اشتدت حدة الجدال داخل الاتحاد الأوروبي حول الموقف الواجب اتباعه من مساعي الولاياتالمتحدة لبناء تحالف دولي موسع يدعم الحرب في موعد مبكر ضد العراق، وسط شكوك حول قدرة واشنطن على تقديم أدلة ملموسة لمجلس الأمن، الأسبوع المقبل، عن انتهاك العراق قرار مجلس الأمن رقم 1441، الخاص بنزع سلاحه. تحركت اليونان بقوة أمس، لمحاولة رأب التصدع في الموقف الأوروبي، في ظل خلافات واضحة بدا أن الموقف من العراق حملها الى الساحة الأوروبية، نتيجة التجاذب القوي الحاصل بين بريطانياوايطاليا واسباينا، من جهة، وبين فرنسا وألماني من جهة أخرى. وبعدما أُشير صباح أمس إلى سعي اليونان، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، الى طرح بادرة دولية لتوحيد موقف دول الاتحاد الأوروبي ودول الجوار المعنية بالعراق من الأزمة الحالية، يبدو أن الخطوة تعثرت بعض الشيء حينماسارع رئيس الوزراء اليوناني كوستاس سيميتيس لاحقاً إلى تكذيب الأنباء التي تحدثت عن عقد قمة أوروبية طارئة. وكان نقل عن دبلوماسي في أثينا قوله إن أثينا قد تدعو الدول المجاورة للعراق، ومن بينها السعودية وايران وسورية وتركيا، للانضمام الى الدول الأوروبية الثماني والعشرين، في محاولة لتوسيع الاجماع بشأن قرارات الأممالمتحدة. وتأتي هذه التحركات الديبلوماسية وسط انشقاقات عميقة في الاتحاد الأوروبي، بشأن تهديد الولاياتالمتحدة بالقيام بعمل عسكري مبكر ضد العراق، وبعد رسالة مؤيدة لواشنطن وقعت عليها الخميس ثماني دول أوروبية، هي ايطاليا واسبانيا والبرتغالوبريطانيا والدنمارك، بالاضافة إلى المجر وتشيخيا وبولندا. وكانت رئاسة الحكومة في أثينا أصيبت بصدمة بسبب رسالة الخميس، ما دفع سيميتيس الى اتهام الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد، والدول الثلاث الأخرى التي تتهيأ للانضمام الى الاتحاد، بأنها تعمل على عرقلة توصل الاتحاد الأوروبي الى صياغة سياسة خارجية موحدة. وقال سيميتيس: "الرسالة كانت عملاً مثيراً للمشاكل، لأنها تمت من دون القيام بالاستشارات اللازمة"، مضيفاً أن "الرئاسة لديها غرض وواجب إلزامي لتنظيم الحوار داخل الاتحاد الأوروبي حول الموقف المشترك"، الذي يتعين اتباعه، "وقد اتفقنا على ذلك". واعتبرت الرسالة بمثابة صفعة شخصية لرئيس الوزراء اليوناني، أذ على رغم أنه تحدث مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني، إلا أنه لم يُبلغ عن الرسالة إلا مساء الأربعاء، أثناء تناوله عشاء مع رئيس الوزراء المجري الزائر، بيتر مغدييسي، الذي كان يزور أثينا لتسوية بعض القضايا المتعلقة بانتساب بلاده الى الاتحاد الأوروبي. وبدا هذا التجاهل بمثابة انعكاس لافتقاد الشعوربالثقة في الحكومة اليونانية، التي وقفت بقوة مع المعسكر الفرنسي - اليوناني. وقال الناطق باسم الحكومة اليونانية كريستوس بوتوباباس إن اليونان اتصلت بكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصوص الرسالة، وإن الدول التسع الأخرى غير الموقعة أبدت تأييدها الكامل لسيميتيس.. وذكر بوتوباباس أنه "بات من الواضح أن البلدان التسعة، التي لم تشارك في المبادرة، قد أعلنت أنها تؤيد موقفنا وتعاملنا مع هذه القضية". "عصابة الثمانية" وكانت الصحف اليونانية هاجمت بقوة، أمس، رئيس الوزراء البريطاني وبقية القادة الآخرين الموقعين على الرسالة. وقالت صحيفة "تانيا" اليومية إن "عصابة الثمانية باعت أوروبا" وإن "الثمانية نسفوا الجهود المبذولة لتفادي نشوب حرب ... والرئاسة اليونانية للحرب".. وتحت عنوان "ثمانية مسامير في جسد أوروبا" كتبت صحيفة "ايفثيروتيبيا" اليونانية اليسارية المستقلة إن "الرسالة خيانة مزدوجة ضد الاتحاد الأوروبي، ... وتدعم مخططات الولاياتالمتحدة للحرب". ولا يبدو أن جهود أثينا لبلورة موقف أوروبي موحد قد انتهت، إذ أعلن توماس شتيغ، الناطق باسم الحكومة الألمانية في برلين أن "الرئاسة اليونانية للاتحاد الأوروبي اقترحت في 31 كانون الثاني يناير الدعوة الى عقد قمة استثنائية، منتصف شباط فبراير، للاتحاد الأوروبي لبلورة موقف من النزاع العراقي"، مضيفاً أن المستشار الألماني غيرهارت شرودر "سيشارك حتماً في قمة من هذا القبيل". وفي حين أبدت الدنمارك أمس استعدادها لارسال قوات كوماندوس وغواصة لدعم الهجوم الأميركي، قالت صحيفة "بوليتكن" اليسارية الدنماركية إن "رسالة العراق تهز