اعترف رئيس الوزراء اليوناني كوستاس سيمتيس الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي بأن الخلافات مستمرة بين الأوروبيين حول الأزمة العراقية، على رغم صدور بيان مشترك عن قمتهم أعاد اليهم وحدة ظاهرية. وقال ان الحرب ستكون "كارثة" على المنطقة حتى ولو "كانت مبررة". وشنت دول أوروبا الشرقية، أو "أوروبا الجديدة"، حسب تعبير وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، وأوروبيو أميركا، حسب التعبير الفرنسي، هجوماً عنيفاً على الرئيس جاك شيراك الذي قال انها "فوتت فرصة ثمينة لالتزام الصمت" حين أصدرت بيانات تأييد للولايات المتحدة. وكانت فرنسا رفضت دعوة دول أوروبا الشرقية المرشحة لعضوية الاتحاد لحضور القمة، ما اضطر الرئاسة اليونانية الى دعوتها لحضور اجتماع آخر أمس. لم تمض 24 ساعة على القمة حتى اعترف سيمتيس "باستمرار الخلافات" بين الاوروبيين. وقال ان هذا "الموقف المشترك" الذي وصفه بأنه "نجاح كبير" اعتمد "على رغم استمرار عدد كبير من الخلافات". ورأى في عرض لنتائج القمة أمام البرلمان الاوروبي ان "اللقاء ربما لم يكن مرضياً لبعض الذين أرادوا برنامجاً زمنياً محدداً بمراحل محددة بوضوح للايام والاسابيع المقبلة". وكان يلمح الى رغبة بلير في التأكيد على ضرورة تحديد موعد لانتهاء عمليات التفتيش. وأكد انه "في الوضع والظروف الراهنة ليس من الممكن البت في جدول زمني كهذا"، مؤكداً ان "المبادرة في هذا الشأن تعود الى مجلس الأمن الدولي". لكن سيمتيس قال ان القادة الاوروبيين توصلوا الى توجيه "رسالة مهمة جداً" مساء الاثنين باتفاقهم على "النقاط المشتركة التي يتمسكون بها". واكد سيمتيس ان حربا ضد العراق ستؤدي الى "كارثة" حتى اذا كانت "مبررة" بموقف بغداد، موضحا ان الدول ال15 اشارت في القمة الى ان "الحرب ستؤدي الى الكارثة حتى اذا كانت مبررة". واضاف: "لن نلجأ الى الحرب الا عندما تستنفد كل احتمالات السلام". وأكد ان الموقف يتناسب مع مقتضيات قرار مجلس الأمن، وهو رسالة الى القيادة العراقية تطالبه بعدم اساءة تقدير الوضع. وقال الممثل الأعلى خافيير سولانا ان الاتحاد الأوروبي توصل الى موقف مشترك يساعد في "تأمين زيادة الضغط على العراق لنزع أسلحة الدمار الشامل وهو هدف يتفق عليه الجميع". وأضاف في تصريح الى "الحياة" ان هذا الموقف "يتناسب مع قرارات مجلس الأمن". وقلل سولانا من أهمية الخلاف والهوة المتسعة بين الولاياتالمتحدة وبعض البلدان الأوروبية وفي مقدمها فرنسا والمانيا وبلجيكا. وقال: "المشاورات منتظمة بين الاتحاد والولاياتالمتحدة". لكن مصادر ديبلوماسية تتحدث "عن وحدة ظاهرية"، لأن المواقف ظلت متباعدة بين طروحات فرنسا والمانيا وبلجيكا لمعالجة الأزمة سلماً وموقفي بريطانيا واسبانيا اللتين تساندان صدور قرار آخر يسجل فيه مجلس الأمن انتهاكات العراق للقرار 1441. كما لم تتوصل القمة الى الاتفاق على توحيد الاقتراحات ووجهات النظر داخل مجلس الأمن. وقال وزير الخارجية اليوناني رئيس المجلس الوزاري الأوروبي جورج بابندريو ل"الحياة" ان البيان "يدعم نداءات الحل السلمي للأزمة ولا يرى الاتحاد الحرب حتمية". إلا ان المسؤولية الأساسية "تقع على عاتق القيادة العراقية". ويمثل البيان رسالة الى السلطات في بغداد، وقال بابندريو ان الطريق الوحيد لتفادي الحرب "هو أن يرد العراق على الأسئلة التي يطرحها هانز بليكس والدكتور محمد البرادعي". وبحثت القمة الأوروبية الوضع الانساني في العراق في حال تفجرت الحرب، وذلك خلال محادثات الزعماء الأوروبيين مع كل من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، وفي اللقاءات التي أجراها رئيس الوزراء التركي عبدالله غل مع المسؤولين في الاتحاد. وقال رئيس الوزراء اليوناني رئيس القمة ان الاتحاد وعد تركيا بتقديم مساعدات لاحتواء أزمة اللاجئين التي قد تتفجر في حال اندلعت العمليات العسكرية. وتحدث سيمتيس في مؤتمر صحافي عقدته الترويكا الأوروبية، بعد اجتماعها مع قادة وممثلي بلدان وسط أوروبا وشرقيها، عن "استعداد الاتحاد تقديم مساعدات الى البلدان التي قد تتضرر من الحرب". وكان الرئيس جاك شيراك أ ف ب أكد في ختام القمة