء الحرب الأفغان. كما ان عدداً من الوسطاء الذين عملوا في وساطة الأممالمتحدة بين الفرقاء الأفغان عملوا لدى هذه الشركات وأقنعوا أمراء الحرب في تغيير مواقف سياسية مفصلية. وعشية الحرب المحتملة ضد العراق عقد أحد أبرز المسؤولين في المعارضة العراقية سلسلة لقاءات في واشنطن مع مديري ثلاث شركات نفط أميركية ضخمة في تشرين الأول أكتوبر الماضي وأبدى استعداده لمنحهم حصة الأسد في نفط العراق الذي يمتلك ثاني أضخم مخزون نفطي يقدر ب11 في المئة من المخزون العالمي. ولا يزال لغز محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف غامضة اذ يعزوها البعض إلى مافيات الشركات العالمية أملاً في انتزاع تنازلات من تركمانستان التي توصف ب"كويت آسيا الوسطى"، في مشروع أنبوب الغاز المتوقع مده من عشق آباد إلى إسلام آباد عبر الأراضي الأفغانية والذي يصل طوله إلى 1500 كلم وتبلغ كلفته بليوني دولار لنقل 30 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً. وسيخفف بناء هذا الأنبوب من اعتماد تركمانستان على الخطوط الروسية، لكن المراقبين يرون أن مروره في أفغانستان المضطربة يجعل تطبيقه شبه مستحيل كما ان هناك تبايناً حوله بين الولاياتالمتحدةوبريطانيا في شأن الطريق الذي ينبغي أن تسلكه أنابيب الغاز التركمانية. اذ فيما تريد واشنطن أن يمر الخط في الأراضي الأفغانية والباكستانية، تعتقد بريطانيا بجدوى مروره عبر الأراضي الإيرانية بسبب الاضطراب الذي تشهده أفغانستانوباكستان. وعلى هذه الخلفية يقرأ بعض المحللين الهجمات الأخيرة التي اتهمت بها قبائل بلوشية ضد أنابيب الغاز الباكستانية، ما يجعل المستثمرين الأجانب يحجمون عن الإقدام على بناء أي مشروع للأنابيب عبر الأراضي الباكستانية. ومن جهة أخرى، يبدو أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي لم يفلح في زيارته الأخيرة للهند وباكستان في إذابة الجليد المتراكم بين البلدين الجارين في ملف أنابيب الغاز، اذ رفضت نيودلهي مد أنابيب الغاز الإيراني عبر الأراضي الباكستانية متذرعة بانعدام الأمن، علماً أن مرور الخط عبر الأراضي الباكستانية كان سيدر بين 300 و400 مليون دولار سنوياً على الاقتصاد الباكستاني. وتفضل الهند مد الأنابيب تحت مياه المحيط الهندي لتفادي استخدامه ورقة ضغط باكستانية ضدها في المستقبل. وكانت شركة "غازبروم" الروسية والتي تعد أضخم الشركات الروسية في مجال الغاز أعلنت عن استعدادها بناء هذا المشروع تحت الماء.