أوروبا" لافتة إلى "أن العلاقات الجيدة مع الولاياتالمتحدة كانت أثقل وزناً من مراعاة الروح الجماعية في الاتحاد الأوروبي". وأضافت تقول منتقدة: "للولايات المتحدة أيضاً نفوذ أكبر من الاتحاد الأوروبي، لذلك اختار ثمانية من قادة الاتحاد الأوروبي توجيه رسالة دعم الى الرئيس بوش، من دون استشارة الدول الأعضاء الأخرى، متجاهلين بذلك مخاوف ألمانياوفرنسا من عمل عسكري". وقالت صحيفة "انفورميشن" الدنماركية المستقلة إن توقيع القادة الثمانية الرسالة "يجب النظر اليه أيضاً على أنه ثقل مضاد للتوجس الفرنسي - الألماني من فكرة شن حرب ضد العراق، وهو أمر يزيد حنق بقية عواصم الاتحاد الأؤروبي، مثل لندنوروماومدريد". وفي وقت لاحق عاد رئيس الوزراء اليوناني كوستاس سيميتيس، الذي أجرى اتصالات مع عدد من الزعماء الأوروبيين، ليؤكد أن بلاده لا تستبعد عقد اجتماع للاتحاد الأوروبي للتعامل مع الانشقاق الحاصل في وسط الكتلة الأوروبية. وبينما أبلغ ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية الأميركي، لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيخ الأميركي أن ما لا يقل عن 22 دولة عرضت تقديم مساعدات للقوات الأميركية في حملتها ضد العراق، على صعيد النقل والامدادات، أعلنت بلغاريا أمس أنها تنوي تشكيل قوة من 150 عنصراً من وحدات الكوماندوس للمشاركة في الحرب ضد العراق، وأنها تنوي تقديم دعم لوجستيكي للتحالف الدولي الذي ستقوده الولاياتالمتحدة، بما في ذلك فتح فضائها الجوي، والسماح للطائرات الأميركية باستخدام قاعدة سارافوفو، الواقعة على بعد 400 كليومتر إلى الشرق من العاصمة صوفيا. وتعتبر بلغاريا واسبانيا البلدين الوحيدين، الأعضاء في مجلس الأمن، اللذين وافقا يوم الأربعاء على مساندة الولاياتالمتحدةوبريطانيا في عملية تصويت استهدفت إدانة إخفاق العراق في التعاون بشكل كامل مع المفتشين الدوليين عن الأسلحة. وبدورها عبّرت البرتغال عن تأييدها للموقف الأميركي، وقال رئيس وزرائها خوسيه دوراو باروسو، إن العراق سيواجه عواقب خطيرة إذا لم يستجب بشكل كامل لنداءات الأممالمتحدة لنزع سلاحه طوعاً. وعلى القاطع السياسي الآخر في أوروبا، وجه رؤساء بلديات سبع عواصم أوروبية دعوة مشتركة ضد الحرب في العراق، "من أجل تعبيد طريق يقود الى الأمن والسلام لجميع شعوب الشرق الأوسط". ونشرت بلدية باريس نص الدعوة التي أطلقها رئيس بلدية روما فالتر فيلتروني، ووقعه رؤساء بلديات باريسولندنوبرلين وبروكسل وموسكو وفيينا. وقال رؤساء البلديات إن "النزاع في العراق يمكن تفاديه"، لأن الحرب "قد ينجم عنها من المشاكل أكثر مما تزعم النزعة العسكرية الأحادية الجانب قدرتها على حله...، وقد تبعد أكثر أفق السلام في الشرق الأوسط". واعتبر الموقعون أن "الحرب قد تزيد الهوة التي تفصل بين الغرب والعالم الاسلامي، وتعرض العالم أجمع لتصعيد إرهابي جديد"، وكذلك "تزيد من ضعف الدور الذي تضطلع به الهيئات الدولية، لا سيما الأممالمتحدة". وفي لندن، وفي بادرة تعكس وجود تفاوت في وجهات النظر داخل الحكومة البريطانية وحزب العمال الحاكم، حذرت كلير شورت، وزيرة التنمية الدولية البريطانية أمس من أن حرباً ضد العراق ستؤدي الى صراعات عرقية، وتعطل إمدادات الغذاء التي تشتد الحاجة اليها، وتلحق مزيداً من الضرر بشبكات المياه والصرف الصحي المتداعية بالفعل في البلاد. وقالت كلير إن "الاحتمال المروع" لاستخدام أسلحة بيولوجية أو كيماوية يجعل التخطيط لتقديم مساعدات عاجلة أكثر صعوبة، راسمة بذلك صورة كئيبة لأزمة إنسانية محتملة في العراق. وأشارت إلى احتمال نشوب حرب أهلية في العراق وانهيار عملية توزيع المواد الغذائية التي تشرف عليها الأممالمتحدة، في أعقاب عمل عسكري محتمل بقيادة الولاياتالمتحدة. ومن جهته، واصل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير توجيه تحذيراته الى العراق. وقال في مدريد أمس، قبيل مغادرته العاصمة الاسبانية متوجهاً الى الولاياتالمتحدة للاجتماع الى الرئيس بوش في منتجع كامب ديفيد حيث عقدا اجتماعاً بعد ظهر أمس، إن على الرئيس "صدام حسين أن يختار، فإذا لم يتمكن المفتشون الدوليون من نزع سلاحه، فسيتيعين عندئذ القيام بذلك بالقوة". وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا آثنار: "الأمر الذي لا بد منه هو نزع السلاح. وعلى صدام أن يختار".