انه "تم على ما يبدو تجاوز الأزمة الصغيرة في اوروبا"، معرباً عن ارتياحه الى "تحقيق تقارب فعلي". وقال المستشار الالماني غيرهارد شرودر: "بالطبع لم يكن من السهل ان نلتقي هنا ولم يكن من السهل ايضاً التوصل الى موقف مشترك". والمانيا هي البلد الوحيد في الاتحاد الذي استبعد المشاركة في اي تدخل عسكري ضد العراق. وجاء في البيان المشترك الذي اعتمده القادة الاوروبيون الاثنين ان "الحرب ليست حتمية ويجب عدم السماح باستخدام القوة الا كحل أخير". ودعا البيان الى منح المفتشين "الوقت والموارد التي يعتبرها مجلس الأمن ضرورية"، لكنه شدد على ان "عمليات التفتيش لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية في غياب تعاون عراقي كامل". واكد القادة الاوروبيون ان "الحشد العسكري" ضد العراق يجب ان يبقى "عاملاً اساسياً" للتوصل الى "تعاون كامل" من جانب الرئيس العراقي صدام حسين. وجددوا تأييدهم الدور المركزي للامم المتحدة في الأزمة العراقية. وجاء في البيان: "نصر على بقاء الاممالمتحدة محوراً للنظام العالمي. ونعترف بأن مسألة إزالة الاسلحة العراقية تعود اولاً الى مجلس الأمن". واكد رئيس الوزراء البريطاني في ختام القمة "انها الفرصة الاخيرة للعراق لازالة اسلحته بطريقة سلمية. سيتم نزع اسلحة العراق بطريقة سلمية او بالحرب". أوروبيو أميركا يهاجمون شيراك اتهم قادة دول في شرق اوروبا شيراك أمس باللجوء الى أساليب تتسم بالتشدد، ورفضوا طلبه تخفيف وتيرة تأييدهم للسياسة الاميركية تجاه العراق. وقال آدم روتفيلد نائب وزير الخارجية البولندي: "من حق فرنسا ان تعرب عن رأيها ومن حق بولندا ان تقرر ما يصلح لها. على فرنسا ان تحترم ذلك". واضاف: "كنت أفضل ان يعبر عن رأيه بصورة اكثر لباقة". وقال الكسندر فوندور نائب وزير الخارجية التشيخي رداً على سؤال عما اذا كان شيراك يريد التأثير على مستقبل دول اوروبا الشرقية "هذا هو المبرر". وكان شيراك شن هجوماً لاذعاً على دول شرق اوروبا مرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي، قائلا انها فوتت فرصة ثمينة لالتزام الصمت حين اصدرت بيانات موالية لسياسات اميركا بشأن العراق. وأضاف في مؤتمر صحافي بعد القمة: "هذه الدول لم تحسن التصرف ولم تأبه لخطر الانحياز بسرعة الى اميركا في موقفها". وزاد: "حين تصبحون في العائلة سيكون لكم حقوق اكثر". وحذر رومانيا وبلغاريا قائلا انهما لم تكونا حذرتين لأنهما ما زالتا تسعيان الى عضوية الاتحاد. وقال ديبلوماسي من اوروبا الشرقية ان شيراك تحدث بلهجة لم يكن حتى الاتحاد السوفياتي السابق يستخدمها مع حلف وارسو خلال هيمنته التي استمرت 40 عاماً على المنطقة. وأغضب قرار بولندا اختيار طائرات "اف 16" التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن" الاميركية بدلاً من طائرات فرنسية أو طائرات بريطانية - سويدية منافسة، دولاً داخل الاتحاد الاوروبي المقرر ان تنضم اليه بولندا العام المقبل. ووصف شيراك رسائل مشتركة وقعتها بولندا والمجر وجمهورية تشيخيا مع اعضاء الاتحاد الاوروبي بريطانيا واسبانيا وايطاليا والدنمارك والبرتغال وما يسمى مجموعة فيلنيوس للدول العشر المرشحة لعضوية الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي، بقوله انها "صبيانية" و"خطرة". واعتبر بلير أمس ان لدول أوروبا الشرقية "الحق بالتعبير مثلها مثل بريطانيا أو فرنسا". وأوضح: "كنت أرغب في مشاركة الدول المرشحة" في القمة الأوروبية الطارئة و"آمل بأن لا يقترح احدهم رفض عضويتها أو عدم منحها حق التعبير عن رأيها". وأضاف: "أظن ان آراءها مهمة لأنها دول تعي جيداً البعد التاريخي للأحداث لأسباب واضحة ... هذه الدول تدرك قيمة التحالف بين أوروبا وأميركا". اعتبر وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر أن برلين لم تغير موقفها من الأزمة العراقية بتوقيعها البيان المشترك. وقال عقب لقاء مع نظيره البرازيلي تشيلسو امورين في برلين "نجد في النص موقفنا من دون ان نحتاج الى ان نغير فيه شيئاً" واضاف: "لا نزال ملتزمين سياستنا من أجل السلام". واستبعد فيشر مجدداً في تصريح صحافي مشاركة بلاده في الحرب على العراق.