أربك الغزل الاميركي - الايراني الذي بدأ مع اختتام القمة الاسلامية في طهران العديدين من القوى على رأسهم الادارة الاميركية التي بدأت فوراً اجراء محادثات على ثلاث جولات في واشنطن رعاها مساعد وزيرة الخارجية الاميركية كارل اندرفورث مع السفير الايراني في الأممالمتحدة. وجاء الحوار بعد يوم واحد من الخطاب الذي وجهه الرئيس الايراني محمد خاتمي الى "الشعب" الاميركي وعبر فيه عن استعداده للتفاوض. وتوقف المراقبون عما يقصده من وراء كلمة الشعب وهل يقصد بها الادارة برئاسة بيل كلينتون كما هو حال خاتمي المنتخب أيضاً من قبل الشعب الايراني. وتقاطع ذلك مع اجتماعات كان يجريها وفد "طالبان" برئاسة وزير المعادن والصناعة احمد جان مع شركة "يونوكول" الاميركية في هيوستن. وأكدت المصادر توصل الجانبين الى اتفاق مبدئي يسمح للشركة الاميركية بمد أنابيب الغاز التركماني من تركمنستان الى باكستان عبر الأراضي الافغانية الخاضعة لسيطرة طالبان. وترافق الأمر مع حث الحركة على تشكيل حكومة موسعة تشمل الأطراف الأفغانية المعارضة. ووفقاً لمصادر مطلعة يستهدف التحرك الأميركي الاخير تطويق حركة طالبان وإثبات النية للإيرانيين بأنها غير داعمة للحركة التي اتهمتها طهران منذ البداية بأنها صنيعة اميركية ترمي الى احتواء نظام "الجمهورية الاسلامية". ويبدو ان التحرك الأميركي نحو موسكو وإجراء مساعد وزير الخارجية الاميركي محادثات مع نظرائه في الكرملين استهدف الطلب من موسكو ممارسة نفوذها على ايران اقناعها بصدق النوايا الاميركية وتبديد المخاوف الايرانية في هذا الصدد. ويذكر الى التصريح الذي أدلت به السيدة الاميركية الأولى هيلاري كلينتون وهاجمت فيه القوانين التي تفرضها طالبان والقيود التي وضعتها على المرأة الافغانية، كذلك التصريحات التي أدلت بها وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت اثناء زيارتها الى بيشاور وحملت فيها بعنف على نظام طالبان في كابول واضطهاده المرأة، كلها اشارات تطمين لدول الجوار واستبعاد اي علاقة مع طالبان. وعرفت طهران التي برزت بعد استضافتها للقمة قوية على المسرح الدولي خصوصاً بعد عوة سفراء الدول الغربية الى العاصمة الايرانية كيف تستثمر هذه الظروف فتحرك رئيسها ووجه رسالته الى "الشعب الاميركي". ولا شك في ان الصمت الذي لاذ به الصقور في طهران وعلى رأسهم مرشد الثورة الايرانية يشير الى رضا ان لم نقل مشاركة في اتخاذ هذا القرار الخطير الذي لا يمكن لخاتمي ان يقدم عليه لو لم يحصل على موافقة المرشد. ويسود التخوف لدى الافغان ان تكون الضحية بلادهم خصوصاً وأن التماس الاميركي - الايراني هو الأول من نوعه بهذه الصورة العلنية والرسمية منذ انتصار الثورة في العام 1979. وأثار تركيز اللقاء على الازمة الافغانية الشكوك بأن تكون اعادة العلاقات او تحسينها على حساب افغانستان. وشبه بعض المحللين النافذة التي احدثتها حركة طالبان في فتح الحوار مع ايران بالنافذة الباكستانية التي فتحها وزير الخارجية الاميركي آنذاك هنري كيسنجر في العلاقة مع الصين مطلع السبعينات. غير ان التغير في السلوك الايراني والتبدل في الوضع الجغراستراتيجي للمنطقة بحاجة الى مساومات ابعد من ذلك اذ لا بد ان يشمل احلافاً تشترك فيها واشنطن او طهران. وجاء تعليق وزير الخارجية الباكستاني جوهر ايوب خان غير المباشر ليشي بالمرارة من هذا التحرك حين نصح بشحن المواد الغذائية الى وسط افغانستان وهو معقل أقلية الهزارة المدعومة من ايران. وهي اشارة الى ما تردده باكستان عن دعم تسليحي ايراني للتحالف المناهض لطالبان المدعوم باكستانياً. اسلام آباد من جهتها لم تحسم خياراتها حتى الآن لكن ما يمكن الجزم به هو السعي الباكستاني في تقريب وجهات نظر طالبان مع المعارضة في الشمال الافغاني لقطع الطريق على اية محاولة تستهدف تهميش الدور الباكستاني. وبدأ ذلك بتوجه رستم شاه مهنمد مبعوث رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الى الشمال الافغاني ولقائه الرئيس الافغاني المخلوع برهان الدين رباني. ويذكر ان شريف التقى رباني على هامش اجتماعات القمة الاسلامية في طهران ووجه اليه دعوة الى باكستان وقبلها رباني. وأعقب هذا اعلان زعيم طالبان ملا محمد عمر رغبته في اجراء محادثات مع الرئيس الافغاني المخلوع وحضه على إرسال وفد من العلماء لهذا الغرض. وجاءت التحركات مع تسرب معلومات عن خطة اميركية تهدف الى تقسيم افغانستان تحدثت عنها "الأهرام العربي" وأكدها تصريح لقائد القوات الرئاسية الافغانية المخلوع احمد شاه مسعود الذي حذر من وجود مخطط لقوى اجنبية معينة يهدف الى التقسيم لم يحددها بالاسم لكنه تعهد بتفشيل هذه المؤامرة. ويذكر ان تفتيت افغانستان لا بد ان يلقي بظلاله على المنطقة. فالتقسيم على أساس عرقي سينعكس على باكستان لوجود ملايين البشتون على اراضيها الى البلوش في ايران كذلك الهند لوجود اقليم البنجاب. ولا بد من الاعتراف ان التقسيم في افغانستان واقع. فمثلاً الميليشيات الاوزبكية جنبش في الشمال الغربي لديها علم وتلفزيون وراديو وصحف وعلاقات دولية وقيادة وجيش ووزارة خارجية. كذلك الامر بالنسبة للرئيس الافغاني المخلوع في المناطق الخاضعة لسيطرته. كذلك طالبان التي أقدمت على خطوة غير مسبوقة حين اعلنت تأسيس الامارة الاسلامية ما أثار المخاوف من حصول التقسيم بعد اعلان الاسم الجديد. ويشار ايضاً الى انه لا توجد أية عرقية افغانية تود حصول التقسيم. لكن كعادة الظروف دخلت افغانستان أتون الحروب الاهلية وهي بالتأكيد ليست بدعاً في ذلك بعد ان حصل ما حصل منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الذي غذى العرقيات وظهرت للمرة الأولى جمهوريات بأسماء عرقيات مثل اوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان.